الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حكم الزواج بقصد الإنجاب بالحقن دون علاقة زوجية.. دار الإفتاء ترد

الحقن المجهري
الحقن المجهري

ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (ما حكم الزواج بقصد الإنجاب بالحقن المجهري دون علاقة زوجية أو جماع؟

وأجابت دار الإفتاء، على حكم الزواج بقصد الإنجاب بالحقن المجهري دون علاقة زوجية أو جماع، أن الشرعُ الشريفُ قد أمرَ  بالزواج ورغَّبَ فيه: قصدَ به الاستخلاف والإعمار، وأرادَ له الديمومة والاستمرار؛ ولذلك أقامَ الشرعُ الشريف أساس هذه العلاقةِ على المودة والرحمة وحُسْن العِشْرة.

واستشهدت دار الإفتاء، بقول الله تعالى: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ [البقرة: 187]، وقال سبحانه: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21]، وأباحَ استمتاع كلٍّ من الزوجين بالآخر بما يضمن لهما العفاف والكفاف، وجعل حقَّ المرأة في ذلك كحقِّ الرجل؛ لأن ما يحتاجهُ الرجلُ من المرأةِ من علاقته بها، هو عينُ ما تحتاجه المرأةُ من الرجل؛ قال تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 228].

وأشارت إلى أن الأصل في الزواج أنه شُرعَ لمن قدر عليه وتاقت نفسه إليها؛ فعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» متفقٌ عليه.

وتابعت: فإن لم تطق به نفسه، أو لم يقدر عليه؛ بأن يضرَّ بالطرف الآخر ضررًا محقَّقًا: كان الزواج حينئذٍ حرامًا، على أنَّه وإن كانت فيه مصلحة دينية ودنيوية، إلا أنه يُراعى فيه عدم التسبُّبِ في حصول ضررٍ بالغ بأحد الزوجين أو كليهما، بحيث لا تصير مفاسده أعظم من مقاصده، والقاعدة الشرعية أن "رعاية دَرْءِ الْمَفَاسِدِ أولى مِنْ رعاية حُصُولِ المصالح"؛ كما قال الإمام القَرافي في "الفروق" (4/ 237، ط. عالم الكتب).

وأضاف، أن الفقهاء حينما نظروا إلى عقود الزواج، تعاملوا معها تعاملًا مقاصديًّا، أدركوا فيه تشوُّف الشرع الشريف إلى تصحيح أفعال المكلَّفين وعقودهم مهما أمكن ذلك، والتي منها عقد النكاح؛ بل هو أولى هذه العقود وأقواها وأرقاها؛ إذ به تُصانُ الأعراض وتُحفظ الأنساب من الاختلاط، حتى ألَّف العلماء الرسائل في ذلك؛ كما فعل العلامة جمال الدين القاسمي في "الاستئناس لتصحيح أنكحة الناس".

وقد بنى الفقهاءُ هذا التعامل على مبدأين؛ مبدأ الصحة، ومبدأ الرضـا.

فأما الصحة فقد نظر الفقهاء فيه إلى ذاتية العقد ومبناه؛ فنصوا على أنَّ العقد متى توفرت شروطه وأركانه وانتفت عنه موانعه؛ فإنه يُحكم بصحته، ويصير كلٌّ مِن الرجل والمرأة حِلًّا لبعضهما بموجب هذا العقد، شأنه في ذلك شأن سائر العقود.

وهذا الحكم إنَّما استُفيدَ من عمل الشرعِ؛ وذلك بناءً على توافر أركان العقد وشروطه أو عدم توافرها، فلا يكون هناك مجال للعاقدَين أو غيرهما لإسباغ وصف الصحة أو البطلان أو الفساد على عقد الزواج، وعلى ذلك الوصف الشرعي تنبني الحقوق والواجبات، وتترتَّب الأحكام والآثار والتَّبِعات.

وأما الرضا فلأنَّ العقودَ إنما تثبت على رضا المتعاقدين، فإذا تشارطَ المتعاقدان على شيء ثم تعاقدَا عليه: دلَّ ذلك على رضاهما، فوجب أن يكون العقد ما رضيا به؛ لما تقرر من أن مِلاكَ العقودِ هو الرضا، وهو ركنٌ أساسي في إنشاء عقد الزواج وتَرَتُّبِ آثاره عليه؛ قال تعالى: ﴿فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: 232]، فكانَ عقد النكاح هو أولى العقود بالرضا؛ لأنه "مبنيٌّ على المكارمة"؛ كما قال الطاهر ابن عاشور في "مقاصد الشريعة" (3/ 429، ط. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بقطر).

