يتميز قصر عائشة فهمي بعمارته وموقعه المطل على النيل في جزيرة الزمالك، ويمتلىء بالعديد من الحكايات وقصص الزواج والطلاق والقتل والخيانة، وكان به لعنة أصابت أصحابه، علي بك فهمي أغنى أغنياء عصره الذي تفنن في تشييده وتأثيثه، قضى به الجمل أوقاته مع زوجته الفرنسية التي أردته قتيلا بعد شهور من الزواج عندما واجهها بحياتها، ثم نالت اللعنة من الوريثة عائشة هانم فهمي التي لم تنجب من أزواجها الثلاثة، وكان أحدهم الفنان يوسف وهبـي الـذي أسسـت لـه شركة رمسيس للإنتاج السينمائي، فحول حادث مقتل شقيقها إلى فيلم.
أما قصر عائشة فهمي فهو محل نزاع بين الحكومة والورثة منذ الستينيات بعد أن انتزعت ملكيته لتحويله إلى فندق تارة وإلى متحف المجوهرات تارة أخرى، ويظل حتى هذه اللحظة حائرًا بين وزارة الثقافة التي حولته مجمعا للفنون وورثة عائشة فهمي،وهذا ما يخالف إحدى النشرات الخاصة بمجمع الفنون التي اطلعت عليها، وتشير إلى أن وزارة الثقافة اشترت القصر من الورثة، فبعد وفاة عائشة هانم فهمي انتزعت الحكومة في بداية الستينيات ملكية القصر، ولكنها تراجعت عن تخصيصه كمتحف المجوهراتالملكية لدواع أمنية، ووقع الاختيار على قصر الإسكندرية الذي كانت تمتلكه قصة حيدر ابنة شقيقة عائشة هانم فهمي، وأقام الورثة دعوى قضائية لاسترداد القصر الذي أقامه علي بك فهمي في العشرينيات.
وحسب ما جاء في كتاب «قصور مصر»، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، يوجد بالقصر الآن مقر مجمع الفنون، فقد تحولت قاعات القصر الذي يتكون من طابقين وبدروم إلى قاعات للعروض الفنية، وأقيم على حديقته التي اختفت أشجارها العتيقة مسرح مكشوف، وقد استمر ترميم القصر لسنوات قبل أن يعاد افتتاحه في مايو ٢٠١٧.
ويحتفظ قصر عائشة فهمي بشيء من رونقه القديم وأبهته وفخامته التي تنبئ بما كان عليه حاله وقت الإنشاء: التحف والثريات التي تزين معظم ردهاته، والرسوم المستوحاة من فنون عصر النهضة الأوروبية كسائر عمائر عصره، فإطلالته الرائعة على النيل بجوار نهاية كوبري بولاق في جزيرة الزمالك وبجواره قصر شامخ كانت تمتلكه عائلة فايظي، وأصبح يمتلكه الآن أمير سعودي يضيف إليه روعة.
كانت نهاية على بك فهمي نتيجة طبيعية لحياة عبثية، وكيف لا وقد ولد وفي فمه ملعقة من ذهب بفضل جهد والده على باشا فهمي الذي كان رجلا عصاميا صعد بجهده السلم الاجتماعي حتى قمته وكان صعيديا من مركز مغاغة بالمنيا ومهندسا ناجحًا، ويكفيه أنه هو الذي أقام مسجد الرفاعي الشهير الذي يقف عملاقا في مواجهة مسجد السلطان حسن تحفة الفن والعمارة الإسلامية، والذي لا يقل عنها مسجد الرفاعي .
أنجبت منيرة هانم من زوجها علي باشا فهمي أربع فتيات هن فاطمة هانم .. عائشة هانم .. عزيزة هانم ..زينب هانم ..وولدا واحدا هو علي كامل بك فهمي، كان الذكر الوحيد، فقد تمتع كثيرا بحياته وبثراء واسع، حتى لقبه البعض بالبرنس أو أمير شباب مصر، ومع الثراء والشباب والوسامة جاءت حياة ، فكان ضيفا على العديد من بنات الهوى، ولم تصمد امراة أمامه سوى مرجريت ميللر الغانية الفرنسية الفاتنة التي قابلها ذات مرة في القاهرة عندما نزلت ضيفة على صديقها الثري اليهودي المصري مسيو موصيري، فأعجب بها فطاردها في كل مكان.
