الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ليلة الرؤية

هشام عصام
هشام عصام

يؤذن لمغرب يوم التاسع والعشرين من شهر شعبان، نتسابق جميعا إلى المسجد لنصلي في جماعة، يصطحبني أبي ومعي أخي الصغير لنؤدي صلاة المغرب، ننتهي من الصلاة ويذهب كل أهل القرية مسرعين إلى المنازل، منهم من يفتح الراديو ومنهم من يفتح التلفاز، ننتظر ظهور مفتي الديار المصرية ليبشرنا بقدوم شهر رمضان الكريم، ها هو المفتي قد أخبرنا بأن غدا أول أيام شهر رمضان، أجري وإخوتي وأبناء عمومتي إلى الشارع، نضيء الشموع في الفوانيس، نصرخ فرحا وابتهاجًا، أبي وأعمامي يجتمعون ويتبادلون التهاني، أمي تثور على المنزل، تنظف كل ركن فيه وكأنها لم تنظفه منذ ساعتين فقط، أقطع اللعب وأجري مسرعا إلى إحدى السيدات في القرية لأشتري منها كيس فول بـ 25 قرشا للسحور، ونقضي الليلة فرحا وسعادة حتى صلاة الفجر.

 

 

كل تلك الطقوس التي ذكرتها، أكتبها والدموع لامعة في عيني، أذكر كل التفاصيل الجميلة التي نفتقدها الآن بين أبناء الأجيال الحالية، أجيال حولت شهر رمضان الكريم إلى أيام عادية، لا فرحة فيها ولا بهجة، شهر قتلت فرحته التكنولوجيا والهواتف المحمولة، قضينا فيه على كل جميل من الزمن الجميل.

 

تحولت الفرحة إلى فرحة قلبية فقط، المظاهر المبهجة والمبهرة اختفت كثيرا، مهما حاولوا الآن من رسم معالم للفرحة لن تكون مثل الماضي، أيام كانت الفرحة فيها هي اجتماعنا، كانت السعادة تتمثل في مائدة واحدة تجمع كل العائلة، صلاة التراويح خلف إمام نحب صوته ولا نمل من الصلاة وراءه مهما طال الوقت، قارئ للقرآن نجتمع على صوته في القرية بعد صلاة التراويح حتى منتصف الليل.

 

السحور الأول، تلك الوجبة المقدسة من الفول، ورغم كل آثاره على الصيام طيلة النهار إلا أنها وجبة مقدسة، أذكر أنني وإخوتي كل منا يمسك كوبا من الماء يشبه الدلو لنظل نشرب حتى أذان الفجر، ظنا منا بأننا لن نشعر بالعطش في النهار إذا أكثرنا من الشرب في السحور، وفي الحقيقة أنه بمجرد سماع أذان الفجر، كأننا لم نشرب شيئا ونشعر بالعطش كالتائهين في الصحراء.

 

شهر رمضان هو الشهر الوحيد الذي يختلف عن العام كله بكل تفاصيله، حاولوا الحفاظ على اختلافه وقدسيته، اصنعوا لأنفسكم طقوسا مختلفة تعيش بين أبنائكم لسنوات طويلة، اصنعوا فرحة وانشروها بينكم، اجعلوا كل يوم فيه يحمل ذكرى جديدة، السعادة التي عشتها في طفولتي أحاول أن أصنع الآن مثلها لأطفالي... رمضانكم كريم وكل عام أنتم بخير.