ولذلك نصَّ جماهير الفقهاء -بناءً على هذين المبدأين- على أن الزوجين إن اشترطَا أو أحدهما طلاقًا أو عدمَ جماعٍ أو غيرهما من الشروط قبل عقد النكاح، ولم ينصَّا على ذلك في العقد صراحةً، فإن العقد صحيح، ولا يلتفت لما تمَّ اشتراطه أو الاتفاق عليه قبل العقد؛ لأن فساد العقد إنَّما يحصل إذا وقع الشرط في صُلْبِهِ.

ومما يُستأنسُ لذلك: أنَّ بعض فقهاء الشافعية صحَّحَ نكاح مَن اشترطا أو أحدهما في العقد عدم المعاشرة الجنسية لمنع الضرر؛ بأن كانت المرأة رتقاء أو قرناء أو لا تتحمل الجماع، ورضي الزوج بذلك لأنه حقُّه.

فإذا صحَّ نكاح مَن اشترطا أو أحدهما ذلك في العقد: فلَأن يصح الزواج مع الشروط التي تمَّ الاتفاق عليها قبل العقد من باب أولى.

فلم تمنع العلة المزمنة والمرض الذي لا يُرجى برؤهُ صحة الزواج، بالرغم من أنها اشترطت عليه عدم معاشرتها حال مرضها، والصورة المسؤول عنها داخلة في هذا المعنى؛ بل هي أمعنُ في الصحة منه؛ لتلاقيها مع ترخُّص تصحيح نكاحها من جهة، ولكونِ الشرطِ فيها وقع قبل العقد لا في صلبه من جهة أُخرى.

ولا تدخل هذه الصورة من الزواج ضمن تأقيت النكاح المنهيِّ عنه شرعًا والموصوف بـ"نكاح المتعة"؛ لأنَّ الفُرقة في النكاح المؤقت (المتعة) "تقع عند انقضاء الأجل من غير طلاق"؛ كما قال الإمام ابن عبد البر في "الاستذكار" (5/ 506، ط. دار الكتب العلمية)؛ بمعنى أن النكاح ينتهي فيه بمجرد حلول الأجل المسمَّى من تلقاء نفسه دون حاجةٍ إلى طلاق، بخلاف الزواج الذي تم الاتفاق الرضائي فيه بين الزوجين على الطلاق أو وقع الاشتراط فيه قبل العقد كما بيَّنا، فالشأن فيه أنه زواج صحيح، وأنَّ الفُرقة فيه إنَّما تكون من طلاقٍ.

فإذا طَلَّق الرجلُ امرأتَه "قصدَ أمرًا جائزًا؛ بخلاف نكاح المتعة، فإنه مثل الإجارة؛ تنقضي فيه بانقضاء المدة، ولا ملك له عليها بعد انقضاء الأجل، وأما هذا فملكه ثابت مطلق"؛ كما قال الشيخ ابن تيمية الحنبلي في "مجموع الفتاوى" (32/ 147، ط. الملك فهد).

وبناءً عليه وفي واقعة السؤال: فإنَّ هذا الزواج قد توافرت فيه أركان الزواج الصحيح وشروطه، وانتفت عنه موانعه؛ ومن ثمَّ فهو زواجٌ صحيحٌ شرعًا، ولا يضر في صحته ما اتفقتما عليه شفويًّا من الانفصال بعد حدوث الحمل، ولا ما تنازلتما عنه من حقِّكما في المعاشرة الجنسية بينكما، ما دام أنَّ هذا الاتفاق ناشئٌ عن إرادة سليمةٍ وأهلية صحيحة، ولم يُنصَّ عليه في العقد صراحة، وليس من قبيل نكاح المتعة المنهي عنه، كما سبق بيانه.

ولا يخفى أنَّ ما قمتِ به من صبركِ على هذا المرض هو من الأفعال الحسنة التي يُثيبُكِ الله عليها عظيم الأجر وجزيل الثواب إن شاء الله تعالى.

مع ضرورة التنبيه في هذا الشأن وفي مثل هذا النوع من الزواج، على أن الأفضل فيه عدم الاتفاق مُسبَقًا على الطلاق؛ مراعاة لمقصود الزواج من جهة، وكفالة لحق الطفل -المراد إنجابه- في أن ينشأ بين أبوين مستقرةٍ حياتُهما من جهة أخرى، ورجاءً في حصول الشفاء من هذه الأمراض من جهة ثالثة؛ خاصة مع التقدم الطبي الحديث.

وقد دَرجت الأُسر المصرية على التكافل والتكامل والتراحم بين الأزواج، وتحمُّلِ بعضهما الآخر في مثل هذه الحالات المرضية، وصار ذلك مكونًا أصيلًا من مُكَوِّناتِ ومَكنوناتِ العلاقات الأسَريَّة بين الزوجين.