وفي يوم الثلاثاء ٢٦ من ديسمبر ١٩٢٢م تزوجها البرنس علي فهمي وصمم أن تعتنق الإسلام، فوافقت بعد تردد طويل، حيث أشهرت إسلامها، وأطلق عليها اسم والدته منيرة هانم، أقامت معه في القصر الوردي على شاطئ الزمالك الذي قام بتأثيثه بفخامة، فجلب حجرة النوم الخاصة بملك الصرب وحول قصره إلى تحفة فنية.
وبعد شهر عسل قصير بدأت الخلافات والمشاحنات بين الزوجين المختلفين الطباع والميول والحضارة، ووصلت إلى ذروتها في منتصف اليلة الثلاثاء 10 من يوليو ١٩٢٣م، أي بعد نحو 7 شهور فقط من الزواج، وكان الزوجان ينزلان في فندق سافوي بالعاصمة البريطانية، فقدت مرجريت صوابها وقامت بإطلاق 3 رصاصات عليه، فهوى قتيلا بعد أن واجهها بعلاقتها الأثمة المستمرة مع أحد عشاقها، احتشد كثير من الرجال للدفاع عنها وفي مقدمتهم محام إنجليزي داهية هو السير مارشال مول ألمع المحامين في العالم أنذاك، وفي 11 من سبتمبر۱۹۲۳ بدأت جلسات المحاكمة في ردهات محكمة أولدبيلي في قلب لندن، وراح المحامي يسوق الأدلة على فظاظة الزوج وأن ممكن فعلت ما فعلته دفاعا عن نفسها أمام زوج شرقي متخلف.
وبعد خمسة أيام من المداولات حكمت المحكمة ببراءتها، وقد ظهر بعد ذلك أن ولي عهد بريطانيا شقيق الملك جورج الخامس ضغط على هيئة المحكمة لتبرئة ساحتها حتى لا يفتضح أمر العلاقة بينهما.
وبعدها آل القصر إلى الورثة، ثم تخرجت عائشة هانم الأخت الصغرى للبرنس مع بقية الورثة وأصبح القصر من نصيبها وحدها كما تشير إلى ذلك الوثيقة المسجلة في الشهر العقاري بتاريخ يوم الأربعاء ١١ من يونيه ١٩٢٤م والتي جاء نصها كالآتي :"قد باعت وأسقطت وأفرغت حضرة الست عزيزة هانم فهمي الطرف الثاني إلى حضرة الست عائشة هانم فهمي الطرف الأول ما هو خمسة قراريط وثمانية أسهم شائعة في كامل أرض وبناء المنزل الكائن بالجزيرة في آخر كوبري بولاق من الجمعة القربية والبالغ مساحته ٢٧٥٠ مترا مربعا، محدود من بحري بملك الخواجة ح هوج البنكير السويسري ومن قبلي بشارع فؤاد الأول بطول أربعين مترا ومن شرقي بنهر النيل ومن غربي بشارع الأمير سعيد.. صدر هذا البيع باعتبار أن المبيع وقدره خمسة قراريط وثلث هو حصة الست عزيزة هانم.. وقد صدر هذا البيع باعتبار ثمن المنزل جميعه 3600 جنيه مصري فيكون ثمن الحصة المبيعة هو 800 جنيه مصري تقر الست البائعة بأنها تمتلك الحصة المبيعة بالمنزل المذكور عاليا بطريق الميراث عنالمرحوم على بك كامل فهمي شقيقها والمرحوم علي بك كان يمتلكه بطريق تشييد مبانيه من ماله الخاص، ومشتر أرضه بموجب مستندات صحيحة".
وتشير الوثيقة إلى أن القصر مكلف باسم المرحوم علي بك كامل فهمي تحت سرة 76/55 شياخة الزمالك بشارع فؤاد الأول قسم عابدين محافظة مصر، وأن المنزل واقع تحت عوايد بموجب عقد صادر بقلم العقود الرسمية بمحكمة مصر المختلطة بتاريخ ٢٧ من مارس۱۹۲۰،وهناك وثيقة أخرى تخص فاطمة هانم فهمي التي باعث حصتها لشقيقها، وكان أحد الشهود الدكتور أحمد سعيد زوج عائشة فهمي.
