قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

عرس قطر الندى| قصة قصيرة

لوحة للفنان التشكيلي محمد عبلة
لوحة للفنان التشكيلي محمد عبلة

شقيقي العزيز،

تحية طيبة وبعد،

ليتك كنت معي. تمنيتها من قلبي يوم الجمعة الماضي، وأنا لدى الباب الخارجي لذلك الفندق الفخم في شرق القاهرة. مثقف أصيل، يفكر طويلا قبل أن ينطق بالكلمات، وتلذ صحبته.

مضت سنوات طوال يا شقيق منذ أن قبع كلانا في داره لدواعي السن، والصحة، وقلة المال، ووجود العيال. وأمهم. ودعنا تافرنا ومغامرات المجذوب سوكارنو النسائية فيه. ومشهد صحفية متكبرة بالوراثة وزميلها المحفلط وهما ينسلان إلى هناك ظهرا لاختلاس قبلات وأعناق قبل موعد العمل في المساء. لا مشاعر حقيقية مطلقا بل فورة هرمونية يعرفونها باسم عواطف مؤقتة. ونترحم كلانا بلا شك على كلوب/36 في رمسيس هيلتون، ورائحة الثراء المنبعثة من مقاعده، ونوافذه، وأرضياته. وزبائنه الكرام ينظرون إلى صفحة النهر من هذا العلو الشاهق. بحكم الفيزياء، يزيد الارتفاع من قوة الجاذبية الأرضية، فتسقط قطع الملابس اللطيفة من تلقاء ذاتها لانعدام الحاجة إليها. وتعلو الضحكات.

رأيت هناك يوسف إدريس لأول مرة رأي العين، وكانت الأخيرة. فرحت به. دخل في أبهة قدامى العماليق وألقهم، ليجلس بمفرده على طاولة مستديرة عند المنتصف. البدلة بيضاء لافتة تذكرك بأنور وجدي، أو عادل أدهم. طلب كأسين من الجين إحداهما للشراب والأخرى للثلج. أفرغ الجرسون الشراب فوق الثلج ومضى إلى حال سبيله. تناول المشروب ببطء وانتصب واقفا ليمضي في اتجاه المصعد. لم يحاسب الجرسون، ولم يجروء أحد على استيقافه. علم. تقبل هناته بكل ترحاب، طالما بقيت عند هذا الحد.

وقد تسعفنا الذاكرة للحظات بمشهد أو اثنين في البار الكبير لميريديان النيل، درة الأماكن، حيث يجلس عاشقان حقيقيان في صمت. يتبادلان النظرات طويلا، ثم يوجهان بصرهما إلى النهر، والنافورة البدائية في منتصفه، ومشهد مراكب المعلم دقدق الشراعية وهي تتراقص من حولها. لا يمنعان نفسيهما من أول قبلة طويلة وعميقة، ثم يعودان إلى صمتهما. سذاجة متناهية أملتها مأساتهما. قبل ثلاثة أعوام من تلك القبلة، رفضت أم الفتاة تزويجها لشاب واعد تحبه ابنتها بكل جوارحها، لأنه سيعجز عن تغطية كلفة عرس كبير يشبه بأكمله لقطة واحدة من الحفل البهيج محل الحكاية الذي حضره صاحبك قبل بضعة أيام. لسخف العلاقة، ودعها الشاب وقرر الالتفات لحياته العملية.

ولن ينسى صاحبك بار فندق البولمان في المعادي، حيث منحته فتاة ليل تدعى رنا أول قبلة علمية. أعجبت بشكل شفتيه تحت الأضواء الهادئة، وقررت أن تعلمه كيفية الاستمتاع بهما بحق وعلى رؤوس الأشهاد. كان الزبائن أجانب ليلتها، يجلسون إلى جوار ذلك التلميذ ويتحدثون بإنجليزية ممتعة عن خط سكك حديد رأس بناس/ العين السخنة مرورا بمرسى علم، والغردقة، والسويس. اختراع تاريخي يقفز بمصر خمسين عاما إلى الأمام، ونحن في بداية التسعينيات. سكتوا لمتابعة تلك القبلة التعليمية حتى نهايتها، وصفقوا بحرارة تحية لجرأة طرفيها. كان مقعدي قد وقع بالصدفة بينهم ولحقت بي رنا، وسط نظرات تحذيرية لها من منير البارمان الوفدي المثقف. تعبيرا من الخبراء البريطانيين عن تقديرهم لطرفي ذلك المشهد، طلبوا قبل مغادرتهم كأسا مضاعفة من كوكتيل فيرموث/ مارتيني وأهدوه إلى صاحبك. "يقوي عضلة القلب، وستحتاجه للغاية مع هذه القنبلة الأنثوية .. إن كنت جادا". جزيل الشكر. أما الساقطة، فمنحوها ولاعة زيبو من النحاس الأصفر الثقيل. لفظتها لجهلها بقيمتها، فاستحوذ عليها منير على الفور. سهرة سعيدة يا شباب.

