الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

كريمة أبو العينين تكتب: المساواة بالعبء

صدى البلد

الحديث عما يجرى فى قطاع غزة المكلوم لا ينتهي، لأنه حديث عن ظلم وعدوان متواصل منذ أكثر من خمسة أشهر على شعب أعزل،  كل ذنبه أنه يدعم حق مقاومته فى الجهاد فى سبيل الله من أجل استرجاع الأرض، ورفع راية الوطن على كل ربوع الأراضى الفلسطينية المحتلة. 

على مدى ما يقرب من ستة أشهر ودولة الاحتلال تفعل كل ما يحلو لها فى قطاع غزة، من قتل بدم بارد، وتدمير للبنى التحتية، وأسر وتنكيل، تفعل كل ذلك بدعم أنجلو أمريكى وتخاذل إقليمي. 

ورغم كل الأسى والمآسي على ما نراه فى غزة، إلا أن ما يحدث فى الداخل الإسرائيلى يظهر أيضا أن إسرائيل لن تعود مثلما كانت عليه قبل طوفان الأقصى فى السابع من أكتوبر من العام الماضى. 

الذى يظهره الإعلام العبرى يؤكد أن التحلل أصبح يصيب المجتمع الإسرائيلى غير المتجانس طبقيا، فيهود "الحريديم" أو ما يعرف بالمتدينين اليهود الذين يحصلون على ميزة كبيرة وهى عدم تجنيدهم فى الجيش لأنهم طالبو دين، ومتفرغون لزرع المبادئ اليهودية، على حد قولهم، فى قلوب النشء.

"الحريديم" الآن فى وضع صعب منذ إعلان رئيس الجيش عن حاجة قطاع الجيش إلى تجنيد الآلاف لمواجهة ما يجرى فى غزة التى وصف "جانتس" أحداثها بأنها حرب صعبة لم تشهدها قواته منذ 75 عاما هى عمر دولته المغروسة فى منطقتنا المكلومة.

تصريحات جانتس أيدها معظم الإسرائيليين مطالبين بأن يذوق معهم "الحريديم" ما يذوقونه فى غزة من قتل وأسر، وعاهات مستديمة. 

وأكد الإسرائيليون أنه على “الحريديم” أن يتساووا معهم فى كل شىء وأطلقوا مسمى "المساواة بالعبء"، وهو المصطلح المتعارف عليه فى الأزمات والحروب، والذى يطالب الجميع بأن يكونوا كأسنان المشط.

وطالب الإسرائيليون "الحريديم" بأن يقروا فى شريعتهم بحتمية التحاقهم وعائلاتهم بالتجنيد والدفاع عن إسرائيل جنبا إلى جنب مع قوات الجيش الإسرائيلى.

هذه المطالبات وقعت على "الحريديم" وقع الصاعقة ورفضوها قلبا وقالبا وحدثت مواجهات بينهم وبين السلطات الإسرائيلية، أعلنوا فيه أنهم يفضلون القتل على التجنيد.

لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل خرج كبيرهم الذى علمهم التدين على طريقته وهى "الحريديم" بقوله إنه اذا أصرت سلطات إسرائيل على تجنيدهم فإنهم سيغادرون البلاد إلى الأبد ولن يعودوا مرة أخرى، وسيتركون إسرائيل بلا تعاليم دينية لينشأ جيل وأجيال على جهل بأهداف دولتهم ومبادئها الدينية التى ترى أن إسرائيل دولة النهايات وأرض الميعاد وأن حدودها ممتدة من النهر إلى البحر، على حد المزاعم الإسرائيلية الصهيونية.

زعيم الحريديم أعلن العزم وهو يعلم أن سلطات الاحتلال لن تجازف بإرغامهم على الاختيار بين التجنيد والرحيل لأن الحريديم بتفرغهم للعبادة وتعليم الديانة اليهودية يعملون دورا بطوليا فى خلق أجيال متشددة كارهة لكل ما هو فلسطينى وعربى، كما أنهم يرسخون لمبادئ الصهاينة بضرورة هدم الأقصى وإقامة هيكل سليمان وذبح البقرات الحمراوات لتمجيد البنيان اليهودى وامتداد الكيان الصهيونى من الفرات إلى النيل 

كما أن زعيم الحريديم يدرك أن برحيلهم ستفقد إسرائيل الآلاف من الشريحة السكانية، والأهم من ذلك أنه يعلم أن الحريديم يمثلون عنصرا مهما فى زيادة التعداد السكاني لدولة إسرائيل، فهم يمثلون أعلى نسبة خصوبة فى إسرائيل مقارنة بجميع الشرائح الأخرى التى يتكون منها التعداد السكاني الإسرائيلي. 

تهديد الحريديم قابله صمت من السلطات الإسرائيلية وغض الطرف عن مطالبات باقى فئات المجتمع بضرورة تجنيد الحريديم والبحث عن بدائل أخرى لسد العجز فى أعداد الجنود فى غزة، وبالطبع على رأسها المزيد من الدعم الأنجلو أمريكى، وأيضا استجلاب مرتزقة من جميع أنحاء العالم بمرتبات عالية ستدفعها طبعا الإدارة الأمريكية من دم الشعب الأمريكى على صورة ضرائب. 

المساواة فى العبء ليست مجرد مطالبة إسرائيلية على مستوى داخلى بضرورة تجنيد الحريديم، بل هى أفق فى المحادثات الإسرائيلية الأمريكية التى ترى من خلالها حكومة إسرائيل أنها تقدم لواشنطن كل شىء من ترسيخ أقدام الولايات المتحدة فى المنطقة إلى مرحلة فرض سيطرتها على العديد من الدول والمناطق المهمة للإدارة الأمريكية، إضافة إلى استنزاف خيرات المنطقة بواسطة اللوبى الصهيونى فى منطقة الشرق الأوسط بجميع الصور والأهداف.

إسرائيل تعلم أن الولايات المتحدة هى التي تحتاجها وتعمل على استمرارها، ولذا فهى تطالبها علنا وسرا بالمساواة فى العبء، ولا بد أن توافق واشنطن وأتباعها وتقر بكل ما تريده إسرائيل، خاصة فى هذه المرحلة التى تتجه إلى اجتياح إسرائيلي لرفح لتحقيق النصر المزعوم والذى يشجعها على التوغل البرى كما قلنا سابقا  الدعم الأنجلو أمريكى والتخاذل العربى. 

لكم الله يا أهل غزة، وصبرا على الشدائد.