الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

في عيد ميلاده الـ81.. الشاعر زين العابدين فؤاد يحكي ذكرياته مع ياسر عرفات وأحمد فؤاد نجم|حوار

صدى البلد

احتفل الشاعر زين العابدين فؤاد، منذ أيام بعيد ميلاده الـ81، والذي ولد سنة 1942 داخل حي شبرا، وقد اشتهر بقصائده ذات الطابع الوطني والسياسي، حيث لحن بعضًا منها وغناها الشيخ إمام مثل قصيدة «اتجمعوا العشاق في سجن القلعة»، وقصيدة «الفلاحين»، وقصيدة «أغنية للشمس». 

يملك الشاعر زين العابدين الكثير من الذكريات، فقد شهد التحولات الكبرى التي مر بها العالم العربي، سواء السياسية منها، أو الثقافية، منذ النصف الثاني من القرن الـ20؛ لذلك كان هذا الحوار الذي أردنا من خلاله الاقتراب أكثر من مسيرته الإبداعية. 

 

ولدت داخل حي شبرا.. ما هي ذكرياتك مع هذا الحي العريق؟ 

 

شبرا التي ولدت فيها منذ 81 عامًا تختلف عن شبرا الوقت الحالي، أتذكر أن شارع شبرا كان يضم ما يقرب من 20 دور عرض سينما على الأقل، وظل الأمر حتى بداية السبعينيات، وأتذكر صفوف السيدات المسلمات في سانت تريزا وهن يقدمن الشموع والنذور للسيدة مريم العذراء، ومشاعر الأيام التي تسبق شهر رمضان، حيث تقوم كل البيوت بتزيين شوارع شبرا، بشكل عام شارع شبرا يذكرني من جهة ثراءه وتنوعه الثقافي بالإسكندرية، كان الشارع مليئًا باستوديوهات التصوير والفنانين والمصورين الأرمن، وكذلك دور السينما. أما بخصوص ذكرياتي داخل الحي التاريخي، أتذكر أن أول مرة أشاهد فيها فريق النادي الأهلي يلعب الكرة، كان ذلك في شارع جزيرة بدران بنادي السكة الحديد، وقد رأيت صالح سليم في ذلك اليوم، كانت الرياضة حاضرة بشكل عام داخل هذا الحي التاريخي. 

أتذكر أيضًا أنني التحقت  بمدرسة الإبراهيمية الثانوية، وكان بمدرسة التوفيقية الثانوية مسرح كبير، يقدم العروض لسكان الحي بأكمله، وكانت الفنانة نبيلة السيد تشارك في العروض المسرحية لمدرسة التوفيقية، كان هناك حراكًا ثقافيًا كبيرًا داخل هذا الحي، كنت أذهب إلى المسرح القومي بالأزبكية مشيًا على الأقدام، وأركب الأتوبيس في رحلة العودة، لأجد نجمة المسرح القومي في الستينيات الفنانة رجاء حسين بجواري في الأتوبيس، لكن بشكل عام فقد ولدت في حي شبرا، وبعد ثلاث سنوات انتقلت لحي إمبابة حتى سن العاشرة، وبعد وفاة والدي، انتقلت  في الجيزة لثلاث سنوات عشت في الجيزة لثلاث سنوات، ثم عدت مرة أخرى إلى شبرا. 

 

هناك معلومة دائمًا ما يتم تداولها.. هل أصولك تعود لمحافظة أسوان؟ 

 

هذه المعلومة خاطئة، أسرتي لا تنتمي لمحافظة أسوان، رغم أن هذا شيء يشرفني بكل تأكيد، لكن كل ما في الأمر أنني لدي أصدقاء من أسوان والنوبة، وهؤلاء تجمعني بهم علاقة صداقة قوية، مثل أسرة المحامي زكي مراد، وصديقه محمد حمام، فهذه الصداقات، جعلت البعض يتصور أن أسرتي تمتد جذورها إلى أسوان.

لك ذكريات مع الرئيس الراحل ياسر عرفات، كيف كان اللقاء الأول بينكما، وكيف احتفت بكما الأوساط الثقافية العربية خصوصًا داخل لبنان؟ 

 

