الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

منى أحمد تكتب: إمام الملحنين فيردي مصر

منى أحمد
منى أحمد

عندما يؤرخ للموسيقي العربية لابد أن يأتي اسم العبقري المتمرد سيد درويش في المقدمة ، فهوكبيرها مفجر الثورة الموسيقية، الأسطورة التي صنعت مجدا دام لأكثر من قرن ، رغم عمره الفني القصير جدا والذي لم يتجاوز ست سنوات. 


ويخطئ من يتصور أن سيد درويش أغنية ولحن بل هو فكر وتطور، وثورة ساهمت في تجديد الموسيقي الشرقية ونقلها من عليائها المنفصل عن المزاج المصرى، والتي كان يغلب عليها المقامات  التركية المليئة بالجمل اللحنية المعقدة أسيرة التحفظ والجمود، وتشبه محبيها من الطبقة الأرستقراطية،لينطلق بها من القصور نحو الأصول والفلكلور الشعبي، فتداولها الأسطوات والعمال والفلاحين والطلبة.


اتجه سيد درويش بالموسيقى للتعبيرعن الهوية المصرية والتحديث فى آن واحد، بعدما تبحر في أعمال من سبقوه واطلع علي الثقاقات الموسيقية الغربية من الجاليات التي كانت موجودة بالاسكندرية مسقط رأسه في ذلك الوقت ، فتعلم منها وأضاف عليها وأخرجها في جملة موسيقية مصرية خالصة غير مسبوقة .
لم يكن إبداع درويش في أعماله بالكلمة باللحن فقط بل أضفي عليها أبعادا أخري أهمها البعد الأنساني والتعبيري، وصبغها بالظرف المكاني والزماني، وتحول إلي مؤرخ تاريخي ، فكانت موسيقاه شاهدة علي العصر بمفرداته المتعددة ، فسطر بالموسيقي أحداثا تاريخية وسياسية وتناو قضايا إجتماعية وطبقية.   
وأستطاع خالد الذكر أن يطوع الفن لخدمة قضايا الوطن ،فأشعل جذوة الروح الوطنية بين المصريين بألحانه التي كانت تسري كالنار في الهشيم، فسرعان من كان يلتقطها الشعب ويرددها في الشوارع والمقاهي والمظاهرات .
وعندما أدرك الاحتلال الإنجليزي أهمية الأغنية في صناعة الثورة، حاربوا انتشارها بالتضيق، فلجأ فنان الشعب لفكرة الرمز وأستخدمه عندما تم نفي الزعيم سعد زغلول، فقدم سيد درويش مع بديع خيري أغنية يا بلح زغلول يا حليوة ياروح بلادك ليه طال بعادك ، للمطالبة بعودته من المنفى ولكن في صورة رمزية.
وكان لهذة الأغنية بالغ الأثر في الضغط على قوي الأستعمارو رجوع زعيم الأمة إلي الوطن ،وأصبحت هذة الأغنية هي بداية لإستخدام الرمزية الفنية في السياسة.
بجانب الألتحام بالقضايا السياسية لم يكن فنان الشعب بعيدا عن الأمراض الأجتماعية في مصر ،فغنى إلى جانب الألحان الوطنية أغاني شعبية استلهمها من واقع الشعب بكافة طوائفه وطبقاته، فكان المراة العاكسة لهمومهم وقضاياهم ، ولم لا فهو فنان الشعب.
شعرالمصريون لأول مرة بأن لهم موسيقاهم المعبرة عنهم وعن جذورهم ، من خلال جملة موسيقية درويشية تحمل عبق مزيج حضاري متنوع تميزت به الأسكندرية  مسقط راسه، وتشم معها رائحة ملح الأرض الذي ينتمي إليه عموم الشعب  فجمع بين التنوع والأصالة والحداثة. 
وأصبحت موسيقي سيد درويش خير معبرعن الهوية المصرية لأول مرة ،وتتسلل إلي القلب والروح متجاوزة  حدود الزمان والمكان، بعد أن تحولت علي يد درويشها إلى مرحلة الواقعية المرتكزة علي التنوع المصري.