الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

في حوار نادر.. توفيق الحكيم: موقفي من المرأة لم يتغير على الإطلاق

توفيق الحكيم
توفيق الحكيم

منذ زمن بعيد وهو يستأثر بأكبر قدر من اهتمام الكتاب والقراء على السواء، إنه الكاتب الكبير توفيق الحكيم الذي تحل اليوم ذكرى رحيله، والذي أحاطت به هالات من الإثارة والغموض لا ندرى مدى نصيبه في معها.

 

تم وصف توفيق الحكيم  مرة عدو المرأة، ومرة حبيس "البرج العاجي"، وثالثة "راهب الفكرة"، ورابعة "صديق العصا والحمار"، واتهمونه في بعض الأحيان بالبخل والشح، ورويا عنه نوادر تفوق حكايات "أشعب" و "أرباجون"، وصورونه  في وقت آخر، حينا  سارحا شاردا لا يكاد يعي شيئاً مما يدور حوله.


"صدى البلد"، تنشر جزءا من حوار نادر لتوفيق الحكيم أجري معه عام ١٩٦٤، ونشر في كتاب عشرة أدباء يتحدثون للكاتب فؤاد دوارة، والذي صدر عن مكتبة الأسرة عام ٢٠١٢.

 

وسأل فؤاد دوارة توفيق الحكيم، عن حقيقة موقفه من المرأة، ومدى صدق وصفه الشائع بأنه عدو المرأة، وهل طرأ تغير أو تطور على هذا الموقف ؟
ربما تدهش إذا قلت لك أن موقفي من المرأة لم يتغير على الإطلاق في أي مرحلة من مراحل العمر، وإن هناك فرقا كبيراً بين شعوري الخاص نحوها وشعوري العام، فشعوري الخاص نحو المرأة تجده في كل ما كتبت: المحبة أو ما هو أكثر من المحبة، أما شعوري العام نحو المرأة باعتبارها تطالب في المجتمع بوظيفة تشابه وظيفة الرجل تماما، فهذا هو ما أخالفها فيه، ولم يتغير طبيعة هذا الخلاف منذ مسرحية "المرأة الجديدة" حتى الـيـوم إلا قليلا جداً.

فأساس الخلاف هو ما تزعمه المرأة من أنها مساوية للرجل في كل شيء، وما تريده من أن تكون مثله في كل عمل من أعـمـال الحـيـاة، وقد تضخم عندها هذا الإحساس إلى درجة تكاد تكون مرضية، وبصورة يمكن أن نسميها "عقدة الرجل" ، وهنا موضع الخلاف بيني وبينها.

والسبب في عقدة الرجل، عند المرأة ربما كان ما ترسب من أجيال عديدة في كل المجتمعات من تفضيل الذكر على الأنثى، وفرح الأهل حين يسـمـعـون أن المولود ذكر، وحـزنـهـم إذا كان أنثى، ولعل ذلك يعطى المرأة العذر والحق في أن تصاب بهذه العـقـدة، ولكن شعوري الخاص أن الماء مخطئة حين تتعقد لهذا السبب، كما لا أبرىء المجتمع من مسئولية هذا الخطأ الجماعي المتأصل منذ القدم في تفضيل الذكر على الأنثى تفضيلا مطلقا جزافيا، لعل المجتمعات القديمة كانت معذورة لأن الرجل هو يحارب ويتحمل مشاق الحياة الجسدية الضرورية ، ولكن هل هناك أمل و أن تصحح المجتمعات المقبلة فكرتها عن المرأة فتجعلها في مكانة مساوية في الأهمية لمكانة الرجل، فيسر الرجل حين يرزق بأنثى نفس السرور الذي يشعر به حين يرزق بذكر ؟!

إن هذا لو تحقق وزال من المجتمع هذا التفريق فإن العقدة التي حدثتك عنها ـ عقدة الرجل - ستزول بدورها من شعور المرأة وتفكيرها.
من موقفي إذن هو ضد هذه العقدة عند المرأة وليس كراهية في المرأة ذاتها، ولعل هذا هو الذي جعل كثيراً من النقـاد والـقـراء يلاحظون شيئاً من التناقض في هذا الموقف، فكثيراً ما سمعت من بعضهم، وعلى الأخص من المرأة ذاتها ـ قارئة أو ناقدة ـ عبارات الدهشة من بعض كتـابـاتي، لأنها تفيض حبا وتقديرا للمـرأة ولا يمكن أن تصدر عن شخص يكرهها، والواقع أنى أحيانا ـ ربما دون تخطيط سابق متعمد ـ أصور المرأة في صورة مشرفة جداً، مثل "إيزيس" ، والغانية في مسرحية "السلطان الحائر" ، ولكن هؤلاء يتساءلون من جهة أخرى عن سر مـصـدر تسميتى "عدو المرأة" والحـقـيـقـة أنه ليست هناك عداوة، بل خلاف حول عقدة الرجل، عند المرأة، فأنا لا أريد للمرأة أن تضع في حياتها دائماً هذا السم المروع الفظيع الذي يفسد عليها حياتها حين تضع نصب عينيها بصفة مستمرة الرجل ومصيره ورسالته .

وليس معنى هذا أني أنكر على المرأة حق العمل والكفاح، فالعكس هو الصحيح، بل أنا مؤمن بأن المرأة تكون أحيانا أكثر قدرة على الكفاح من الرحل كل ما أنكره عليها هو هذه العقدة المرضية المسئولية عليها، ورغبتها في محاكاة الرجل إلى درجة مضحكة في بعض الأحيان، فإذا لبس البنطلون لبست مثله، وإذا احترف عملا جعلت همها أن تقوم بنفس العمل لا لشيء إلا لتثبت أنها ليست أقل قدرة منه .

وهذا الموقف يجعل المرأة تبدو أحيانا في مظهر بعيد عن الجدية والصدق والإخلاص مع نفسها، وأنا ـ لتقديري للمرأة ـ أنزهها دائما عن أن يكون مجرد ببغاء أو قرد كل مهمته المحاكـاة، ولا أريدها أن تتفرد بالشخصية الخاصة التي استطاعت أن تكتشفها في تشابهها مع الرجل، ولكني أريدها أن تكتشف نفسها وتتعرف إلى عناصر أصالتها هي، هذا هو كل موقفي  من المرأة .