الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أول جمعة من رمضان.. خطيب المسجد الحرام: صاحبوا التقوى في شهر الصيام

خطيب المسجد الحرام
خطيب المسجد الحرام

قال الشيخ الدكتور فيصل بن جميل غزاوي، إمام وخطيب المسجد الحرام :  يا عباد الله اتقوا الله الملكَ العلام، وصاحبوا التقوى في شهر الصيام، ولتكن صفةً راسخةً لكم على الدوام، وعليكم بتزكية الأعمال والأقوال بالتقوى والإخلاصْ، المبادرة بالتوبة.

صاحبوا التقوى في شهر الصيام

واستشهد " غزاوي"  خلال خطبة الجمعة اليوم من المسجد الحرام بمكة المكرمة، بما قال الله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾، مضيفًا: الحمد لله واسع العطايا وجزيل الهبات، ذي الفضل والإحسان والمكرمات، جعَل في أيام الحياة مواسمَ خيرات، وفرصًا للتزوُّد من الطاعات.

وتابع:  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب العباد وباري البريات، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المنعوت بأشرف الخلال الزاكيات، صلى الله وسلم وبارك عليه مادامت الأرض والسماوات، فيا أيها المسلمون: يقول سبحانه ممتنا على خلقه ﴿وَما بِكم مِن نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ فالنِّعم كلها من الله وحده، لا من أحد سواه؛ فلنرغب إلَيْهِ أن يلهمنا ويوزعنا شكرها. .

وأوضح أن من نعمة الله على عبده وفضله وإحسانه أن يستبقيَه حيا صحيحاً معافى حتى يدرك مواسم الخيرات فيتزود من القربات ويسابق في ميادين الطاعات، فقد جاء في الحديث: أن رجلين قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلما، واستُشهد أحدهما ثم مكث الآخر بعده سنة، ولما رُؤي في المنام أن الذي مات على فراشه دخل الجنة قبل الآخر بحين تعجب الصحابة فقال صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "من أي ذلك تعجبون "؟.

من نعمة الله على عبده

وأضاف:  قالوا: يا رسول الله! هذا كان أشدَّ الرجلين اجتهاداً، ثم استُشهد في سبيل الله، ودخل هذا الجنة قبله! فقال: "أليس قد مكث هذا بعده سنة؟ " قالوا: بلى " وأدرك رمضان، فصامه ؟ "!قالوا: بلى " وصلى كذا وكذا سجدة في السَّنَة ؟ "! وفي هذا ما يدل على فضْل طول العمر وزيادة العمل مع إحسانه؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: "خيرُ النَّاسِ مَن طال عُمرُه وحسُنَ عمَلُه".

ونبه إلى أن نِعم المجاهدة أن تغلب هوى نفسك وتزكيَها، ونِعم الأرض نفسك إن بذرت الخير فيها، فقد قال خالق النفس وباريها: ﴿قد أفلح من زكاها﴾. والسعيد من نظر إلى الدنيا اعتباراً لا اغتراراً، وعمل الخير بداراً لا انتظاراً، فبادر بالعمل واشتر نفسك اليوم فإن سوق المغانم الأخروية قائمةٌ والثمنَ موجودٌ والبضائعَ وافرة. وسيأتي على تلك السوقِ والبضائعِ يومٌ لا تصل فيه إلى قليلٍ ولا كثيرٍ.

ودلل بما قال الله عز وجل: ﴿ذَٰلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ﴾، ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ﴾ وإن من الناس من تتاح له فرص ثمينة للمتاجرة الرابحة فلا ينتهزها، فإذا انفرط عليه العمر وانقضى الزمان ندم على أنه لم يستدرك ويُحصِّل كما حصل غيرُه واجتهد، ( إذا أنت لم ترحل بزادٍ من التّقَى ولاقيتَ بعد الموتِ من قد تزَوّدَا.. ندِمتَ على أن لا تكون كمثلـهِ وأنّكَ لم تُـرصِد لما كـان أرصـدا).

أقبل علينا رمضان

وأشار إلى أنه أقبل علينا رمضان من جديد بفضل الله ومنته، فنحمد الله على نعمته، لكن تأملوا في حالنا بعد بلوغ شهرنا فمنا من شهد معنا أول الشهر إلا أنه ما لبث أن باغته الأجل فارتحل، ومنا من أدرك رمضان إلا أنه عاجز عن الصيام والاغتنام لمرضه أو كِبَر سنه، ومنا من هو محروم عياذاً بالله، قد استحوذ عليه الشيطان فقطع صلته بدينه الذي هو عصمة أمره، فلا صلاة ولا صيام، وإنما اكتفى أن ينتسب اسماً للإسلام.

وأفاد بأن منا من وفقه الله فحرَص على الصيام والتزود من الطاعات، وهم درجات وأفضلهم وأسعدهم حظاً ذلك الموفق الذي قدَر لرمضان قدره وعرف شرفه وفضله؛ فأقبل عليه أفضل إقبال، وشمّر عن ساعد الجد واجتهد لينال النصيب الأوفر من الخير وصالح الأعمال. 