أيام أمضيناها يا شقيق وليتها دامت، راحة البال...

سآخذك معي حتما إلى العرس الكبير لترى بخيالك، إلى أن يتوافر فيلم الفيديو الحقيقي بعد أسبوع من الآن فتمتع عينيك. (العروسان في جزر المالديف لتمضية شهر العسل، عقبال البكاري). لن يغير المونتاج كثيرا من المشاهد، بل يستبعد المخرج المختص لقطات تصور العواجيز من أمثالي ويضع أخرى تظهر أدق تفاصيل الغيد، البيض، الحسان، عن قرب. ما عددهم يا ترى؟. خمسون إذا كنت أحسن العد حتى الآن. كلهن من شتى الأعمار، والأحجام، والأطوال. والملابس؟. سواريه، سهرة، اصح يا آدم !.

عقد القران أولا

أواخر الشهر الماضي، تلقيت أمرا ملكيا بالاستعداد لحضور عقد القران. علم وينفذ. ماذا يعني هذا؟. مشاوير في الصباح، وعصرا، وبعد المغيب. أتولى قيادة السيارة إلى المكان المستهدف من أقرب طريق للوصول في أقل مدة زمنية توفيرا للوقود. وكما تعلم يا شقيق، أكتوبر وزايد عبارة عن نطاق شاسع من الأرض وفيهما من المراكز التجارية ما لا تحصيه ذاكرتنا معا. أضف إلى ذلك منطقة المصانع، ومنافذ البيع المستحدثة فيها. يغرون الزبائن بالجديد من المنتجات هناك، وبأسعار متهاودة فعلا. هذا باستثناء كونكريت فهو متجر لا يبحث عن مزيد من الزبائن. يكفيه القدامى منهم. ولذلك، لم يعد يقربه أحد. أمر من أمامه، وأحدث نوافذه الزجاجية، وألوح لها بيدي اليسرى أحيانا. مختل عقليا، بلا ريب. كانت لي معها أيام. أدمنت معروضاتها، بدءا من السروال الداخلي القصير، وصولا إلى البدلة الفاخرة والإكسسوار الرجالي المناسب. كان زمان يا محترم.

باستثناء راوي الحكاية، تحقق لكل فرد مراده وفقا للخطة الموضوعة. لا يحتاج صاحبك شيئا بالفعل. بلغ حد التشبع منذ زمن ولديه ما يكفيه. الحمد لله. أما الخطة فتبني على مبدأ "الصورة". يعني هذا ببساطة أن الحضور يجب أن يكونوا في ملابس جديدة لم يظهروا بها من قبل. ويحظر أن تسجل صورة واحدة مثل هذا الخطأ الجسيم عليهم. المناسبات كثيرة، سابقة ولاحقة، والألسنة لا ترحم. يدوم العز. إلبس يا معلم. خطل!.