وتزوجت عائشة هانم فهمي ثلاث مرات، ولم تنجب، كان زواجها الأول من الطبيب المصري أحمد سعيد طبيب أمراض نساء وتوليد، ثم تزوجت بعده من يوسف بك وهبي، ولم يدم زواجها كثيرا، كما يقول البعض؛ لأن يوسف وهبي استوحى قصة فيلمه «أولاد الذوات» من حادثة نسيبه المقتول، والذي حقق نجاحا هائلاً لدى عرضه نظرا لاهتمام الناس بالقضية، وكانت عائشة هانم قد ساعدته كثيرا في تأسيس مدينة رمسيس الخاصة به، وبعده تزوجت من أحمد فتحي عضو مجلس الشعب عن دائرة الفيوم، وكان لعائشة هانم فهمي نشاط واسع في العمـل الاجتماعي، وكانت عضوا في جمعية الهلال الأحمر، وكانت تربطها صلة قرية بهدى شعراوي خصوصا أن محمد شعراوي كان متزوجا من منيرة ابنة شقيقتها «فاطمة فهمي».
ويقول كريم عاصم حفيد فاطمة هائم فهمي حسين بك عاصم: «كانت عائشة صاحبة شخصية قوية للغاية، ويكفي أنها الوحيدة التي أوقفت قطار النوم أمام قصرها في مغاغة حتى تأتي بالطعام، وأنا شخصيا كنت أقر أمامها من شخطة واحدة».
وبوفاة عائشة هائم فهمي في عام ١٩٦٢م، آلت ملكية القصير في شقيقها فاطمة هانم وعزيزة هانم لتبدأ الأزمة بين الورثة الذين يعد قديم عاصم أحدهم، والمحامي عنهم ويقول: في عام 1964م صدر قرار نزع ملكية القصر لتحويله إلى فندق تابع للمؤسسة المصرية العامة للفنادق ايجون، وتم جرد محتويات القصر بمعرفة الضرائب واستلم كل من عبد الحليم عمر "عمي" وعزيزة هانم فهمي باعتبارهما حارسين على التركة بعض الأثاث وفي عام 1974م حدد القرار الجمهوري 164 بشأن نزع ملكية قصر المرحومة عائشة فهمي بوصفه من المنفعة العامة وتحويله إلى متحف العرض أسرة محمد علي.
وكان الدكتور محمد عبد القادر حاتم أول من اقترح تحويل هذا القصر إلى متحف لمجوهرات الأسرة العلوية، وكان آنذاك نائبا لرئيس الوزراء ووزارة الثقافة والإعلام وقدم مذكرة رسمية بذلك كان نصها:
«تسلمت وزارة الثقافة والإعلام مجوهرات أسرة محمد علي المودعة بخزائن البنك المركزي، فضلاً عن أنها تتسلم القلاع والنياشين والأوسمة التي بطل استعمالها والمودعة برئاسة الجمهورية، وقد وقع اختيار الوزارة "الهيئة العامة للفنون" على قصر المرحومة عائشة فهمي بالزمالك محافظة القاهرة ليكون متحفا لهذه الكنوز، وتقدر قيمة العقار بمبلغ 63 ألف جنيه، ويتطلب الأمر اعتماد مبلغ 65 ألف جنيه من وزارة الخزانة لحساب الهيئة العامة للفنون، وذلك تعويضا للملاك الذين آلت ملكية العقار إليهم بطريق الميراث الشرعي وهم السيدة عزيزة علي فهمي والسيدة فاطمة على فهمي والسيدة نبوية محمد المهدي والقصر إبراهيم وثيقين ووفاء أولاد المرحوم محمد جمال الدين توفيق».
وعرضت هذه المذكرة على رئيس الجمهورية فأصدر قرار نزع الملكية ولم ينقذ المشروع بعدما تغيرت الوزارة، واقترحت الوزارة الجديدة تخصيص القصر ليكون مقرا لواحدة من الجمعيات الاجتماعية الكبيرة، ولكن الرئيس السادات لم يوافق، ثم منحه إلى ثروت أباظة ليتخذه مقرا لرابطة الأدباء، وفي عام ١٩٧١م تحول إلى مخزن لوزارة الإعلام ولما رأى ورثة القصر البالغ عددهم 49 شخصا، أن الدولة لم تستخدم القصر للأغراض التي نصت عليها في قرار نزع الملكية أقاموا دعوى لاسترداده، وما زالت حتى هذه اللحظة رهنأروقة المحاكم وهم يطالبون بتعويض قدره ۳۰ مليون جنيه.