الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ما هي صلاة التسابيح .. كيفيتها وأدلة على مشروعيتها

صلاة التسابيح
صلاة التسابيح

ما هي صلاة التسابيح؟ سؤال أجاب عنه الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، مشيراً إلى أن صلاة التسابيح من صلوات التطوع، وهي صلاة لها كيفية مخصوصة، ليست على هيئة الصلاة المعتادة، كما أن لصلاة الاستسقاء كيفية مخصوصة كذلك ، وسميت بـصلاة التسابيح لما فيها من كثرة التسبيح.

كيفية صلاة التسابيح

وقد ورد بشأنها حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للعباس بن عبد المطلب : «يَا عَبَّاسُ، يَا عَمَّاه،ُ أَلَا أُعْطِيكَ ؟ أَلَا أَمْنَحُكَ ؟ أَلَا أَحْبُوكَ ؟ أَلَا أَفْعَلُ بِكَ عَشْرَ خِصَالٍ ؟ إِذَا أَنْتَ فَعَلْتَ ذَلِكَ غَفَرَ اللهَ لَكَ ذَنْبَكَ، أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، قَدِيمَهُ وَحَدِيثَهُ، خَطَأَهُ وَعَمْدَهُ، صَغِيرَهُ وَكَبِيرَهُ، سِرَّهُ وَعَلَانِيَتَهُ، عَشْرَ خِصَالٍ : أَنْ تُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ؛ تَقْرَأُ فِي كُلِّ رِكْعَةٍ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ وَسُورَةٍ، فَإِذَا فَرَغْتَ مِنَ القِرَاءَةِ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ وَأَنْتَ قَائِمٌ فَقُلْ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالحَمْدُ للهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً، ثُمَّ تَرْكَعُ فَتَقُولُهَا وَأَنْتَ رَاكِعٌ عَشْرًا، ثُمَّ تَرْفَعُ رَأسَكَ مِنَ الرُّكُوعِ فَتَقُولُهَا عَشْرًا، ثُمَّ تَهْوِي سَاجِدًا فَتَقُولُهَا وَأَنْتَ سَاجِدٌ عَشْرًا، ثُمَّ تَرْفَعُ رَأسَكَ مِنَ السُّجُودِ فَتَقُولُهَا عَشْرًا، ثُمَّ تَسْجُدُ فَتَقُولُهَا عَشْرًا، ثُمَّ تَرْفَعُ رَأسَكَ فَتَقُولُهَا عَشْرًا، فَذَلِكَ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ تَفْعَلُ ذَلِكَ فِي أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ، إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تُصَلِّيَهَا فِي كُلِّ يَومٍ مَرَّةً فَافْعَلْ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّةً، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ سَنَّةٍ مَرَّةً، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي عُمُرِكَ مَرَّةً».

وبين أن الحديث مرويٌّ من طرق كثيرة وعن جماعة من الصحابة هم: عبد الله بن عباس، وأبى رافع، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عمر، والعباس بن عبد المطلب، وجعفر بن أبى طالب، وأم سلمة، والأنصاري، رضي الله عنهم جميعا. ورواه مرسلا عكرمة، ومحمد بن كعب القرظي، وأبو الجوزاء، ومجاهد، وإسماعيل بن رافع، وعروة بن رويم (صلاة التسابيح لمحمد بيومي).

وقد أخرج حديثها الكثير من رواة السنن، كأبي داود ، والترمذي ، وابن ماجه ، والحاكم في [المستدرك] وقال في حديث جعفر بن أبي طالب: «هذا إسناد صحيح لا غبار عليه، ومما يستدل به على صحة هذا الحديث استعمال الأئمة من أتباع التابعين إلى عصرنا هذا إياه ومواظبتهم عليه وتعليمهن الناس منهم عبد الله بن المبارك رحمة الله عليه»، والبيهقي في شعب الإيمان وقال: «وكان عبد الله بن المبارك يفعلها وتداولها الصالحون بعضهم من بعض، وفيه تقوية للحديث المرفوع، وبالله التوفيق».

وأفردها الدارقطني بجميع طرقها في جزء، ثم فعل ذلك الخطيب البغدادي، ثم جمع طرقها الحافظ أبو موسى المديني في جزء سماه [تصحيح صلاة التسابيح].

وممَّن صحَّح الحديث الحافظ أبو بكر الآجري في كتابه [النصيحة]، وابن منده وألف في تصحيحه كتابا، وأبو سعد السمعاني صاحب الأنساب، وأبو محمد عبد الرحيم المصري، وأبو الحسن المقدسي، وابن ناصر الدين الدمشقي في كتابه [الترجيح لحديث صلاة التسابيح]، وابن الصلاح في فتاويه، والبلقيني، والحافظ المنذري في [الترغيب].

