صيف الغضب

هلّ علينا هذا الصيف بحراك «تمرد» الذى نبع من تقييم غالبية الناس للحكم الحالى.. وتدل المؤشرات على احتمال الخطر الداهم، خاصة فى آراء المحللين السياسيين التى تشتمل على نهاية حكم الإخوان أو بداية حرب أهلية مفجعة، لذلك يستدعى الوضع الفكر الهادئ لفهم الواقع وتغيير المسار الحالى كلما لزم الأمر.
كنت أتوقع هدوء واستمرار حكم الإخوان لسنوات أربع أى فترة الرئاسة الأولى بعد الثورة، كان سبب ذلك أنهم قاسوا كثيراً فى العهد البائد، ويحتمل أن يكونوا قد تعلموا وخططوا للحكم الصالح، لكن الواقع يثبت أن قادتهم تتصف بغياب الرؤية وقلة الحكمة فى التعامل مع الوضع ومتغيراته، لذا قد انبثق حراك «تمرد» كأحد مؤشرات غضب قيادات الثورة من الحكم المتردى، وتبين الإحصائيات الحديثة أن الغالبية العظمى من أهل مصر «75٪» تتفق مع هذا الرأى.
يلزمنا اليوم وقبل فوات الأوان أن نحدد ما توقعه الناس خلال العام الماضى وأن نقيم أداء الحكومة لكى يتبين لنا ما يجب تغييره حتى نصل إلى بر الأمان، يشتمل ذلك فى نظرى على ما يلى:
أولاً: توقع الناس أن يثبت أول رئيس دولة ما بعد الثورة أن يكون رئيساً لكل المصريين رجالاً ونساء على حد سواء، بغض النظر عن دينهم أو مذهبهم أو منشأهم أو فئاتهم الاجتماعية أو العمرية، لكن الواقع يدل على المغالاة فى قمع كل من اختلف مع جماعته حتى فى الشكل أو المظهر.
ثانياً: اعتقد الناس أن حكومة ما بعد الثورة سوف تهتم فى مبدأ الأمر بإرساء الأمن والأمان فى كل أرجاء الوطن. كان ذلك ممكناً بفهم أسباب التناحر الاجتماعى والمطالب الفئوية للتعامل معها بطرق تتسم بحسن الأداء وسمو الغرض، لكن يدل الواقع على ازدياد الخلل الأمنى والتناحر الاجتماعى والغضب الشعبى حتى أصبحت مصر من الدول النافرة لما يتم فيها من شجار وإجرام واغتصاب، لم يكن لها مثيل فى الماضى.
ثالثاً: انتظر الشعب تشكيل حكومة متمكنة تشتمل على نفر من العقلاء والخبراء والقادرين على إصلاح الانسياب الإدارى والوضع الاقتصادى المزرى، لإعادة الثقة فى مؤسسات الدولة بشفافية مطلقة، لكن ما حصل هو الاعتماد الكلى على نفر من أهل الثقة، وتعيين الوزراء والمحافظين ورؤساء المؤسسات المختلفة من جماعة الإخوان أو من يتفق معها فى الرأى دون أى اعتبار للتعامل مع شريحة واسعة من المجتمع.
رابعاً: تطلب الواقع أن تبدأ حكومة العهد الجديد بتحديد معالم مخطط واضح للتعامل مع الأوضاع المزرية، مثلاً ازدياد إنتاج الغذاء والطاقة وإصلاح التعليم والصحة ورفعة القرى. تطلب الواقع أيضاً عرض هذا المخطط بشفافية كاملة على الناس لإشراكهم فى تنفيذ مراحله رويداً رويدا، لكننا نجد أن الحكومة الحالية ينقصها التخطيط للتعامل مع الواقع فى كل من المستقبل القريب والبعيد على حد سواء.
خامساً: انتظر الناس أن تعمل الحكومة الجديدة على رفعة مكانة مصر فى العالم بعد خمول العهد البائد، الذى أضر بمركزها فى العالم العربى ومكانتها فى أفريقيا وأهميتها فى العالم، لكن اتضح أن سياستنا الخارجية تتصف بالبلاهة والخلل، فخلال عام واحد ساءت علاقاتنا مع العديد من الدول، منها الإمارات العربية المتحدة التى دعمت مصر دون توقف منذ السبعينيات، وكذلك قطع العلاقات الدبلوماسية مع سوريا بدلاً من مشاركتنا فى حل مشاكلها، وغباء التعامل مع أزمة سد إثيوبيا، وكأنه مفاجأة، وغياب المخطط للتعامل معها، وكذلك محاولة تحسين العلاقات مع إيران دون أى مكسب لمصر أو للعالم العربى أو للعالم.
سادساً: انتظر شباب الثورة ألا يتركز الحكم فى يد جيل قد عفا عليه الزمن فكرياً وصحياً، وأن يشارك فى توجيه مسيرة الدولة كفاءات شابة تتصف بالريادة والقيادة والحرية الفكرية والقدرة على الإبداع. لم يحصل من ذلك شىء على الإطلاق بغض النظر عما يتم فى العالم ومؤسساته المرموقة، على سبيل المثال أعلن عن مشروع أبوللو رئيس دولة عمره 46 سنة، وكان رئيس وكالة ناسا وكل مدراء مراكزها فى الأربعينيات، وكان متوسط عمر رواد الفضاء وكل المسؤولين الفنيين 25 عاماً، إذن الجيل الصاعد يمكنه المشاركة فى التخطيط لمستقبل أفضل وللعمل على الوصول إلى الغرض المنشود.
نتج عن هذه الأسباب وغيرها نفور الناس من الحكم الحالى، ويمثل حراك «تمرد» أحد مظاهر هذا النفور، لذلك تمثل المسيرة المنتظرة فى 30 يونيو الحالى عملاً شعبياً لابد من أخذه فى الاعتبار بحسن نية وتعقل حتى لا يتطور إلى حد إراقة الدماء.
تحتاج مصر إلى فترة «نقاهة» هادئة، إذن يجب أن تتم مسيرة «تمرد» بسلمية دون مشاجرات. يجب أيضاً على الرئيس محمد مرسى أن يصارح الناس بالخطأ للبقاء حتى نهاية فترته، هكذا نثبت قبولنا للديمقراطية ومطالب غالبية الشعب.
لقد أثبت تاريخ مصر أن أهلها قادرون على رفعتها مهما كانت الصعاب، ولا شك فى أنه يمكننا إعادة مصر إلى مكانتها المرموقة عربياً وأفريقياً وعالمياً خلال عقد من الزمان، ولابد أن يكون ذلك هو أمل كل مصرى ومصرية. علينا جميعاً أن نضع هذا الأمل فى مخيلاتنا كدافع أساسى للعمل فى سبيل رفعة مصر.
نقلا عن المصرى اليوم