الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الأميرة والقزم

هند عصام
هند عصام

"لقد أثار حبيبى قلبى بصوته، وتركنى فريسة لقلقى وتلهفى، إنه يسكن قريبًا من بيت والدتى، ومع ذلك فلا أعرف كيف أذهب نحوه، ربما تستطيع أمى أن تتصرف حيال ذلك، ويجب أن أتحدث معها وأبوح لها، إنه لا يعلم برغبتى فى أن آخذه بين أحضانى، ولا يعرف بما دفعنى للإفصاح بسرى لأمى، إن قلبى يسرع فى دقاته عندما أفكر فى حبى، إنه ينتفض فى مكانه، لقد أصبحت لا أعرف كيف أرتدى ملابسى، ولا أضع المساحيق حول عينى، ولا أتعطر أبدا بالروائح الزكية".

تلك القصيدة الغزلية التى دونت فى بردية "شيستر بيتي " تحت عنوان "العاشقة العذراء"  والتى تأكد  أن  المصري القديم كان يعبر عن حبه ومشاعره   في مختلف المناسبات ولم يخجل من تسجيلها على جدران المقابر أو على أوراق البردى ويدل ذلك على وضع المرأة الراقى فى مصر القديمة التى سمحت لها بالتعبير عن مشاعرها دون  اعتبار للفرق  بين  الرجل  والمرأة  أو اعتبار ان علاقة الحب أمر مشين مثلما كانت تصورها بعض  الحضارات القديمة.

جميعنا نعلم ان الحب يصنع المعجزات و امتلأ سجل الحضارة المصرية على مر العصور ، بالكثير من قصص الحب التي تكللت بالزواج، ولكن ما فعلته سنت من أجل سنب يختلف تماماً وتعتبر من أغرب قصص الحب على مر التاريخ.

كانت سنت أميرة من العائلة الحاكمة و كان سنب قزما من قصار القامة وكان مسؤولا عن الحلي، والملابس الملكية فى القصر ،  سنب كان كاهنًا جنائزيًا فى عصر الملكين خوفو وجدف رع و في مصر القديمة يقومون  بتوظيف أغلب الأقزام في وظيفتين إما العمل في صناعة الحلي الذهبية لدقة أصابعهم أو في أغراض التسلية والمرح والرقص و بدأت قصة  الأميرة والقزم "سنت و سنب" عندما طلبت أن يصنع لها زيا من الفينوس وحلى وهى تميمة وسورة على شكل قرص الشمس ولَم يلبى طلبها الخدام وعندها ثارت سنت على خدمها وركضت سنت بنفسها إلى رئيس الأقزام وهو سنب وعندما رأى سنب سنت وقع فى حبها من أول لحظة وكانت سنت حسنة الوجه ذات قوام ممشوق وبشرة بيضاء وشعرها منسدلاً على كتفيها مثل سواد الليل وترتدى ملابس مثل حوريات البحر وبالرغم من غضب سنت على سنب إلا أن سنب امتص غضب سنت بذكائه وفصاحة لسانه ببعض الكلمات الرقيقة التى تركت أثرا بداخل سنت وجعلها تفكر من أول لقاء وتعمد سنب الا يرسل ملابس وحل سنت فى الموعد المتفق عليه حتى تذهب إليه و يراها مرة أخرى كى يتطلع إلى نظرات عينيها الفاتنة وكأنها كانت تريد ذلك هى الأخرى ومن هنا تعرفت الأميرة على سنب وبدأت قصة حب من أغرب قصص الحب على مر التاريخ التى تبادلا فيها رسائل الحب والغرام .

 قصة تحدت فيها الأميرة سنت جميع العائلة الحاكمة وبالرغم من رفض الجميع لهذه العلاقة التى أضطرت وقتها سنت إلى التهديد بالانتحار لو أستمر رفض زوجها من القزم سنب عند ذلك تراجعت أفراد العائلة الحاكمة عن رأيها وتركت سنت تتزوج من سنب بعد تنصيبه فى منصب يتناسب مع زواجه من أميرة وأصبح سنب رئيس خزانة الدولة و لا يصنع الأزياء والحلى إلا لأميرة قلبه وحبيبته سنت.  

وكانت الأميرة سنت ذات شخصية قوية وجريئة  فهى أول من بادرت بطلب يد القزم سنب للزواج وكان عقل سنب لا يستوعب ما تفعله الأميرة من أجله و لا يصدق أن أميرة جميلة و ذكية مثل الأميرة سنت تقع فى حبه لدرجة أنه كان يقول لنفسه ولها أن ما يحدث لا يمكن أن يكون حقيقة يمكن أن يكون حلم أو أنتِ تخدعينى فلا يمكن لأميرة مثلك أن تتزوج قزما خادما مثلى وحينها أمتلأت عين الأميرة سنت بالدموع وجلست على ركبتيها وأمسكت بيديه الصغيرتين ونظرت فى عينيه  بكل حب وحنان وقالت  له أحبك وهذا هو الأهم أنت الرجل الوحيد الذى أشعر معه بالأمان وأنت الوحيد الذى يمكنه أن يسعدنى فلا تتخلى عَنِ وانا أحبك فأقسم لها سنب وقال لها لن أتخلى عنكِ أبداً أنتِ فى دمى .وتزوج سنب حبيبة قلبه سنت التى لم تخجل يوماً منه أبداً.

وجسد الحبيبان  (سنب وسنت) قصة حبهما في عمل فني راقى ، وقدم لنا مدى الحب والوفاء والإخلاص فى هذه العلاقة الزوجية الجميلة، كما ظهر ذكاء الفنان في تشكيل التمثال بوضعية مثالية تخفي عيوب فرق الطول والحجم بينهم يُصور سنُب جالساً بأرجل متدلية وبجانبه زوجته تعانقه بمودة وحب شديدة، فهي تضع يدها على كتفه، ولتحقيق التناسق في التمثال، قام النحات بتصوير أبناء سنُب مكان رجليه ليصبح بطول زوجته، وصوّر الطفلان عراة حسب قواعد الفن المصري القديم، وكلا منهما يضع أصبعه السبابة في فمه، كما كان من العادة إظهار لون المرأة أفتح من الرجل بحكم العمل الخارجي للرجل وتعرضه للشمس، واكتملت المنظومة اللونية جمالاً بالرداء الأبيض الكتاني الطويل لـسنت، والنقبة البيضاء القصيرة لـسنُب.


-