الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

كارثة القارة العجوز.. الجفاف يضرب أوروبا.. والمعركة المقبلة لشعوبها على المياه| تفاصيل

كنوز أوروبية تظهر
كنوز أوروبية تظهر على السطح بعد أن كانت مغمورة لقرون

يبدوا أن مستقبل القارة العجوز أصبح على المحك؛ في ظل الأزمات المتلاحقة التي تضربها، ففي الوقت الذي ما زالت تعاني فيه شعوب دول أوروبا من ويلات الحرب الروسية الأوكرانية الدائرة على أشدها، وسط تخوفات من اتساع دائرتها إلى خارج أوكرانيا؛ تطفوا على السطح «أزمة الجفاف» التي تُنذر بمستقبل كارثي، في ظل اتساع رقعة شح المياه عن العديد من الدول، وهنا نرصد كيف تفاقمت الأمور إلى هذا الحد. 

أخبار يتم تداولها حول أزمة الجفاف في أوروبا، فنجد نبأً يشير إلى أن هناك تضاؤل كبير في خزان رئيسي يخدم ملايين الإسبان، فيما نجد خبرا آخر يتحدث عن “اندلاع اشتباكات نتيجة الصراع على المياه في فرنسا”، حيث لم تعد عدة قرى قادرة على تزويد سكانها بمياه الصنبور، فيما تأتي أخبار عن انخفاض منسوب أكبر نهر في إيطاليا، إلى مستوى غير مسبوق، في يونيو الماضي. 

 

 ربع القارة الأوروبية يعاني من الجفاف 

في تقرير نشرته صحيفة بوليتكو الأمريكية، كشفت فيه أن أكثر من ربع القارة العجوز يعاني من الجفاف اعتبارًا من بداية أبريل الجاري، وأن العديد من دول أوروبا أعلنت حالة الطوارئ المائية، وبدأت تستعد لتكرار ما حدث الصيف الماضي من جفاف، بل وبدأت تستعد إلى ما هو أسوأ، حيث أكدت دراسة باستخدام بيانات الأقمار الصناعية في وقت سابق من هذا العام أن أوروبا تعاني من جفاف شديد منذ عام 2018، وأن ارتفاع درجات الحرارة؛ يجعل من الصعب التعافي من هذا العجز المائي، مما يجعل القارة عالقة في دائرة خطيرة حيث تصبح أزمة المياه أكثر خطورة من أي وقت مضى. 

وذكر التقرير أن فرنسا تؤيد نداء إسبانيا للحصول على تمويل من الاتحاد الأوروبي لمواجهة الأزمات مع تضرر المزارعين من الجفاف، وقال توريستن مايير، المؤلف الرئيسي لدراسة القمر الصناعي: "قبل بضع سنوات ، كنت سأقول إن لدينا ما يكفي من المياه في أوروبا، ولكن يبدو الآن أننا قد نواجه مشاكل، وفي الأسابيع المقبلة، قد تتجدد التربة السطحية وتساعد قطاع الزراعة حتى الربيع الممطر فقط، فلا يمكن إصلاح النقص المستمر في المياه الجوفية في أوروبا، كما يحذر الخبراء. 

ومع اقتراب فصل الصيف؛ تسعى الحكومات الأوروبية الآن، جاهدة؛ لمعالجة النقص الحالي والمستقبلي، مع إدارة التوترات الناشئة عن المنافسة المتزايدة على المياه.

وقال رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز الأسبوع الماضي، إن الجفاف سيكون أحد المناقشات السياسية والإقليمية المركزية لبلدنا خلال السنوات القادمة، 

 

 جفاف الشتاء

ما زاد الأمور سوءا عن جفاف الصيف الماضي؛ وهو ما حدث في فصل الشتاء، فبعد أن أدى الجفاف التاريخي العام الماضي إلى استنفاد الخزانات السطحية والجوفية في أوروبا، كان من المفترض أن يجلب الشتاء الراحة النسبية، ولكن العديد من المناطق الأكثر تضرراً في القارة شهدت القليل من الأمطار أو الثلوج، وفق ما جاء بتقرير الصحيفة الأمريكية. 