ولفت إلى أنه قد كان من الناس من فرط في رمضان المنصرم فتحسر بعد فواته على تفريطه وأحس بتقصيره وصار مشتاقاً لبلوغ رمضان المقبل عازماً على أن يستدرك ما فاته ويقبل؛ فها هو ذا قد بقي وبلغه الله ما كان يبغي؛ فماذا هو فاعل الآن؟! وهل سيتلافى ما كان من غفلة وإضاعة وعصيان؟! .

النفوس يحصل لها شيء

وحذر قائلاً: فأيها المسلمون: إن النفوس يحصل لها شيء من الشرود والابتعاد والغفلة والفتور، ثم بعد ذلك يأتي هذا الشهر ليصقُلَها، ويعيدَها إلى جادتها ، فتستقيمَ على أمر الله، وتحصلَ لها الذكرى واليقظة، كما يكون للعبد من الفكر وحياة القلب ما يحمله على طاعة مولاه، والكف عن كل ما يَشينه ولا يليق، ويجد في قلبه من الرغبة في الخير ما لا يجده في غير هذا الشهر.

واستطرد:  فلنستشعر ما نحن فيه ونقبلْ بتوبة نصوح ونستكثرْ من الطاعات والباقيات الصالحات في موسم الخيرات والنفحات، ولنبادر بالاغتنام ونملأ النفوس بالإيمان؛ لنحقق التقوى ورضى الرحمن، منوهًا بأن من الحوافز التي تدفع لاغتنام هذه الأيام قوله عليه الصلاة والسلام "إذا كان أولُ ليلةٍ من شهرِ رمضانَ صُفِّدَتِ الشياطينُ ومَرَدةُ الجنِّ، وغُلِّقتْ أبوابُ النارِ فلم يُفتحْ منها بابٌ، وفُتِّحَتْ أبوابُ الجنةِ فلم يُغلقْ منها بابٌ، ويُنادي منادٍ كلَّ ليلةٍ: يا باغيَ الخيرِ أقبلْ، ويا باغيَ الشرِّ أقْصرْ، وللهِ عتقاءُ من النارِ، وذلك كلَّ ليلةٍ".

واستند إلى قوله صلى الله عليه وسلم: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ومن صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " وقوله صلى الله عليه وسلم "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" وقوله صلى الله عليه وسلم: "أتاني جبريلُ ، فقال: رغِم أنفُ امرئٍ أدرك رمضانَ فلم يُغفرْ له ، قُلْ: آمين، فقلتُ: آمين".

هدي النبي في رمضان

وبين أنه كان هديه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادات، ولا غرو أن يقتدي به في ذلك الصحابة الكرام رضوان الله عليهم والسلف الصالح رحمهم الله فكان لهم في كل باب من أبواب القربات أوفر الحظ؛ فاحرص عبد الله في هذا الشهر أن تضرب بسهم في وجوه الخير والبر والإحسان، وتجعل لك نصيباً في جوانب العبادات المختلفة بقدر الإمكان.

ونوه بأنه معلوم أن لكل نفس باباً من الخير يفتح لها فتلج فيه وترتقي، فإذا وجدت من نفسك همةً ونشاطاً في جانب من جوانب العبادة فاسلكه، ولا تتوان ولا تقصر وزد فيه؛ لعل الله يجعل زكاة نفسك فيه، فمن فتح له في الصلاة فليكثر، ومن فتح له في قراءة القرآن فليكثر، ومن فتح له في الدعاء فليكثر، ومن فتح له في الذكر عموماً فليكثر، ومن فتح له في الصدقة فليكثر، وليشغل العبد وقته بما يزيده قربة ورفعة عند مولاه. قد قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم.

وأوصى قائلاً: ياعباد الله، اتقوا ربكم ومولاكم وأطيعوه واشكروه على ما أولاكم واحذروا الغفلة والعصيان وخسارةَ المغانم في شهر الغفران والعتق من النيران، فما أشد ندامة صاحبها وأعظمه من حرمان. والعاقل من عرف قدر عمره ونظر لنفسه في أمره فاغتَنَمَ ما يفوتُ استدراكُه؛ فربما يكون بتضييعه هلاكُه.

وأشار إلى أنه إذا كان بعض العلماء من السلف يترك دروس العلم في رمضان ليقرأ القرآن ويكثر من تلاوته، أفلا يجدر بنا نحن أن نحافظ على أوقاتنا ونحذر أن تشغلنا الصوارف والملهيات ووسائل التواصل الاجتماعي والمنتديات وبرامج الشبكات العنكبوتية والفضائية وما شابه ذلك.