عقد القران في مسجد الشرطة بالقاهرة الجديدة. عذرا، القاعة الفاخرة فيه. الجدران مجلدة بالخشب المعشق، شغل أرابيسك. والأرضيات من الجرانيت الملون، والثريا تذهب العقل بجمالها. الممر المؤدي إلى القاعة تحفه طاولات مستطيلة على الجانبين مرصوص عليها ما لذ وطاب من الحلوى الشرقية والغربية. يلحون عليك بتناول بعض منها، فتتعلل بالسكر اللعين. شكرا، العفو. صديقات العروس كن درة عقد القران بلا منازع. قطع من الميل فاي الفاخر محلاة بالسكر الناعم، وتتصاعد منها رائحة الزبد الفلاحي النقي. ويح عيني ما أرى: لقد عادت الفساتين القصيرة، والمفتوحة من الجانب، والمكشوفة عند منطقتي الصدر والظهر. الأرداف مرسومة بدقة وكأنما ذهبن جميعا إلى خياطة واحدة سيئة الطوية. احترم نفسك يا سيد، فقد ظهر الوزراء السابقون، وأساتذة الجامعات. أما الرتب المخفية، فتعرف بيسر من سمرة وجوه المرافقين وقصة شعر القفا. عساكر. سألت أحدهم ببراءة: "ألا يوجد دي جيه؟". كتم ضحكته وقت أداء المراسم وقال هامسا: "هذا مسجد. وهذه عينة محدودة يا أستاذ. انتظر الفرح". سأصبر حتى يأذن الله في أمري. وأصبر حتى يعجز الصبر عن صبري. قبل الرحيل، علمت من أحد المدعوين أن القران على الناشف في هذا المكان يتكلف 200 ألف جنيه في المتوسط بعد الخصم. ثلاث ساعات ونصف الساعة مقابل هذا الرقم!. يا بلاش والله. الحمد لله.

قبل الحادية عشرة والنصف، انتهى كل شيء مبكرا، لصرامة التعليمات من جهة الإدارة. وخرجنا بصندوق من الحلوى السوبر يقدم شخصيا إلى سائق كل سيارة. نعم سوبر وليست حلوى فاخرة فحسب. وحمدت الله أن عزالدين يجيد استخدام خاصية خرائط جوجل، فلن أركز بمفردي. ستتراقص وجوه الغيد على الزجاج الأمامي لسيارتي فأعرض عشيرتي للخطر. الآن، اتلقى التعليمات وأنفذها حرفيا. يمين، شمال، وهكذا. وبعد شهر....

أهلا بك في كمبنسكي

حددت الموقع المستهدف على الخريطة، وعرفت زمن الرحلة التقريبي وانتظرت التعليمات. تحركت مبكرا لأنني أثق في جوجل، ولا أثق في الطريق. أنت في مصر. أفق. لذلك، وصلت قبل موعد العرس بنحو 45 دقيقة. فضيحة، ماذا يقولون عنا؟. شحاذون يعني يا حمدي!. بسيطة. قدت السيارة بعيدا عن الفندق على أن أبقى في نطاقه. أصبحت باردا من الناحية العصبية، وأضع ابتسامة فاترة على وجهي إخفاء لمشاعري. اتلقى التعليمات بثبات، واحتفظ بردود فعلي لنفسي. على عيني حاضر. هذا مجمع للمطاعم، المندي والمضبي وما شابه. وهذا مركز تجاري متخصص في الأثاث وقرر صاحبه تأجيل قرار الافتتاح إلى أجل غير مسمى. وثالثهما مبنى تجاري إداري لم يشغله أحد. وهذا، وهذا،.. الكساد قتل كل شيء. لا أضواء، ولا زبائن في دائرة قطرها نصف الكيلومتر بالتقريب.

في الأعوام العشرة الأخيرة، نشأ عالم جديد تماما بكل هدوء في صحارى شرق القاهرة. هذا الفندق جزء بسيط منه، يسبقه كايرو فستيفال سيتي، وفندق تريومف الشهير، وبينهما أكاديمية الشرطة، ومقر الوزارة. مساحات شاسعة، يغلب عليها الأسوار العالية، والمعمار الزجاجي الملون، عدو البيئة. قبلها بنحو 15 كيلومترا يمكنك النظر إلى أطلال عزبتي خير الله، وأبو قرن، والشطر الشمالي البائس من حي البساتين. لن يبقى منها شيء قبيح يطل على الطريق الدائري. وسوف ينشأ طريق مواز يمحو كل شيء قديم على مساره ثم يلتحم بذلك الركن الفاخر الشرقي المؤدي إلى المطار. أنت الآن في التجمع الثاني فقط، وليس الخامس كما تظن. تهت مني، معلهش. اصبر.