وقد شهدت فرنسا عدم تساقط للأمطار لأكثر من 30 يومًا متتاليا في يناير وفبراير، وهو يعد المعدل الأسوأ منذ 60 عامًا، ووجدت مؤسسة الأبحاث CIMA الإيطالية انخفاضًا بنسبة 64% في تساقط الثلوج بحلول منتصف أبريل، ويجري نهر بو إلى أدنى مستوى له في الصيف الماضي، كما أن بحيرة غاردا عند أقل من نصف متوسط ​​مستواها بالفعل . 

وذكر تقرير صادر عن جمعية المزارعين الإسبان COAG، أنه يجب "شطب" بعض الحبوب في أربع  مناطق بأكملها هذا العام؛ وقال أحد خبراء الأرصاد الجوية "وداعًا لمحصول الزيتون بالكامل تقريبًا"، وذلك مع انخفاض خزان ساو شمال برشلونة لدرجة أن السلطات قررت إزالة الأسماك لتجنب نفوقها وتلويث إمدادات المياه في المنطقة، ففي جميع أنحاء كاتالونيا، تبلغ الخزانات 27% فقط في شهر إبريل، والكارثي أنه بداية من الأسبوع المقبل، تواجه إسبانيا موجة حر مبكرة. 

 

دور تغير المناخ.. وكارثة 2050

وفقًا لوزيرة التحول البيئي تيريزا ريبيرا، يمكن أن ينخفض ​​توافر المياه في إسبانيا، كما هو الحال في فرنسا، بنسبة تصل إلى 40% بحلول عام 2050، وهنا يقول فريد هاترمان، عالم الهيدرولوجيا في معهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ، إن هطول الأمطار في فصل الشتاء أمر بالغ الأهمية لدول البحر الأبيض المتوسط ​​على وجه الخصوص، وأضاف أنه بالنظر إلى هطول الأمطار الهزيلة هذا العام والغطاء الثلجي الرقيق في جبال الألب، والتوقعات بندرة الأمطار، فعندئذ يكون الجفاف هو المنتظر بشكل أساسي. 

وحذر هاترمان من أنه لكي تخرج أوروبا من الحلقة المفرغة التي تبدأ كل عام بعجز كبير في المياه الجوفية؛ سنحتاج إلى ما يقرب من عقد من سنوات هطول الأمطار الغزيرة، وبحسب تقرير الصحيفة الأمريكية، فإن توقع هطول الأمطار على مدى فترات طويلة أمر صعب، خاصة مع تغير المناخ الذي يغير أنماط هطول الأمطار، فمن بين التوقعات القليلة طويلة الأجل، توقعات خدمة الطقس الألمانية لعام 2020، بأن تشهد البلاد هطول أمطار أقل، بدلاً من المزيد من الأمطار خلال معظم العقد. 

ولكن حتى لو بقيت مستويات هطول الأمطار كما هي ، فإن تغير المناخ سيقلل من توافر المياه عبر مساحات من أوروبا، ويعتبر الجفاف ظاهرة معقدة، ويمكن أن تلعب العديد من العوامل - مثل سوء إدارة المياه أو الاستهلاك المفرط – دورًا في ذلك، ومع ذلك، من المؤكد أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى مزيد من الضغط على إمدادات المياه في أوروبا. 

3 تأثيرات للاحتباس الحراري وزيادة الجفاف

وعن دور الاحتباس الحراري في زيادة الجفاف بأوروبا؛ يقول هاترمان: إن هناك 3 طرق يسهم الاحتباس الحراري من خلالها في جعل القارة أكثر جفافا.. وهي: أولاً، كلما زادت درجات الحرارة؛ زاد تبخر الماء، وهذا وحده يجعلها أكثر جفافا، وبشكل أساسي، يجب أن يكون لدينا زيادة مطردة في هطول الأمطار؛ للتعويض عن الزيادة في التبخر.

