الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

خطيب الحرم المكي: حج القلب يبدأ قبل البدن وخير الأعمال التعبد

خطيب الحرم المكي
خطيب الحرم المكي

أمّ الشيخ فيصل غزاوي خطيب الحرم المكي، المصلين خلال صلاة اليوم الجمعة، حيث استهل خطبته بقوله: بعد حمد الله والثناء عليه، استشعروا إخوة الإيمان ما أنتم فيه من فيض الكريم المنان.

الإكثار من التعبد

وتابع خطيب الحرم المكي: “فها هو موسم الحج العظيم يجتمع فيه فضل الزمان وعظمته وشرف المكان وقدسيته وها هي عشر ذي الحجة أفضل أيام الدنيا، وقد قال عنها صلى الله عليه وسلم: (ما العَمَلُ في أيَّامٍ أفْضَلَ منها في هذه، قالوا: ولا الجِهادُ؟ قالَ: ولا الجِهادُ، إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخاطِرُ بنَفْسِه ومالِه، فلَمْ يَرْجِعْ بشَيءٍ) رواه البخاري”.

وأكمل خطيب الحرم المكي: أن الأفضل في أيام هذه العشر الإكثار من التعبد، لا سيّما التكبيرُ والتهليل والتحميد. وهذه العشر موسم مشترك بين الحاج وغيره قال ابن رجب رحمه الله: "فمن عجَز عن الحج في عام قدَر في العشر على عمل في بيته، يكون أفضلَ من الجهاد الذي هو أفضل من الحج"، فهلموا أرشدني الله وإياكم لنكثرَ فيها من ذكره ودعائه ونلهجَ بتمجيده والثناء عليه وشكر نَعمائه، فإن هذا مما يزيد في الإيمان واليقين ويُعين على الثبات على الدين.

ثم قال خطيب الحرم المكي: وها هي ذي مكة المعظمة أحب البلاد إلى الله، فيها البيت الحرام قال تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ﴾ ولهذا البيت محبة وشوق، وليس أحد من أهل الإسلام إلا وهو يَحن إلى رؤية الكعبة والطواف، والناسُ يقصِدونها من سائر الجهات والأقطار، وهاهم وفد الله من الحجاج والعمار يؤمون البيت الحرام؛ استجابة لأمر الله، وطلبا لمرضاة الله، قد أتوا من كل فج عميق؛ ليشهدوا منافع لهم، ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام، ويأكلوا منها، ويُطعموا البائس الفقير، ويَقضوا مناسكهم، ويُوفوا نذورهم، ويَطَّوفوا بالبيت العتيق، يعظمون حرمات الله، تلهج ألسنتهم على اختلاف أجناسهم ولغاتهم بالتلبية والتكبير والدعاء، يجتنبون الرجس كلَّه، وقولَ الزور، لا يشركون بربهم شيئا تحقيقا لكلمة التوحيد لا إله إلا الله؛ فلا ذبح ولا نذر ولا دعاء ولا استغاثة ولا طلب للمدد إلا من الله ولا صرْفَ شيء من أنواع العبادة لغير الله فغايتهم في الحج تعظيمُ الله والإقرارُ بوَحدانيته ونعمه، وتعظيمُ حرماته وشعائره.

وأضاف خطيب الحرم المكي: مما يحسن ذكره أن الأعمال الظاهرة يعظم قدرها أو يصغر؛ بحسَب ما في القلوب، وما في القلوب يتفاضل؛ لا يَعرف مقادير ما في القلوب من الإيمان إلا الله. وتعظيم شعائر الله صادر من تقوى القلوب قال تعالى: (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) فالمعظم لها يبرهن على تقواه وصحة إيمانه، لأن تعظيمها تابع لتعظيم الله وإجلاله، والحاج يمر بالمشاعر والمواقيت بقلبه شوقا ومحبة وتعظيما ورغبة قبل أن يمر بها بدنُه. 

وبين أنه يعلم أن القلب هو محطُّ نظر الرب ومناط التكليف ومنبع العمل ومحركه وأساسه. وحج القلب يبدأ قبل حج البدن، وحج البدن تبع لحج القلب، فالإخلاص من أعمال القلوب، والحج يكون خالصا من الرياء والسمعة، فالحاج يستشعر عند قوله: لبيك لا شريك لك أن اتجاهه وقصده إلى الله وإخلاصه له. وأعمال القلوب تتصل بكل شعيرة من شعائر الحج والعمرة؛ في محبة الله والشوق إليه وتعظيمه وإجلاله والخضوع له والتسليم والصبر واليقين والتوكل عليه والإنابة إليه، وغيرِها من أعمال القلوب فمتى حصل إخلال أو تقصير في ذلك ضَعُف أثر المناسك في النفس، ونقص الأجر، وأصبح الحج مجردَ أعمالٍ جوفاءَ خاويةٍ لا روح فيها. والمتأمل في آيات الحج يجد أن أغلبها قد قُرنت بأعمال القلوب، كما يُعَدُّ الحج من أكثر العبادات التي تظهر فيها شعائر الله تعالى، لما فيه من وقوفٍ بعرفه ورميٍ للجمرات وذبح للهدي، ومبيت في منىً ومزدلفة.