قال الشيخ صلاح بن محمد البدير ، إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف، إن حسن الجوار وإكرام الجار يعد من الصلات التي ترتقي في المكارم ارتقاء البدور وتنتظم في لبة المجد انتظام الشذور وتتسع في الفضل اتساع البحور .
حسن الجوار
وأوضح " البدير " خلالخطبة الجمعة اليوم من المسجد النبوي بالمدينة المنورة، أن اسم الجار يشمل الملاصق الملازق الذي يجاورك بيت بيت والمقارب ولو لم يكن حديداً ملاصقاً والمقابل الَّذِي يَفْصِلُك عنه الطريق والمحاذي المسامت والمشارك في الزقاق والسكة والطريق والمخالط في المسجد ونحوه ، وقيل من ساكن رجلاً في محلة أو مدينة فهو جار لقوله تعالى في المنافقين ( ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلا).
وأضاف أنه جعل تعالى اجتماعهم في المدينة جوارًا وقد أمر الله ببر جار البيت والإحسان إليه وإكرامه دانياً كان نسبه أو نائياً ، فقال عزّ وجل : ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) .
واستشهد بما ورد عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه " متفق عليه، منوهًا بأن من حسن نجاره حسن جواره ومن أحسن إلى جاره نزلت البركة في داره ولا يستوي جار عطاف ودود يتخرّق في الكرم والجود ومن بنانه يجري الماء في العود وجار نكود كنود جحود.
إكرام الجار
وأشار إلى أن من إكرام الجار حسن عشرته وحفظ أمانته وستر عورته وغفر زلته وإقالة عثرته ورد غيبته وصون حرمته وذمته وإدامة نصيحته وإجابة دعوته ومكافأة صلته وقضاء حاجته وحسن نصرته ومعونته ورعاية جيرته والكف عن أذيته وترك التغرير به وختله ومخادعته لا يرهبُ الجيران غدرتنا حتى يُواري ذكرنا القبر.
ودلل بما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قيل : من يا رسول الله قال الذي لا يأمنُ جاره بوائقَهُ " ، والجوار قرابة بين الجيران فتحببوا إلى جيرانكم وأحسنوا إلى فقيرهم ويتاماهم وأراملهم ومساكينهم فالكرام الأجواد لا يظهر بينهم يتم أولاد الجيران ولا بؤسهم عن عبداللّه بن عباس رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول " ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع " وعن أبي ذر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا ذَر إذا طبخت مرقة فَأكثر ماءها وتعاهد جيرانك " رواه مسلم.
ونبه إلى أن للجوار سلطان في التأثير لأن الطباع سرّاقة والنفوس إلى التقليد توّاقة فيكتسب الجيران بعضهم أخلاق بعض بالتجاور والتزاور والمؤانسة والمجالسة وربما اتَّسم الجارُ بسمة جاره وتخلق بأخلاقه ولربما صلح الرجل بصلاح جاره أو فسد بفساده ولذلك كان النبهاء الألباء يتخيرون حسن الجوار قبل ابتناء الدار كما قال أبو تمام من مبلغ أفناء يعرب كلّها أتي بنيتُ الجار قبل المنزل عليك بجار القَوم عبد بن حبتر فَلا ترشدن إلا وجارك راشد.
من كلام أهل المعرفة
وأفاد بأن من كلام أهل المعرفة في اختيار الجار، الجار قبل الدار والرفيق قبل الطريق وقيل اعرف جارك قبل أن تشتري دارك وقيل من ساء جاره ساء قراره وقيل عليكم بحسن الجوار فإن السباع وعتاق الطير في الهواء تحامى على من يجاورها اطلب لنفسك جيرانا تجاورهم لا تصلح الدار حتى يصلح الجار ومن سعادة الدار حسن الجوار عن نافع بن عبد الحارث رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من سعادة المرء المسلم المسكن الواسع والجار الصالح والمركب الهنيء ".
وأشار إلى أنه أعرف من يكون بحال الإنسان أهله وجيرانه والسعيد من تتابعت ألسن أهل الثقة والأمانة من جيرانه له بالخير والثناء لأن ألسنة الجيران لسان الميزان وبينة الإساءة أو الإحسان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قالَ رجل لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم كيف لي أن أعلم إذا أحسنت وإذا أسأْت قَال النّبي صلى الله عليه وسلم " إذا سمعت جيرانك يقولون أَن قَد أحسنت فقد أحسنت وإذا سمعتهم يقولون قد أسأْت فقد أسأْت " أخرجه أحمد وابن ماجه ، قال عمر رضي الله عنه إذا كان في المرء ثلاث خصال فَلا يشدّ في صلاحه إذا حمده ذو قَرابته وجاره ورفيقه.