 خلال عام 1974، تمت دعوتي لزيارة بيروت، برفقة عدد من المثقفين والسياسيين المصريين، بالتزامن مع احتفالات الحزب الشيوعي بعيده الخمسين، وكان من بين الأشخاص الذين شملتهم الدعوة الشيخ إمام عيسى، وأحمد فؤاد نجم، بالإضافة إلى العديد من رجال السياسة المعاصرين، كنت في ذلك الوقت خلال فترة التجنيد، وقد اتخذ قرارًا بمنع الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم من السفر، وحاولت الحصول على تصريح بالسفر لكي أتمكن من الأمر، وفي عام 1976 تزوجت من الكاتبة الفلسطينية باسمة، ولظروف مرضها كان لا بد من السفر إلى الولايات المتحدة لإجراء عملية جراحية لها وعند إتمام إجراءات السفر فوجئت بمنعي، وفي 21 من أغسطس عام 1981، صدر الحكم برفع اسمي من قوائم الممنوعين من السفر، بعد قضية كلفتني خمسة جنيهات فقط، وقد استلمت جواز سفري على الفور، وتوجهت إلى حجز تذكرة طيران "القاهرة-عمان-القاهرة" لمده شهر، ومن عمان كان يمكنني الذهاب إلى بيروت لمتابعة بعض أعمالي الأدبية هناك، وقد وصلت إلى لبنان في الأول من سبتمبر، واتفقت مع أصدقاء لي على العودة إلى عمان في الخامس عشر من ذات الشهر، وخلال الزيارة التقيت بالزعيم ياسر عرفات، وسألني بلهجته المصرية المعروفة «هتقعد قد إيه؟»، وأجبته «أسبوعين فقط»، وفي الخامس من سبتمبر، اتصل بي «أبو عمار»، عند الخامسة صباحًا؛ يطلب مني الذهاب إليه على الفور وبعد ذهابي وجدت جمعًا من الكتاب الفلسطينيين دون أن أعرف سبب تجمعهم، ورأيت بينهم محمود درويش، الذي سألني أيضًا عن سبب هذا الجمع، ووقتها التقيت بالرئيس ياسر عرفات، وسألني هل سأسافر أم أنني قد غيرت رأيي، وكنت لا أعلم السبب الذي قد يدفعني لتغيير رأيي، إلى أن أعطاني جريدة الأهرام بتاريخ 5 سبتمبر 1981، وكان بداخلها قائمة أسماء، كلًا من محمد حسنين هيكل، وفؤاد سراج الدين، وعبد العظيم أبو العطا وزير الري، وقد وجدت اسمي من ضمن هؤلاء.

لكن في النهاية قررت العودة إلى القاهرة في أبريل 1982، عن طريق روما لتفادي المضايقات، لأن اسمي كان لايزال على القائمة، وكنت قد أخبرت أصدقائي برغبتي في قضاء 10 أيام في روما والعودة إلى القاهرة بعدها، وهذا ماكان مقررًا، لكن في فجر الخامس من يونيو وقعت الغارة على بيروت، وأحسست أنها ليست مجرد غارة، أيقنت أنها الحرب، وفي اليوم التالي، التقيت أبو عمار «ياسر عرفات»، وسألني عن سبب بقائي وأجبته: «مين مجنون يلاقي حرب ويمشي»، لكن في النهاية رجعت إلى القاهرة في أواخر أغسطس من عام 1982.

 

زين العابدين فؤاد: الفن ميدان مساحة استثنائية شكلت ثقافة جماهيرية حقيقية

 

لننتقل لنقطة أخرى.. كيف جاءت فكرة مهرجان «الفن ميدان»؟ 

 

أعتقد أن مهرجان «في الفن ميدان»، هي أجمل الثمار الثقافية لثورة 25 يناير، فعندما نزلت الناس إلى الشارع، ووقتها تغنوا بألحان الشيخ إمام، مثل: "شيد قصورك" لأحمد فؤاد نجم، و"يا مصر قومي وشدي الحيل" لنجيب شهاب الدين، و"مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر" وهي أغنية من كلماتي، فقد شهد الميدان خلال 18 يومًا حراكًا ثقافيًا واسعًا، وقد تم  ممارسة الفن في الشارع، مما شجع مجموعة كبيرة من المثقفين، والفنانين على تقديم الفن للناس، وقرروا أن يكون يوم السبت من أول كل شهر، هو موعد للتجمع في ميدان عابدين الذي يتمتع بطبوغرافية خاصة، فيما اقترح أحد الأصدقاء في الاجتماع التأسيسي أن نطلق على هذه الفعاليات الثقافية «الفن ميدان»، وأشرف أنني كنت متواجدًا في الفاعليات منذ أول يوم إلى آخر يوم، وكنا نقول في تجمعنا «الفن وسيلتنا لغسل التلوث السمعي والبصري والفكري»، وقد قدمنا كل الفنون، منها السينما، والمسرح، والفنون التشكيلية، وأعمال الأطفال والغناء، وكنا نقدم هذه الفعاليات مجانًا للناس، وقد أقمناه بدعم من المبادرات الشعبية، والتبرعات المدفوعة من الناس، حيث كان هناك صندوقًا مخصصًا لجمع التبرعات بوسط الميدان، لكن هذه الفعالية توقفت في نهاية الأمر، لكني أعتبرها مساحة استثنائية من الحرية شكلت ثقافة جماهيرية حقيقية، وقد اعتمدت بشكل أساسي على التبرعات، وبعد كل فعالية من فعاليات في الفن ميدان كنا ننشر كشف حساب على موقع فيسبوك، يتضمن أسماء المتبرعين، وقد حصلنا مرتين على تمويل حكومي في عهدي الوزيرين السابقين للثقافة عماد أبو غازي، وجابر عصفور.