دخول الليموزين

تمركز الراوي على بعد 200 متر بالتقريب من البوابة الرئيسية وعلق عينيه عليها. ظهرت سيارة من نوع كاديلاك سترتش، ليموزين طويلة بيضاء اللون تشبه سيارة محمد هنيدي في فيلم عندليب الدقي. أتوبيس في شكل سيارة. وصل العروسان. يمنع الحديث إليهما منعا باتا لشدة توتر العروس، ويحظر مصافحتهما يدا بيد لتحاشي الحسد والأعمال!. سمعا وطاعة يا سيدتي. صففت السيارة في منطقة الانتظار، وأبلغني منادي السيارات الأنيق بأن الساعة بقيمة عشرين جنيها مصريا، وأن الحد الأقصى لما تدفعه هو 120 جنيها فقط لا غير مهما طال الوقت. عاش كرم الرجال.

في الطريق الصاعد إلى البهو، تحاشينا العروسين وكأنما جئنا لتحية آخرين. وأخذتنا أم العروس إلى المصعد بنفسها لترافقنا حتى موقع مائدتنا. لياقة وأناقة. رائحة العطور النسائية مبهرة، وكذلك طليعة صديقات العروس. باقة مختارة من التفاح الطازج الأصفر، والأحمر، والأخضر. لبنان، وإيطاليا، وفرنسا في مربع واحد. إنها باكورة المشهد يا محترم. كن صبورا معي.

بدأ الجرسونات في رص ما لذ وطاب من المقبلات الشهية على المائدة. لم ينسوا الخبز، والماء، والعصائر بأنواعها. جوعان!. ممنوع يا أستاذ. ها تفضحنا وسط الناس يا حسين. لم نأت لتناول الطعام، افهم. ويطول الانتظار. أين العروسان؟. لكل منهما غرفة منفصلة للاستعداد كما ينبغي ويليق. وهناك غرفة ثالثة للحور العين. وضعت كل منهن فستانا إضافيا فيها إلى جانب مستلزماتها الشخصية كالعطور وأدوات التجميل. وهناك غرفة رابعة مخصصة للست مرجانة، الراقصة، والليثي المغني، والفرقة السورية البديعة. يمكنهم استخدامها لتغيير ملابسهم والتأهب للدخول. للمخرج مكان منعزل، ويوجه تعليماته إلى مساعديه عبر التليفون المحمول، في أذنهم مباشرة. أين الكوشة يا سادة؟. يا لك من شخص تقليدي عتيق. لا يوجد مقعدان من أي مقاس للعروسين. الفرح على الواقف يا سيد، وإذا شعر أحدهما بالإرهاق، يتسلل عبر ممر خلفي إلى غرفته المؤقتة.

دخلت العروس أولا، ولتدو الزغاريد. وعلى طريقة أهل الفرنجة، سلم والد العروس ابنته إلى عريسها عند مكان مرتفع يشبه خشبة المسرح بعد أحضان وقبلات. لم يعد مسئولا عنها اعتبارا من ساعته وتاريخه. انسحب ببطء بعد التقاط ما يكفي من الصور الثابتة والمتحركة. وبدأ الحفل...

دخلت الفرقة السورية من الباب وتضم سبعة أفراد يحمل كل منهم دفا كبيرا بيد، وفي الأخرى عصا سوداء قصيرة من الجلد المبروم يضرب بها على الدف. قالوا بضع جمل لم اتبينها لبعدهم عن مقعدي. كأنهم يعلنون الغرض من المناسبة وينبهون الحضور. ثم انطلقت المواويل الشامية التي توقظ الموتى في مراقدهم. اندفع الشبان من أصدقاء العريس أولا، ثم صديقات العروس. تحلقوا حولهما. وتشكلت الدوائر حول العروسين، يحركها أفراد الفرقة السورية بإيقاعات مدوية. لابد أنهم تدربوا بما يكفي على هذا الدور. لم تتمكن الفرقة من ختم الفقرة بسهولة بعد اندفاع المدعوات تلقائيا إلى ساحة الوغى. ينتمين إلى فئة عمرية أعلى ولا يعرفن من فنون الهز سوى الشرقي منها. أبدعن. لفت نظري شخص واحد يمسك دفا مختلفا في لونه وإيقاعاته، وفي يده اليسرى ريشة نعام طويلة. لم افهم دوره بالضبط، ولكنه من أفراد الطاقم السوري على أي حال. أمان. يتراقص كالخنثى، أو اللبيس الخصي، ويتابع السيدات بعينيه ليمنحهن تعليمات سريعة. وقف بجانب إحداهن وكانت ترتدي فستانا بصلي اللون (سيمون) يزيد من وزنها بمجرد النظر. قال لها شيئا ما وكأنما كبس زرا في مكان لا نعرفه. لبسها الجني على الفور، ليرتعش سائر جسمها انطلاقا من منطقة الصدر حتى الأرداف ثم العودة. منذ تلك اللحظة، استمرت في الرقص حتى النهاية، كأنما منحها الإذن بالذبح. ذبح العيون الناعسة. إذا شعرت بالإرهاق، وانقطع نفسها، جلست برهة ثم أسرعت إلى البست المفتوح.