قال اللكنوي في [الآثار المرفوعة]: «قلت: فهذه العبارات الواقعة من أجلة الثقات نادت على أن قول وضع حديث صلاة التسبيح قول باطل ومهمل لا يقتضيه العقل والنقل، بل هو صحيح أو حسن محتج به والمحدثون كلهم - ما عدا ابن الجوزي ونظرائه - إنما اختلفوا في تصحيحه وتضعيفه ولم يتفوَّه أحدٌ بوضعه».

وصححه أيضًا السندي في حاشيته على سنن ابن ماجه، والزبيدي في [إتحاف السادة المتقين] ونقل عن التاج السبكي قوله: «الحديث فيها عندي قريب من الصحة» ، والسيوطي ونقل عن الإمام الزركشي تصحيحه للحديث .

قال المباركفوري في [تحفة الأحوذي]: والظاهر عندي أنه لا ينحط، وإن حديث ابن عباس يَقرب من شرط الحسن إلا أنه شاذ لشدة الفردية فيه وعدم المتابع والشاهد من وجه معتبر، فجوابه ظاهر من كلامه في [الخصال المكفرة] و[أمالي الأذكار] ، وعبيد الله المباركفوري صاحب [المرعاة]، والعلامة أحمد شاكر في تعليقه على جامع الترمذي، والسيد أحمد بن الصديق الغماري في جزء سماه [الترجيح لقول من صحح صلاة التسبيح]. وقد نقل الحافظ ابن حجر في [التلخيص] عن أبي علي بن السكن أنه صحَّح الحديث.

وقد اختلف كلام الإمام النووي في الحديث، فضعَّفه في المجموع، وأما في تهذيب الأسماء واللغات فحسَّنه فقال: «وأما صلاة التسبيح المعروفة فسميت بذلك لكثرة التسبيح فيها على خلاف العادة في غيرها، وقد جاء فيها حديث حسن في كتاب الترمذي وغيره، وذكرها المحاملي وصاحب التتمة وغيرهما من أصحابنا، وهي سنة حسنة».

وفَهِمَ الحافظ ابن حجر مِن كلام النووي في كتابه الأذكار الاستحباب لصلاة التسابيح، فقال في التلخيص الحبير: «ومال في الأذكار أيضًا إلى استحبابه. قلت: بل قوَّاه واحتج له، والله أعلم».

يقول العلامة ابن حجر الهيتمي في [الفتاوى الكبرى]: «الحق في حديث صلاة التسبيح أنه حسن لغيره، فمَن أطلق تصحيحه كابن خزيمة والحاكم يحمل على المشي على أن الحسن يُسمَّى لكثرة شواهده صحيحًا, ومَن أطلق ضعفه كالنووي في بعض كتبه ومَن بعده أراد من حيث مفردات طرقه، ومَن أطلق أنه حسن أراد باعتبار ما قلناه، فحينئذ لا تنافي بين عبارات الفقهاء والمحدثين المختلفة في ذلك حتى إن الشخص الواحد يتناقض كلامه في كتبه فيقول في بعضها حسن وفي بعضها ضعيف كالنووي وشيخ الإسلام العسقلاني، ومحمل ذلك النظر لما قررته فاعلمه».

وقد أجاب الحافظ ابن حجر عن ابن الجوزي في جعل الحديث من الأحاديث الموضوعة في [الخصال المكفرة] بقوله: «وقد أساء ابن الجوزي بذكره إياه في الموضوعات،

فأورده من طريق عبد الرحمن بن بشر بن الحكم بهذا الإسناد، وقال: إن موسى بن عبد العزيز مجهول. فلم يصب في ذلك؛ لأن مَن يُوثِّقه ابن معين والنسائي لا يضره إن جهل حاله مَن جاء بعدهما».

ما نقل كان بشأن الحديث الوارد وقول الحفاظ فيه تصحيحا وتضعيفا، وقد ترتب على الحديث أن عمل به الفقهاء فكانت مسألة صلاة التسابيح في الفقه مشروعة، بل مستحبة في مذهب الحنفية والمالكية والشافعية وقول عند الحنابلة.