لكن هنا أريد أن أتوقف قليلًا.. لماذا تم اختيار اسم «الفن ميدان» تحديدًا؟ 

 

أتذكر أنه بعد أن تشكل ائتلاف الثقافة المستقلة الذي ضم أكثر من 80 جمعية غير حكومية، اتفق الأعضاء على تنظيم فعاليات ثقافية وفنية تحت اسم «الفن ميدان»، وجاء اختيار ميدان عابدين نظرًا لأهميته التاريخية، وفي 2 أبريل 2011 انطلقت أولى الفعاليات، وكان في مدخل الميدان ورش رسم ،وسيرك ومسرح عرائس، وبجوارها الرسوم الكاريكاتورية لكبار الرسامين، واللوحات التشكيلية. وكان الفنان علي الحجار أول من غنى على المسرح، هذا بالإضافة إلى العروض المسرحية التي قدمتها فرقتا "الشنطة"، و"حالة". وكان للشعر والفرق الغنائية الشابة مساحة خاصة، إذ شارك عدد كبير جدًا من الشعراء الشباب، واكتشفت فرقة «الأولة بلدي»، والتي قدمت تراث الشيخ إمام.

 

كنت من المقربين للكاتب والمؤلف عبد الفتاح الجمل.. كيف بدأت صداقتكما؟ 

 

علاقتي بالكاتب عبد الفتاح الجمل محتاجة كتاب، كان داعمًا لجيل الستينيات بأكمله، وتعرفت عليه دون قصد، وتحديدًا عندما كنت تلميذًا في مدرسة الإبراهيمية الثانوية، وأثناء عمل المجلة المدرسية التي كان أحد المشرفين عليها الناقد السينمائي فوزي سليمان، والذي كان في ذات الوقت مدرسا بالمدرسة، و مسؤولا عن المجلة، حيث طلب مني عمل حوار مع عبد الفتاح الجمل في عام 1957. وأتذكر أيضًا أنه في عام 1961، حين ذهبت لنشر إحدى قصائدي بالعامية في الملحق الثقافي بجريدة المساء، الذي كان مشرفًا عليه الأستاذ عبد الفتاح الجمل، وكانت جريدة المساء في تلك الفترة توزع بشكل يفوق عدد النسخ التي توزعها جريدة الأهرام الصباحي وكان الملحق الثقافي يصدر الأربعاء من كل أسبوع وقد نشرت به الكثير من القصائد، نشرت الثلاث قصائد الأولى بجريدة المساء ولم أتبادل معه حرفا واحدا بسبب خجلي منه وصغر سني، كنت أذهب إليه في مكتبه، ومعي ورقه بها القصيدة، وقد كنت أضعها على المكتب ثم أنصرف في صمت، وتكرر الأمر إلى أن استوقفني في المرة الثالثة ممسكًا يدي، قائلًا: «ممكن أسمع صوتك... ممكن تكلمني»، ومن هنا بدأت صداقتنا والتي حتى نهاية عمره، وبالمناسبة فنحن مدينون للصحفية عائشة المراغي والتي استطاعت جمع وتحقيق أعمال الجمل مؤخرًا، فقد قمت بجهد كبير طيلة 4 سنوات. 

 

زين العابدين فؤاد: الأبنودي أحد أهم المواهب الشعرية التي مرّت على تاريخ مصر

 

أخيرًا.. ماذا عن الشيخ إمام.. كيف بدأت صداقتكما؟ 

 

في مطلع الستينيات عندما كنت طالبًا في كلية الهندسة، كنت مهووس بموسيقى سيد درويش، وحينها كان ممنوعًا تمامًا من إذاعتها و الاستماع إليها، كنت أنا وأمثالي نبحث عن ناس حافظة تراث سيد درويش، لنسمع منهم، وقد أخبرني أحد أصدقائي عن تعرفه على شخص حافظًا للتراث المصري  بشكل جيد وهو الشيخ إمام، والذي عرفته على مرحلتين، أولهما، عند استماعي للشيخ إمام يؤدي ألحان سيد درويش، وقد استمرت هذه الفترة من عام 1960 إلى 1966، والمرحله الثانية عندما كنت شاهدًا على اللقاء الأول الذي جمع بين الشيخ إمام، والشاعر أحمد فؤاد نجم، في بيت الموجي بحوش آدم، ويومها دار حوارًا حول عدم تلحين الشيخ إمام لنجم، وكتب نجم حينها «أنا أتوب عن حبك أنا»، وكانت أول أغنية بينهما. وفي أحد اللقاءات لي مع الشيخ إمام ، استمع إلى إحدى قصائدي وطلب مني أن أكررها قصيدة الزنزانة، أول أغنيه لحنها لي الشيخ أمام. كما أنني ارتبطت كذلك بالشاعر عبد الرحمن الأبنودي، وسيد حجاب، وقد كانت هناك بيننا علاقة قوية استمرت لسنوات، ولم نفترق أبدًا في فترة الستينيات، كنا نرى بعضنا كل يوم، وأنا أعتبر أن الأبنودي هو أحد أهم المواهب الشعرية التي مرّت على مصر.