صغيرات السن يكسبن بلا منازع في كل شيء. خفة، وأناقة، وجمال. ولكن لا أحد منهن يضاهي جمال سولافا نصف المصرية في عام 1986. الفساتين المفتوحة فضيحة يا أستاذ. هناك مقاعد عالية تشبه مقاعد البار. تصعد الواحدة إلى المقعد، فينفلت الرداء من عقاله. يثور على صاحبته فيكشف فخذها بكامله حتى استدارة الأرداف. تدرك مأساتها من تدفق الهواء، وتبتسم، ثم تلم طرفا من الرداء على الآخر، لتشبه في جلستها أقل خفير نظامي وقد استعد للجلوس متربعا فوق دكة أو مصطبة.

الراقصة والطعام الفاخر

ويستمر الجرسونات في عملهم. يرفعون جزءا من المقبلات السابقة دون أن يمسسها أحد، ويضعون غيرها. هذه المرة، كبيبة مقلية على الطريقة السورية، وكرات من اللحم المقلي بدون صلصة، وأصابع ورق العنب. لو طلبت داود باشا، يأتيك فورا. اتمنى ولو كرة واحدة استخلصها لنفسي بدون خبز لإسكات معدتي الخاوية، ولا استطيع. موش عايزين فضايح. على عيني حاضر. ديكتاتورية مطلقة. تغلبت على جوعي بكوب من عصير البرتقال الطازج، وآخر من النسكافيه بناء على طلبي، ثم انطلقت إلى الخارج بحجة تلبية نداء الطبيعة. زرت منطقة المراحيض الشاسعة، وتعاملت مع مرحاض عصري يميل على الواقف فيستره. ويخرج له الماء الجاري في الوقت الذي يحدده، حتى ينهي مهمته على خير ما يرام. نظرت من حولي فرأيت شبانا يسرون العواجيز مثلي بطلعتهم البهية ولحاهم المنمقة. موضة توحي بفحولة الشاب وليس أكثر. انطباع الديك الشركسي. ينتهون مما بدأوا فيه، ثم يتمركزون في الردهة الخارجية الفسيحة لتبادل الأحاديث الجانبية مع الغيد الحسان. كانوا زملاء جميعا في مدرسة ثانوية واحدة. لا يوجد مصدر للخطر، ولا مساحة لسوء الظن. أمان. أخذت بعضي وتوجهت إلى منطقة البار. استعيد بعضا من ذاكرتي السليبة وليس أكثر. لا السن ولا الاستعداد المالي يسمحان بأكثر من النظر والابتسام. مكان فاخر قطعا، ولكنه لا يضاهي بفخامته بار سميراميس انتركونتننتال بأي حال. عصري جميل فحسب، وإن افتقد إلى هوية تميزه، وتغري بالعودة إليه.

عدت إلى مقعدي السابق رغما عني، ومازالت القاعة تنبض بالرقص والغناء، والعروسان لا يتوقفان عن الحركة. أغبياء. إنها مؤامرة صبيانية من الأصدقاء لإجهادهما قدر المستطاع، ثم التندر عليهما في صباح اليوم التالي.