رمضان فرصة

وشدد على أن رمضان فرصة عظيمة للتذكر والاعتبار والاتعاظ؛ فالنفوس فيه مقبلة تواقة للخير؛ فجد واجتهد أيها الموفق وحث غيرك، وتذكر وذكر غيرك، وليُرَ كلٌّ منا ربه من نفسه خيراً، ولنحذر أن تنتهك قدسيةُ الشهر الفضيل وتعكر صفوُ أيامه ولياليه بارتكاب المآثم والذنوب، ولتُصن فيه أسماعُنا وأبصارنا وألسنتنا عن القبائح والعيوب.

وحث قائلاً ، أيها الإخوة في الله: الصيام من العبادات التي تهدف إلى تزكية النفس ورياضتها، وفي ذلك صلاح حال الأفراد فرداً فرداً، وهو يربى المسلم على تهذيب سلوكه وضبط نفسه وتحليها بالإيمان والتقوى والأخلاق والفضائل من السخاء والبذل والتربية على الصدق والأمانة ومراقبة الله وحده دون ما سواه، والإقبال على سائر الطاعات، وما يصحب ذلك من الاشتغال بالقرآن وتدبره، فيجتمع للإنسان من ألوان الهدايات والأنوار ما يحصل به الزكاء، والصفاء والنقاء.

ونبه إلى أنه إذا كان الصوم على الطريق التي شرعها الله وأرادها، موافقاً هدي النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يفطم نفوسنا عن المألوفات السيئة، ويحررها من أسر العادات الخاطئة التي تأسرنا أسراً؛ فيكون العبد حراً لربه ومولاه، لا تُؤسَرُ نفسُه ولا تنقاد ولا يكون له نوع عبودية لغير ربه وخالقه، هذه العبودية قد تكون للبطن، وقد تكون للفرج، وقد تكون للسان، وقد تكون للمال، وقد تكون لغير ذلك.

الصوم على الطريق

وأفاد بأن في هذا الشهر الفضيل كذلك يستشفي كل منا بحسب حاله مما يعاني منه من داء ويجد فيه كل مريض دواءه والشفاء؛ فهذا يستشفي به من مرض الرياء والسمعة، وهذا يستشفي به من مرض الغضب والعجلة، وهذا يستشفي به من مرض البخل والشح والأثرة، وهذا يستشفي به من مرض البِطنة والشره، وهذا يستشفي به من مرض الكسل والفتور، وهذا يستشفي به من مرض الغفلة والإعراض عن الآخرة، وهذا يستشفي به من مرض قسوة القلب وصدئه. وهكذا، فكل منا يبادر إلى معالجة نفسه بما يزكيها ويُصلحها.

ونصح  قائلاً: ألا وصَلُّوا وسلموا عباد الله على خيرِ البرية، وأزكى البشرية، كما أمَركُم بذلك ربُّ العالمين بقوله: (إن اللهَ وملائكتهُ يصلونَ على النبيِ يا أيها الذينَ آمنوا صَلوا عليهِ وسلموا تسليماً)، اللهمَّ صلِّ على مُحمدٍ وعَلى آل مُحمدٍ كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم. اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمين وأذلَّ الكفرَ والكافرين، ودمِّر أعداءَ الدين، واحفظ بلادَ الحرمين من كلِّ عدوٍ للإسلام والمسلمين اللهم واجعلها آمنةً مطمئنةً رخاءً وسَعة وسائرَ بلاد المسلمين.

ودعا الله تعالى قائلاً: اللهم ادفعْ عنا الغَلاءَ والوَباءَ والأدواءَ والرِّبا والزِّنا والزَّلازلَ والمِحَنَ وسُوءَ الفِتَن مَا ظَهَر مِنها ومَا بَطَن عن بلدنا هذا خَاصَّةً وعن سائر بلاد المسلمين، اللهم كن لإخواننا المستضعفين والمُجاهدين في سَبيلك والمُرابطين على الثُّغور وحُماةِ الحدود، اللهم كن لهم معيناً ونصيراً ومؤيداً وظهيراً. اللهم آمنا في الأوطان والدور، وأصلحْ الأئمةَ ووُلاةَ الأمور واجعل وِلايَتَنا فيمن خَافك واتقاك واتَّبع رِضاك يا رب العالمين. اللهم وَفِّق وليَّ أمْرنا لما تُحبه وترضاه من الأقوالِ والأعمال ياحي يا قيوم وخُذ بناصيته للبر والتقوى. اللهم يا مجيب الدعاء يا واسع الفضل والجود والعطاء، نسألك أن تمن علينا باستغلال أيام العمر فيما يرضيك عنا وتوفقنا لصيام رمضان وقيامه إيماناً واحتساباً وقيام ليلة القدر إيماناً واحتساباً وتجعلنا في هذا الشهر من عتقائك من النار، اللهم إنا نَسألُكَ مُوجِباتِ رحمتِك، وعزائمَ مَغْفِرَتِكَ، والسلامةَ من كلِّ إثمٍ، والغنيمةَ من كلِّ بِرٍّ، والفوزَ بالجنةِ، والنجاةَ من النارِ والحمد لله رب العالمين، اللهم صل وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين.