الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

المهنة ناصح أمين

كريمة ابو العينين
كريمة ابو العينين

يحكى أن .. فى زمن ما ومكان ما كان يوجد رجل عُرف عنه الذكاء والرؤية الثاقبة فأطلق عليه أهل المدينة اسم الناصح وصار ذلك هو اسمه المتعارف عليه . 

لم يعرف أهل مدينة صغيرها وكبيرها مشكلة الا ووجدوا عند الناصح حلها وطريقة صائبة للخروج منها ، امتاز الناصح بالهدوء الجم والادب المبالغ فيه، لدرجة ان بعضهم كان يقول عنه انه ملك يمشى على الأرض. 

ذاع صيت ناصح وامتد اثره ليصل الى حاكم البلاد الذى كان قد اعلن عن وظائف عدة فى قصره ومن بينها مستشار سياسى للحاكم . 

كان ناصح فى بادئ الامر رافضا لفكرة ان يصير موظفا حكوميا تسرى عليه احكام وتعاليم وتوجيهات الحاكم وحكومته ، ولكن اهل بلدته نصحوه بأن يتقدم لشغل الوظيفة وبأنه لا يوجد من هو أحق منه بها ، كما أنهم أكدوا له انهم سيقدمون اوراقه رغما عنه اذا لم يقدم هو بها طوعا ورضا. رضخ ناصح لمطالب اهل مدينته وتوجه الى مقر الحاكم ومعه اوراقه وامنياته باصلاح الحال والاحوال لكل من فى بلدته . 

مر اسبوع وبعدها طرق بابه من يطلب منه التوجه الى مقر الحاكم ولما سأله هل لديه اية معلومات عن السبب ؛ تبسم مستبشرا بأن القادم خير . ذهب ناصح وبداخله خوف من الرفض يخيب به امال اهل بلدته فيه وثقته فى نفسه . 

فى اول دخول له الى مقر الحاكم اصيب برهبة لم يشعر بها من قبل زادها سؤال الحاكم له عن اسباب تقدمه لشغل هذه الوظيفة المهمة والتى تؤثر قراراتها على كل من هذا البلد ، اجابه بأنه أوتى من العلم الكثير وأيضا علمه ممزوج بالرحمة، اعجب الحاكم برده وقال له : الايام هى الحكم والفيصل بيننا . 

وبالفعل فقد أظهرت المواقف بأيامها ان ناصح فعلا يمتلك من الحكمة ما أخرج البلاد من ازمات كادت ان تعصف بأمنها واستقرارها . 

ذاع صيت ناصح وعلا نجمه وأصبح حديث القاصى والدانى وصار مقربا للحاكم ومؤنسه ورقم واحد فى الديوان الرئاسى مما اثار غيرة المحيطين وحقدهم ورغبتهم فى التخلص منه فأجمعوا أمرهم على الكيد له والايقاع بينه وبين الحاكم فاتفقوا على ان يذهب كل واحد منهم تلو الاخر يخبر الحاكم بأن ناصح يقول ويتكلم ويتفاخر بأنه لولا وجوده فى الديوان لخربت الدنيا وبأن الحاكم لا يستطيع ان يفعل شيئا من غيره بل انهم زادوا فى حديثهم ان ناصح يصف الحاكم بالغبى قليل الحيلة . 

شاط الحاكم وغضب غضبا شديدا وأمر بايداع ناصح فى غياهب السجون ومعاملته أسوأ معاملة ، لم يعرف ناصح جريمته التى أوصلته الى هذا المكان الكريه ولكنه طلب من الحراس ان يجلبوا له كل ما تقع عليه ايديهم من كتب وبالفعل تحولت زنزانة ناصح الى مكتبة ينهل منها ناصح ما يزيده من العلم والحكمة .

 سنوات مضت وانتهت بوفاة الحاكم وتولى  ابنه الحكم من بعده  . كان ابنه على علم بالمكيدة التى دبرها الوزراء والمقربون من أبيه لناصح وعبثا حاول ان يشرح لأبيه الا انه رفض الاستماع واكتفى بتصديق حاشيته واستمرار بقاء ناصح فى سجنه البغيض.

 لجأ الابن الى ناصح فى معتقله وطلب منه استشارات سياسية جمة وناصح يعطيه بلا ملل ولا كلل ، وجاء يوم أبلغ فيه ابن الحاكم الراحل والحاكم الحالى ناصح بأنه أعطى أوامره باطلاق سراحه وعودته الى منصبه مع ضمان كافة حقوقه والاعتذار له امام كل من فى المقر الحاكم عن اتهامات ابيه له وزجه فى السجن ، وهنا رفض ناصح العودة الى منصبه وطلب من الحاكم  الجديد ان يتركه يعود الى بيته ويعيش بعيدا عن اي اماكن تمت للحكم والحاكم بصلة وقال قولته الشهيرة : القرب من السلطان ضرر وهوان .