ودخل الليثي كمايكل بولتون أو كريس ريا في أوج شهرتهما. وانفجرت القاعة بالتصفيق، والتهليل، والتصفير لوصول نجم السهرة، أيقونة الفن الشعبي المعاصرة. يويو ضخم، بأستك طويل، كثير الحركة، وحنجرته نحاسية لامعة بالنسبة لي ولك. لا أكثر ولا أقل. تمنيت لو أمسك مكبر الصوت بيدي بدلا منه، وأدير الدفة بمعرفتي لترد علي تلك الجوقة الرائعة: هيصة، آه يا واد يا ولعة، العجل هد المصطبة، وصل صل.. صلي. وهكذا. انس يا عمرو. استغرق عرضه ساعة واحدة بالضبط، وتلقى مقابلها مبلغ 60 ألف جنيه فقط لا غير. الدقيقة يقابلها ألف جنيه. بعد المساومات. الغريب أنه لم يتوقف للحظات حتى يصافح أحدا من جمهوره العريض. جرى حرفيا من باب القاعة إلى المصعد، ومنه إلى ساحة الانتظار.

هدأت القاعة نسبيا وإن استمر الرقص عشوائيا نوعا ما. بهجة شاملة تسعد القلب العليل، ولا تحفظ واحد لدى الخبثاء من عينتي على أي شيء. مشهد الجنس اللطيف (فعليا) يرفع جفنيك العلويين المرتخيين بفعل الزمن فتصبح بصيرا كزرقاء اليمامة، وإن تألمت على شبابك الضائع. ثم هدأ المكان أكثر وأكثر ليعلن ضابط الحفل في الميكروفون أن البوفيه المفتوح ينادي على المدعوين الكرام. انطلق الناس كيوم الحشر في اتجاه الطعام بالقاعة المجاورة. أسرعوا بشياكة تليق بهم وبالمكان. الآن فقط تنهار تعليمات أم العيال، أو لتذهب إلى الجحيم. للأسف، لن استطيع التحرك بيسر لاستبداد النقرس بركبتي من طول الجلوس. بقيت في مقعدي وحيدا شأن بضعة عواجيز مثلي. سيحكي الشباب عن تجربتهم هناك بعد قليل ولن اترك أذناي لهم. تقديرا من والد العروس للمدعوين من أمثالي، وصلتني حتى مائدتي صينية مستطيلة الشكل من الاستينلس مقسمة إلى منطقتين إحداهما للحم النعام، والثانية للحم الرومي. ويفترش أسفل النوعين أرز بالخلطة. عاد الرفاق من البوفيه بالأطباق البهية وأصابتهم الدهشة. رزق بلا أدنى جهد يا غجر!. حكوا عن اللحوم الباردة والساخنة، والبط، والدجاج المحمر، وأنواع من الفواكه، وبار السلطات، والحلوى السوبر من جديد. انتهى الحفل؟. الصبر يا سيدنا.

ملأ الحضور بطونهم وسعدوا بأطايب الطعام فانجلى بصرهم. والآن تدخل مرجانة. راقصة أجنبية من الفئة الأولى، فابريكة يا محترم. استخرجت تصريح الرقص الخاص بهذا الفندق قبل بضع ساعات من موعد العرس. تتخذ من الغردقة نقطة انطلاق، ونادرا ما تقدم عروضها بالقاهرة. تفاصيل هامشية. المهم، ضيق الشبان الخناق حولها فتعذر التملي في حسنها عن قرب. هناك حل، انظر إلى الشاشات الكبيرة. تحفة. كنت فين يا خشب. البدلة خضراء بدرجات متفاوتة، وتظهر فتحة الصدر درتين ناضجتين من الرمان المنفلوطي، أما الفتحة الجانبية فتكشف الفخذ الأيسر بكامله. انتهت النمرة بعد نصف الساعة تقريبا، فتحسرت عليها وهي تمسك بطرف البدلة لمداراة فخذها العاري وهي في الطريق إلى الخارج. بعد دقائق، عادت بشحمها ولحمها الأبيض الناصع. بدلة جديدة شبيكة زرقاء اللون، وترتدي من أسفلها ما يشبه الحزام الأسود العريض لتغطية ما يلزم من نصفها السفلي. التهبت القاعة مجددا، وضاقت الحلقة حول المسكينة. حرمان يا ناس. تمنيت أن يخلوا بيني وبينها، ولو لدقائق معدودة. سألف ورقة بنكنوت عظيمة القدر من فئة مائتي جنيه واصنع منها قرطاسا صغيرأ، أدسه في منتصف صدرها، فترمقني بنظرة شكر تبقى محفورة في ذاكرتي ما بقي من عمر. بلدي جدا .. أنت في رويال كمبنسكي، ولست أعلى سطح عمارة متهالكة في بطن الزير، حارة القرع، أو السكر والليمون. أفق يا هذا.

