الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

زلزلة القلوب

هشام عصام
هشام عصام

أنين مكتوم، همهمات يملؤها الغبار، ظلام في كل مكان، تتخلل إلى مسامعه أصوات متداخلة، ما بين صرخات استغاثات وأصوات أخرى تحث رجال الإنقاذ على العمل دون كلل. كل تلك المشاعر في جوف طفل لم يتخطَ عمره حاجز الخامسة، وفيما يفيد البكاء ما لم يسمعه أحد؟ تحفه الملائكة لتطمئنه، تربط على قلبه لعل الغوث قريب، ثم تأتي معجزات الإله التي لا تنفد ولا تنتهي ليخرج الطفل من تحت الأنقاض ضاحكا مبتسمًا وكأنه كان يلهو ويلعب بينها.
مشاهد كثيرة من هذا القبيل مع اختلاف الأعمار، رجال ونساء وفتيات وصبية، وأطفال بل ورضّع، لكل ناجٍ منهم قصة تسطر معجزة من معجزات الله في خلقه، سبحانك فقد نجيت موسى في التابوت ويونس في بطن الحوت.
فاجعة الزلزال التي لم يلبث لأشقائنا في سوريا أن يستفيقوا من الأولى حتى جاءتهم الثانية، ليصب القدر ضرباته على نفس الأسرة بفقد عزيز لم تكن لتنسى آلام فقد الحبيب الأول منذ أيام، مشاهد أدمت قلوب العرب وآدمت قلوب الإنسانية كلها.

فاجعة حولت مشاعر الآمنين المطمئنين إلى الخوف والذعر، بدلت السكينة في قلوبهم إلى تفكير دائم (كيف أنجو إذا حدث مثلما حدث لأشقائنا في سوريا أو تركيا؟)، حولت النظرة الأنانية إلى نظرة أعم وأشمل (أهلي، أطفالي، زوجتي) ماذا لو كانوا مكان هؤلاء الذين فقدوا أرواحهم؟ ماذا لو حدث مثل هذا الزلزال بينما لست بينهم لأطمئنهم أو على الأقل أموت دونهم أو معهم؟!.

تفكير يشطر القلب إلى نصفين، يسرق النوم من العينين، يعيد النظر إلى الحياة كلها بشكل آخر، فتلك لحظة بين الحياة والموت، لحظة بين دار تحمينا وبين افتراش الشوارع لينهش البرد القارس عظامنا إذا نجونا، لحظة بين أهل تطمئن لوجودهم إلى وحدة تبقيك أبد الدهر مذعورا.

أربعون ألف قتيل حصيلة الزلزال كانت كافية لتوحد مشاعر الإنسانية كلها، دموع الأطفال الناجين من تحت الأنقاض كانت كافية لتخلع القلوب، صرخات النساء وبكاؤهن على ذويهن سحبت أرواحنا، مصيبة البعض تحذير للآخرين، تنبيه من القدر، وكأنها رسائل ربانية ليستفيق البشر من غفلتهم، ليعودوا إلى إنسانيتهم.