الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

كريمة أبو العينين تكتب: الحقيقة والعدالة

صدى البلد

فى إحدى الجامعات دخل المعلم إلى طلاب السنة الأولى من كلية الحقوق، فى أولى محاضرات العام الدراسى الجديد، وبعدما ألقى عليه التحية وهنأهم بالعام الدراسي الجديد وعرفهم على شخصه ، بعد كل ذلك التفت إلى حيث تجلس فتاة وسألها عن إسمها ، وعندما أجابته قال لها بكل هدوء " اخرجى من هذه المحاضرة ولا أريد أن أراكى مرة أخرى طوال الدراسة "، حاولت أن تتعرف منه عن السبب ولكنه داهمها بقوله " لن أعيد ماقلته مرة أخرى أخرجى من الفصل الدراسى الان وإلى الأبد ". 
حزمت الطالبة أشياءها وخرجت مصدومة من المحاضرة ، وعاد بعدها الأستاذ الى كل من فى المحاضرة وسألهم قائلا " لماذا وضعت القوانين". 

 
وجاءت الإجابات من عدد من الطلاب بين ، لحماية البشرية من المارقين ، وحقوق الانسان ، وحماية المواطنين الضعفاء من الاقوياء  ، وغيرها ، الى أن قال شاب من الحضور " وضعت القوانين من أجل العدالة " وبهذه الاجابة التى نالت استحسان المعلم واقراره لها وبأنه هى الاجابة الصحيحة ، قال المعلم لطلابه " ماتقييمكم لما فعلته مع زميلتكم ؟ 
وهل كنت أنا على حق فى سلوكى معها ؟ 


فجاءت الإجابات بالرفض طبعا وبأنه كان مخطئا ، وبأن زميلتهم مظلومة ، وهنا سألهم المعلم " لماذا إذن لم تدافعوا عنها ؟ لماذا لم تقولوا حينها انكم مستاءين من تصرفى معها ؟ لماذا لم تدعموا موقفها وتطلبوا منى أسباب توضيح سلوكى معها ؟ 


لم يجب أحدا  لأن اجابة المعلم كانت الأسرع فقد قال لهم " الخوف والاحساس بأن مصلحتكم أهم منها ؛ كلكم فكرتم فى أمنكم أنتم وبأن دفاعكم عنها سيعرضكم لنفس مصيرها؛  وعليه فقد آثرتم الصمت ، وتركتم ضلعا كبيرا من أضلع العدالة يتأرجح منتظرا من يقومه ويعيده الى ثباته . أكمل المعلم كلامه قائلا " هنا يكمن الضعف الانسانى ، لأنكم بصمتكم هذا أعطيتمونى دفعة لأن أتمادى فى سلطاتى وأمارس نفس السلوك مع أيا منكم ، ولذا وضعت القوانين من أجل العدالة . العدالة هى التى توقف كل متجرأ ، لأنه سيخاف من عواقب فعلته ، العدالة تتحقق بالداعمين لها ، وأنتم من المفترض ان تصبحوا منفذين العدالة ولكنكم فشلتم فى أول إختبار وآثرتم  سلامتكم الشخصية فى وقتها وتجاهلتم العواقب التى قد تضعكم فى نفس موقف زميلتكم وربما اكبر وأكثر من ذلك . 
بالطبع نرفع القبعة لهذا المعلم الذى رسخ لمفهوم اقرار العدالة ونقيس على ذلك أحداث جسام مر بها العالم ماكانت لتحدث لو أن الآخرين هبوا فى وجه الظالم وأنقذوا الضحية قبل تنفيذ الحكم عليها ، حدثت المآسى العظام لانهم إرتضوا بالصمت والعمل بنصيحة جحا " ادام النار الوالعة بعيدة عن بيتى يبأه انا ماليش دعوة وفى أمان " 
أحداث سيئة عاشتها البشرية وإمتد أثرها الى يومنا هذا ؛ فقط لأن من كانوا موجودين وقتها إكتفوا بدور المتفرجين ونسوا انهم سيدور عليهم الدور وسيعيشون نفس المأساة بصورة أو بأخرى . مقاييس تغيرت ، وضاقت ، واتسعت وفقما أراد من علم انه فى موطن القوة وأنه فوق القانون وانه غير معنيا بتحقيق العدالة ورافضا للحقيقة داعما للكذب والزيف . بلاد دمرت ، وأولاد تغربوا داخل أوطانهم ولايزالون مغتربين لغياب الحقيقة وعدم اقرار العدالة ؛ حقائق شوهت ، قيم هُدمت ، قلوب أمتلأت سوادا وغيظا ، وأخرى قتلها الظلم فأصبحت بلا مشاعر وبلا حياة ، كل ذلك لان العدالة لم تتحقق والحقيقة أُغتيلت ، وصار الواقع يئن طالبا نور الحق وشمس العدالة . 


المعلم أعطى الدرس ، والطلاب استوعبوا ،والعدالة أمسكت بيد الحقيقة لتأخذها معها من أجل شمس الحق والعدل التى يأبى أصحاب الضلال وخفافيش الظلام أن تشرق وتملأ الكون البشرى من أقصاه الى أقصاه …