يقتلني الفضول

شعرت بالتشبع الكامل، وشجعني بدء مغادرة المعازيم. صافحت أم العروس بمفردي وتمنيت كل الخير لابنتها وانطلقت باتجاه المصعد. لم أشبع فضولي بعد. وقعت عيناي على المتر دوتيل، وكان مختبئا في زاوية ضيقة قبالة المصعد. يختلس دخان سيجارة بعيدا عن الأنظار قبل استئناف عمله.

  • تسلم يا متر. لا توجد ملاحظة واحدة. الشباب ديناميكي ويستجيب بالنظرة.
  • اشكرك يا أستاذ. المهم نسعد الناس.
  • ونعم النظام. قل لي يا متر هل هذا العرس من الدرجة العليا ؟.
  • فاخر. ولكن تعلوه درجتان الأولى يزيد فيها عدد الأطعمة، والثانية تضاف إليه المشروبات الكحولية.
  • كم تكلف بالتقريب ؟.
  • مليون و200 ألف جنيه قبل الإكراميات لفريق الخدمة. منها 400 ألف مقابل البوفيه المفتوح فقط.
  • ممتاز. أشكرك.
  • شرفتنا.

استخدمت المصعد المنفرد وكلي ثقة أنه لن يأخذني إلى مقصدي. البارك. تمنيت مصادفة سعيدة تأخذني إلى أعلى لسبب ما. نزل بي إلى البهو دون إرادتي، وسألني فرد الأمن عند المدخل: "إلى أين يا أستاذ؟". البارك. هل قدت سيارتك بنفسك؟. نعم ولدي تذكرة. أين هي؟. داخل السيارة. عذرا، عد إلى المصعد الأيمن أي واحد من الثلاثة، واضغط على زر الطابق تحت الأرضي (البدروم) حتى تصل إلى هناك بمعرفتك. ممتاز. عدت ونفذت ما طلب حرفيا، فإذا بي أخرج عند بوابة الولوج إلى الملهى الليلي واسمه نميس بحق: "الثالثة صباحا". يتمركز عن اليمين شخص طويل القامة يرتدي بالطو طويل أسود اللون ويشبه عساكر الدرك. لا يتحدث مع أحد. تابعني بعينيه وتمنيت أن يوجه بضع كلمات إلى شخصي المتواضع، فيرضي ذاتي المتضخمة. ممنوع. إنه فرد الأمن الخاص بالملهى ولديه مهام جسام تتخطى الالتفات إلى عجوز مثلي لا خطورة منه مطلقا.

لن يمنعني أحد من النظر كما اشتهي وأنت برفقتي. لا يقل طول قامتك عن قامة الحارس. سيخشاك حتما ويتغاضي عني وعنك. هذا عالم آخر يبعث على الدهشة، وله وجوه مختلفة للذكور والإناث. أثر النعمة واضح من طبيعة الملابس، وشكل الأحذية، ونوعية السيارات. والفتيات يخلبن العقل بجمالهن. من أين جاءت هذه المخلوقات الليلية؟. لا تتعجب إنها إرادة الله. يدخلون معا، اثنان اثنان، بنظام معقد بصفتهم أعضاء. ولا يسمح لهم بصف سياراتهم بأنفسهم أو الاحتفاظ بمفاتيحها. ليست شئونهم. عليهم التفرغ لما جاءوا من أجله. الاستمتاع. مثلنا تماما، وقت أن كنا في مثل أعمارهم.

جمعت عشيرتي الأقربين في البارك، بعد انتهاء عرس قطر الندى، وانتظرت التعليمات الخاصة برحلة العودة: يمين، شمال، على طول. ودمتم.

والسلام ختام

القاص محمد علي