لاشك أنك إذا أردت البركة في الرزق، عليك أن تحرص كل الحرص ليكون مالك حلالا ، وهو أمر ليس باليسير لأننا في زمن الفتن التي تحاصرنا من كل صوب وحدب ، حيث إن الدنيا دار ابتلاء ، لذا عليك أن تسلك كل السُبل ليكون مالك حلالا وهنا يحدث الخلط عند البعض ممن يظنون أن المال الحرام هو المسروق فقط، فيما أن هناك تهاون في عدة أفعال تجعل جزاءك كمن أكل أموال الناس بالباطل، فصار الطريق المتبع ليكون مالك حلالا ليس معلوما بدقة، رغم أن الشرع الحنيف بين كل المسائل، إلا أن اللبس عند البعض لازال موجودًا .
ليكون مالك حلالا
قالت دار الإفتاء المصرية، إنه ليكون مالك حلالا عليك بتجنب ثلاثة أفعال شائعة بين كثير من الموظفين ، رغم كثرة نصوص النهي عنها بالكتاب العزيز والسُنة النبوية الشريفة .
وأوضحت «الإفتاء » عن السُبل المتبعة ليكون مالك حلالا ، أن تعطيل بعض الموظفين لمصالح الناس بدون حق أو الإبطاء فيها أو عدم تأديتها على الوجه المطلوب يعد أكلاً للمال بالباطل، وذلك حيث إن الموظف في الدولة هو عامل بأجرة، فهو مؤتمن على العمل الذي كُلف به وفُوِّض إليه؛ وعدم تأديته على الوجه المطلوب منه مع أخذه الأجر على العمل فيه خيانة للأمانة التي أؤتمن عليها.
واستشهدت بما قد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ، إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» (رواه الإمام البخاري)، منوهة بأَنَّ تعطيل المصالح والأعمال والإبطاء فيها أو عدم تأديتها على الوجه المطلوب أكل للمال بالباطل.
ونبهت إلى أنه قد نُهينا عن ذلك في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} الآية 92 من سورة النساء، مؤكدة أنه لا يجوز تعطيل بعض الموظفين لمصالح الناس بدون حقٍّ؛ وعلى فاعل ذلك التوبة إلى الله تعالى، حتى يكون كسبُهُ حلالًا.
الرزق
يجب على كلّ مسلمٍ أنْ يؤمن ويعتقد اعتقاداً جازماً بأنّ الله -تعالى- قدّر الرزق لجميع المخلوقات، ودليل ذلك قوله: (وَما مِن دابَّةٍ فِي الأَرضِ إِلّا عَلَى اللَّهِ رِزقُها وَيَعلَمُ مُستَقَرَّها وَمُستَودَعَها كُلٌّ في كِتابٍ مُبينٍ).
ويطلق الرزق في اللغة على العطاء، سواءً أكان في الدنيا أم في الآخرة، ومن الجدير بالذكر أنّ الله هو الرازق الوحيد ولا أحداً سواه، حيث إنّه خلق العباد، ورزقهم دون أيّ تعبٍ أو جهدٍ أو كلفةٍ منه، كما أنّه يعطي العباد ما يسألونه منه دون أنْ ينقُص من مُلكه شيئاً.
كما أنّه ورد اسم الرزّاق في القرآن الكريم في أكثر من موضعٍ فالرزّاق يدلّ على أنّ الله -تعالى- يرزق جميع عباده، مرةً بعد مرةً، كما أنّه صاحب قوةٍ؛ أيّ أنّ الرزق لا يُعجزه، إلّا أنّ الواجب على العبد السعي في تحصيل رزقه وكسبه، مع حُسن التوكّل على الله عزّ وجلّ.
ويجب على المسلم أنْ يعلم أنّ كثرة الرزق لا تدلّ على محبة الله -تعالى- لعبده، حتى إنْ وَجد المسلم أنّ أهل الكفر قادرون ومرزوقون بشكلٍ أكبر من أهل الإيمان والإحسان، ومن الواجب على المسلم أيضاً أنْ يصبر ويحتسب أمره إلى الله -تعالى- في رزقه، والنظر إلى من دونه في الرزق؛ ليكون
أسباب نزع البركة من المال
ورد أنّ لنزع البركة من المال وذهابها أسباباً كثيرة، ومنّها :
- الرّبا قال الله تعالى: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ)، والمحق يكون بإذهاب بركة هذا المال الذي حصل بسبب الربا، وممّا يزيد الأمر سوءًا جهل العديد من الناس بأحكام الربا والبيوع وغيرها من المعاملات الماليّة، فيقعون في المحظور من حيث لا يشعرون.
- كثرة الحلف على السّلعة عند البيع حذّر من هذا الفعل نبيّنا الكريم صلّى الله عليه وسلّم، وبيّن أنّه من الأشياء التي تنزع البركة، قال صلّى الله عليه وسلّم: (الحَلِفُ مُنَفِّقَةٌ لِلسِّلْعَةِ، مُمْحِقَةٌ لِلْبَرَكَةِ)، ويزداد محق البركة -وإن كان المال يزداد في ظاهره- إذا كان هذا الحلف على السلعة كاذبًا.
- كتمان عيب أو عيوب السّلعة عند البيع بيّن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنّ هذا الفعل من الأسباب التي تنزع البركة من المال، فقال صلّى الله عليه وسلّم: (البَيِّعانِ بالخِيارِ ما لَمْ يَتَفَرَّقا -أوْ قالَ: حتَّى يَتَفَرَّقا- فإنْ صَدَقا وبَيَّنا بُورِكَ لهما في بَيْعِهِما، وإنْ كَتَما وكَذَبا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِما)، فأن يبارك الله للبائع في ثمن سلعته التي سينقص ثمنها عندما يبيّن عيبها، فنقص ثمنها خير له من مالٍ كثيرٍ لا بركة فيه يجمعه بكتمان عيوب سلعته.
- عدم شكر النعم وكفرانها يتجلّى ذلك بعدم حمد الله على نعمه، أو إنكار فضل الله على الناس بتفضّله عليهم بنعمه التي لا تعدّ ولا تحصى، قال الله تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)، والعذاب الشديد يعني سلب النعم من جاحدها -والعياذ بالله-.
- الذنوب هي عمومًا سببٌ في أغلب ما يصيب الناس من بلاء، ومن البلاء أن ينزع الله عزّ وجلّ من المال بركته، فلا ترجع البركة إلّا برجوع العبد إلى ربّه بالتوبة، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "ما نزل بلاءً إلا بذنب، ولا رُفِعَ بلاءً إلا بتوبة".
- منع الزكاة يكون ذلك بعدم إخراجها إلى مستحقّيها، فمنعُها سببٌ في ذهاب بركة المال، بل يتعدّى بركةَ المال إلى بركاتٍ أخرى؛ كانحباس المطر الذي يرسله الله تعالى ليخرج به من بركات الأرض ما يشاء، قال الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)، وفي الحديث الصحيح الطويل قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (ولم يَمْنَعُوا زكاةَ أموالِهم إلا مُنِعُوا القَطْرَ من السماءِ).
- البخل والإسراف وعدم التوسّط بينهما قال الله تعالى: (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً)، فالبخيل يحبس بركة ماله، فلا هو ينتفع ببركته ولا ينفع غيره بها، والمسرف يُضيّع بركة ماله سريعا، فالتوسّط في الإنفاق يديم البركة بدوام المال، فلا يحبسه ولا يذهبه سريعا.