وتابع: “ثانيًا، يؤدي تغير المناخ إلى إضعاف التيار النفاث الأوروبي؛ مما يعني أن أنظمة ضغط الهواء يمكن أن تتعطل، مما يؤدي إلى فترات طويلة من الظروف الحارة والجافة- كما حدث العام الماضي- أو هطول الأمطار الغزيرة لفترات طويلة، كما كان الحال خلال فيضانات 2021 المميتة، وأخيرًا، تتقلص الأنهار الجليدية والغطاء الثلجي في أوروبا بسرعة؛ بفضل ارتفاع درجات الحرارة، مما يحرم الأنهار الرئيسية، مثل ”الراين" أو “الدانوب” أو “الرون” أو “بو” من الإمدادات الحيوية.

 

2023 يشهد أسوأ أزمة 

 

وتقول أندريا توريتي، باحثة أولى في مركز البحوث المشتركة التابع للمفوضية الأوروبية، إن مساهمة المياه الذائبة في خزانات المياه في أوروبا هذا العام، ستكون أقل بكثير من المعتاد، وأن عام 2023 كان أسوأ مما كان عليه في العام الماضي، بل وكان هذا بالفعل الأسوأ، إذا نظرنا إلى الوراء في السنوات العشر الماضية، والآن هو أسوأ من ذلك، ففي هذا الصيف، تبدو إسبانيا وجنوب البرتغال وإيطاليا وفرنسا معرضة للخطر بشكل خاص، وكذلك في بولندا ومناطق أخرى مثل بلغاريا ورومانيا واليونان تبدي ظروفا تحذيرية من الجفاف، حيث يشير مرصد الجفاف الأوروبي أيضًا إلى الإجهاد المائي في بلدان الشمال الأوروبي.

 

فيما أشار هاترمان إلى أن  براندنبورغ ، وهي نقطة ساخنة للجفاف في ألمانيا ، شهدت هطول أمطار فوق المتوسط ​​في الأشهر الأخيرة- ومع ذلك فإن مستويات المياه الجوفية أقل من العام الماضي، وقال: "على الرغم من كل الأمطار التي هطلت؛ لم يتحسن الوضع، بل أصبح أسوأ". 

 

أوروبا تستيقظ ببطء على التهديد


يذكر تقرير "بوليتيكو"، أن العواصم الأوروبية تعمل على صياغة استجابات لحالات النقص الحالية والمتوقعة في المياه، ففي وقت سابق من هذا الشهر، أصدرت إيطاليا مرسومًا بشأن الجفاف يقلل من الروتين البيروقراطي للبنية التحتية للمياه، بما في ذلك محطات تحلية المياه، حيث نشرت إسبانيا في يناير مجموعة جديدة من خطط إدارة المياه.

فيما تهدف الاستراتيجية الوطنية الجديدة لإدارة المياه- التي وضعها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون- إلى تقليل الاستهلاك الكلي للمياه بنسبة 10% بحلول نهاية العقد، وبموجب الخطة، سيُطلب من كل قطاع وضع مقترحات لتقليل استخدام المياه، فيما تتضمن استراتيجية ألمانيا ، التي تم تبنيها في مارس، خطوات لجعل استخدام المياه "مستدامًا" في 10 مناطق بحلول عام 2050، بالإضافة إلى قائمة من 78 إجراء سيتم تنفيذها بحلول عام 2030.

لكن في المقابل، يرى الكثير من النقاد المراقبون، أن الدول لا تفعل الكثير لمعالجة سوء إدارة الموارد، والتي لا تزال منتشرة في جميع أنحاء القارة؛ مما يضاعف من آثار تقلص توافر المياه.

وتشير التقديرات إلى أن ربع مياه الشرب في أوروبا تُفقد على طول خطوط الأنابيب المتسربة.

فيما انتقدت السياسية الإيطالية وعضو البرلمان الأوروبي السابقة، إليونورا إيفي، على تويتر، خطة حكومتها؛ لفشلها في معالجة جذور أزمة المياه في البلاد، وقالت: إنه “يتعين على الحكومة، التركيز على إعادة التشجير، والسياسات لوقف فقدان مياه الشرب بسبب التسربات”.