وتابع : والأذى بغير حق محرّم لكل أحد ولكن في حق الجار هو أشدّ تحرِيما وللجار حق فاحترس من أذاته وما خير جارٍ لا يزال مؤذيا عن أبي هريرةَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من كان يؤمن باللّه واليوم الآخرِ فَلَا يؤذ جاره " وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال رجل يا رسول الله إن فلانةَ يذكَر من كَثْرة صلاتها وصيامها وصدقَتها غير أنَّها تؤذي جيرانها بلسانها قال : هي في النّار قَال يا رسول اللّه فَإن فلانةَ يذكَر من قلّة صيامها وصدقتها وصلاتها وإنها تصدّق بالأنوار من الأَقط ولا تؤذي جيرانها بلسانها قال : هي في الجنّة " .
ولفت إلى ما قال بعض الأَدباء ليس للْجائر جار ولا تَعمر له دار وإذا كان في داره شَجَرَة فطالت حَتَّى صارت فروعها وأغصانها في دار جاره وتأذى منها فَتُشمّر وتُقْطَع وتُردّ إلى حال لا تُؤذي ولا يُحدِثُ شيئاً له صوت شدِيد مستَدام يؤذي الجار ويجب أن يزيل ما له رائحة خبيثة مستدامة تؤذي جيرانه كالمزبلة والقُمَامة والكُناسة ونحوها لأنه ضرر بين بالجيران.
حق الجار على الجار
وأكمل : ولا تجوز تربية الحمام الطيارة في أسطح البيوت السكنية لأنها تؤذي الجيران ومن الأذية ارتقاؤه السطوح التي يشرف بها على بيوت الجيران وحرمهم والتطلع على عوراتهم لأجله وتضرر الجيران أعشاشها وأوكارها وحطام عيدانها وسَلْحها وذرِّقها وخَذْقها وذلك عدوان عليهم فإن اتخذ طيوراً غير طيّارة للفرخ والبيض أو الأنس أو حمل الرسائل ونحو ذلك من غير أذى يتعدى إلى الناس أو اتخذ طيوراً مقصصات أو محفوظات لا يُطَيّرها فلا بأس ولا يجوز نثر الحبوب وبقايا الأطعمة ونشر مساقي الماء للحمام بين بيوت الناس وعلى وجه الطرق في الأحياء السكنية لما يترتب على ذلك من انتشار الأقذار والأوساخ وأذية الجيران.
وأكد أن من حق الجار على الجار ألا يخونه في أهله وأن يكفَّ بصره عن نسائه ومحارمه وأغضُ طَرفي إن بَدَت لي جارتي حتى يُواري جارتي مأواها وأعظَمُ أنواع الزنا وأفحشه أَن يزني الجار بحليلَة جارِه عن عبداللَهِ بن مسعود رضي الله عنه قال : سأَلت النّبي صلى الله عليه وسلم أَيُّ الذَّنبِ أَعظَمُ عند اللَهِ قال " أن تجعل للَه ندّا وهو خلقَك " قلت إنّ ذَلك لَعظيم قلْت ثم أَيُ قال " ثمّ أَن تقتل ولدك تَخاف أَن يطْعم معك " قلْت ثمّ أيُ قال " ثمّ أَن تُزاني بحليلَة جارِك " متفق عليه .
واستطرد : فجعل الزنى بحليلة الجار تلْوا لقتل النفس لما في ذلك من مفاسد الزنى كاختلاط المياه واشتباه الأنساب وحصول العار وأذية الجار ونبه بالحليلة على عظم حق الجار وأنه يجب أن يغار على حليلة جاره من الفاحشة مثل ما يغار على حليلة نفسه فعن المقداد بن الأَسود قال سأَل رسول الله صلى الله عليه وسلم أَصحابه عن الزنا قَالوا حرامٌ حرّمَهُ اللَهُ ورسوله ، فَقال " لأَنْ يزني الرّجل بعشرِ نسوةٍ أَيسرُ علَيه من أن يزني بامرأَةِ جاره "، وسألَهم عن السرقة قالُوا حرام حرّمها اللهُ ورسوله فَقال " لأن يسرق من عشرة أَهل أَبيات أَيسرُ علَيه من أن يسرق من بيت جاره " أخرجه البخاري في الأدب المفرد.