الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

التنين القادم سريعا .. هل تزيح الصين الولايات المتحدة من مكانة الشريك الأهم في الشرق الأوسط

القمة العربية الصينية
القمة العربية الصينية

تلفزيون الصين: 

سياسات الولايات المتحدة عملت على تخريب الشرق الأوسط وتأجيج صراعاته


الصين قادرة على جمع فرقاء المنطقة في أطر تعاون اقتصادي عملاقة


بكين لا تتبع سياسات تدخلية تجاه شركائها بخلاف واشنطن

 

في وقت سابق من هذا العام، عقدت الصين اتفاقية تاريخية مع إيران مدتها 25 عاما، في إطار تعاون البلدين في العديد من المجالات ذات الاهتمام المشترك بما فيها التجارة والاقتصاد والنقل، وذلك بالتزامن مع إطلاق بكين مبادرة من خمسة بنود تستهدف تحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، وتعزيز الاحترام المتبادل بين بلدانه وسبل تحقيق التنمية الاقتصادية فيها.

ورغم إبرام الصين هذه الاتفاقية مع جارة المملكة العربية السعودية (في حقبة تاريخية يسود فيها التوتر بين إيران والمملكة)، قام الرئيس الصيني شي جين بينج بزيارة إلى المملكة، شارك خلالها في قمتين خليجية - صينية وعربية - صينية، وشهد التوقيع على عدد كبير من مذكرات التفاهم والاتفاقيات من شأنها مواءمة رؤية المملكة 2030 مع ما يعرف بـ "مبادرة الحزام والطريق" الصينية، والتي تقدر قيمة الاستثمارات فيها بنحو 29 مليار دولار.

وحسبما ذكر تقرير لشبكة تلفزيون الصين الدولية، فإن هذه التطورات على درجة كبيرة من الأهمية، حيث تسلط الضوء على مدى نجاح نهج الصين في تحقيق المنفعة المتبادلة بين الطرفين، وقدرة بكين على إبرام مثل هذه الصفقات الضخمة والحفاظ عليها، ويعكس ذلك قدرة الصين على جمع فرقاء إقليميين في إطار واحد مقابل تأجيج الولايات المتحدة للانقسامات الإقليمية والدولية.

ولا يخفى أن العلاقات السعودية الأمريكية تمر مؤخرا بحالة من الفتور، على خلفية تقديم الولايات المتحدة مطالب ذات دوافع سياسية تحقق مصالحها الخاصة فقط من دول الخليج العربي دون النظر لتبعات مطالبها على تلك الدول، وذلك لتحقيق هدف واشنطن بإطالة أمد الصراع بالوكالة الذي تخوضه ضد موسكو، والذي تعد العقوبات أحادية الجانب إحدى أدوات تحقيقه.

ومن جانبها، رفضت المملكة العربية السعودية الضغوط الأمريكية وظهر ذلك جليا في تصويت المملكة لصالح خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميا، خلال آخر اجتماع لأعضاء مجموعة أوبك+ في أكتوبر الماضي، على الرغم من احتجاج الرئيس الأمريكي جو بايدن.

ولطالما اتسمت علاقات الولايات المتحدة بالمملكة تاريخيا بميل واشنطن لاستغلال الانقسامات في المنطقة لتحقيق مصالحها وأهدافها السياسية الخاصة، ومن الأمثلة الدالة على ذلك محاولة واشنطن إقناع الرياض بالانضمام لموقفها الداعم للتغيير السياسي في سوريا عام 2011، بذريعة الحد من تعاظم النفوذ الإيراني فيها وبالتالي في المنطقة، في محاولة من الجانب الأمريكي لاستغلال المخاوف لدى المملكة حيال مطامع طهران الإقليمية، كنقطة انطلاق لتقليص الدور الإيراني في الشرق الأوسط.

لكن السياسة الأمريكية في المنطقة دفعت الوضع فيها إلى نقطة أسوأ، حيث أدت الحروب المشتعلة لسنوات والنزاعات بالوكالة لصالح واشنطن إلى وقوع عشرات الآلاف من الضحايا وتدهور الأوضاع المعيشية لشعوبها بشكل مروع، ألقى بظلاله حتى على الدول التي لم تندلع فيها الصراعات بشكل مباشر، حيث اضطرت لاستقبال ملايين اللاجئين وتحمل عبء إعاشتهم، كما أدى استغلال واشنطن للانقسامات العرقية والطائفية في منطقة غرب آسيا إلى تفككها وخلق أزمة ثقة بين دولها، رغم أنها في أمس الحاجة للاتحاد الذي يضمن لها الاستقرار اللازم لتحقيق التنمية.

ومن هنا تكتسب زيارة الرئيس الصيني شي جين بينج إلى السعودية أهميتها الاستثنائية، والتي تأتي بعد جولة وزير الخارجية الصيني وانج يي في إيران ودول أخرى بالشرق الأوسط في وقت سابق من العام الماضي، وانطلاق مبادرة الصين للسلام في الشرق الأوسط، التي تتيح الفرصة لبلدانه للاتحاد ونبذ الخلاف من أجل تحقيق مصالحها المشتركة.

وتعمل الصين جاهدة لتعزيز حضورها في الشرق الأوسط ومعادلة نفوذ الولايات المتحدة فيه، كما تحاول تقديم طرح جديد داخل المنطقة بتعزيز قيم التعاون والعمل المشترك بين دولها تحت رعاية الصين، كبديل عن استخدام الغرب لسياسة فرق تسد لتقسيمها كما يفعل في أماكن أخرى من العالم.

ولعل ما يعطي الطرح الصيني بعض الجاذبية لدى دول المنطقة، هو امتناع الصين عن التدخل في الشئون الداخلية لدولها وفرض التوجه الفكري الصيني عليها كما اعتاد الغرب أن يفعل، لا سيما فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان، رغم التناقض الكامن في دول الغرب في سياق الحريات المدنية، والجرائم التي ارتكبتها خلال مغامراتها السياسية في الشرق الأوسط.

ويتماشى التوجه الصيني الذي يتسم بالتعاون المربح للطرفين في العلاقات الدولية مع الشكل الأكثر منطقية وقبولا للنشاط الدبلوماسي في عالم متعدد الأقطاب لا يزال قيد التشكل، بما يلبي تطلعات شعوب العالم ويضعها على قدم المساواة في امتلاك أدوات تحقيق أهدافها التنموية، ومن المتوقع أن يظهر هذا في تطورات نتائج زيارة الرئيس الصيني للمملكة العربية السعودية وسياسة الصين تجاه المنطقة بوجه عام.