حكم صلاة التسابيح

وفيما يلي أقوال الفقهاء من المذاهب الأربعة في حكم صلاة التسابيح :

فعند الحنفية : قال الإمام ابن عابدين في حاشيته «قوله (وأربع صلاة التسبيح... إلخ) يفعلها في كل وقت لا كراهة فيه, أو في كل يوم أو ليلة مرة, وإلا ففي كل أسبوع أو جمعة أو شهر أو العمر, وحديثها حسن لكثرة طرقه. ووَهِمَ مَن زَعَمَ وضعه, وفيها ثواب لا يتناهى، ومن ثَمَّ قال بعض المحققين: لا يسمع بعظيم فضلها ويتركها إلا متهاون بالدين, والطعن في ندبها بأن فيها تغييرا لنظم الصلاة إنما يأتي على ضعف حديثها فإذا ارتقى إلى درجة الحسن أثبتها وإن كان فيها ذلك».

وعند المالكية قد عدَّها الحطاب في [مواهب الجليل] من أقسام الفضيلة بعدما قسَّم الصلاة إلى ستة أقسام فقال: «وفضيلة: وهو ركعتا الفجر... وصلاة التسبيح على ما ذكر القاضي عياض في قواعده».

وعند الشافعية : قال الخطيب الشربيني في [مغني المحتاج] : «بقي من هذا القسم صلوات لم يذكرها منها صلاة التسبيح... وهي سنة حسنة... وما تقرر من أنها سنة هو المعتمد كما صرَّح به ابن الصلاح وغيره, وإن قال في المجموع بعد نقل استحبابها عن جمع: وفي هذا الاستحباب نظر؛ لأن حديثها ضعيف, وفيها تغيير لنظم صلاتها المعروف, فينبغي ألَّا تفعل ».

وعند الحنابلة : قال البهوتي في [شرح منتهى الإرادات] : «و(لا) تُسَنُّ (صلاة التسبيح) لقول أحمد: ما تعجبني، قيل: لم ؟ قال: ليس فيها شيء يصح, ونفض يده كالمنكر، وقال الموفق: إنْ فَعَلَهَا إنسانٌ فلا بأس؛ فإن النوافل والفضائل لا تُشْتَرَطُ صحَّةُ الحديث فيها».

وقول بعض العلماء إنها غير مستحبة لقولهم بتضعيف حديثها، وقد رُوي هذا عن الإمام أحمد، وقد نقل الحافظ ابن حجر في «التلخيص» تضعيف حديثها عن ابن تيمية والمزي.

ويجاب عنه: إن هذه الصلاة مروية من طرق كثيرة يقوي بعضها بعضًا، وإن ذلك الحديث اعتضد بفعل كثير من السلف لها ومداومتهم عليها.

وما نقل عن الإمام أحمد في إنكار حديثها فقد جاء عنه أنه رجع عن ذلك، فنقل الحافظ ابن حجر في [أجوبته عن أحاديث المصابيح] عن علي بن سعيد النسائي قال: «سألت أحمد عن صلاة التسبيح، فقال: لا يصح فيها عندي شيء، قلت: المستمر بن الريان عن أبي الجوزاء عن عبد الله بن عمرو. فقال: مَن حدَّثك؟ قلت: مسلم بن إبراهيم، قال: المستمر ثقة، وكأنه أعجبه». انتهى. ثم قال الحافظ ابن حجر: «فهذا النقل عن أحمد يقتضي أنه رجع إلى استحبابها، وأما ما نقله عنه غيره فهو معارَض بِـمَن قوَّى الخبر فيها وعمل بها، وقد اتفقوا على أنه لا يُعمل بالموضوع، وإنما يُعمل بالضعيف في الفضائل وفي الترغيب والترهيب.

ثم قال ابن حجر: «والحق أنه في درجة الحسن؛ لكثرة طرقه التي يُقوَّى بها الطريق الأولى, والله أعلم»( رسالة " أجوبة الحافظ من ابن حجر العسقلاني " الملحقة بكتاب " مصابيح السنة " للبغوي). وقد ذهب الحافظ ابن حجر إلى تحسين الحديث أيضًا في كتابه «الخصال المكفرة».

وشدد علي جمعة أنه بعد عرض هذه الأقوال والآراء فإنه لا مانع من صلاتها، فإنها فضيلة، وأما ما قيل في ضعف حديثها، فالأحاديث الضعيفة تُقْبَل في فضائل الأعمال كما قاله كثير من العلماء، وهى من جنس الصلوات، وفيها ذكر لله، ولم تشتمل على ما يتعارض مع الأصول الثابتة، ولا وجه للإنكار حتى مع اعتبارنا لقول المخالف كما نقل في رواية عن أحمد، وذهب إليه الشيخ ابن تيمية، فإن من المقرر شرعا أنه إنما يُنكر المتفق عليه ولا يُنكر المختلف فيه، فلا إنكار في مسائل الخلاف.