من المتعارف عليه بأن البلدان التي تشهد صراعات وحروب داخلية، هي المكان الأمثل للمرتزقة وتجّار الحرب، الذين يتم توظيفهم من قبل بعض القوى التي تسعى لتحقيق أهداف ومصالح سياسية عبر حروب الوكالة وجماعات مسلّحة من المرتزقة، دون التورط بشكل مباشر في الحروب.
ومنذ منتصف أبريل 2023 وحتى اليوم يخوض الجيش السوداني حرباً مع ميليشيا "الدعم السريع" التي تتكون من جماعات من المرتزقة الذين قاتلو داخل وخارج السودان لتحقيق مصالح الراعين لهم.
وهذا ما جعل السودان بحسب بعض الخبراء والمراقبين ساحة حرب مفتوحة لقوى دولية وجماعات مسلحة عابرة للحدود.
فمع بدء الصراع في السودان، بدأت الكثير من التقارير الاستخباراتية والإعلامية تنتشر في وسائل الإعلام مرفقة بالأدلة والوثائق التي تثبت تورط قوى دولية وإقليمية ومرتزقة أجانب أوكران وكولومبيين في الحرب الدائرة في السودان.
وفي سياق ذو صلة، كانت صحيفة "لاسيلا فاسيا" الكولومبية في مارس الماضي، كشفت عن وجود مرتزقة كولومبيين يقاتلون إلى جانب قوات "الدعم السريع" في السودان.
وبحسب الصحيفة، فإن المرتزقة الكولومبيين يتقاضون راتب شهري يتراوح بين 2500 و3000 دولار أمريكي للفرد.
قتلة وتجار بشر
وأشارت الصحيفة إلى أن عملية تدريبهم ونقلهم للسودان تتم عبر مسارات متغيرة لتجنب الأنظار، إلى أن يصلوا إلى تشاد حيث تستلمهم قوات "الدعم السريع" وتقوم بتجميعهم في مدينة نيالا بدارفور ليتم توزيعهم لاحقاً على الجبهات. وبحسب الصحيفة، يشرف على العمليات ضابطان كولومبيان متقاعدان، وهما: إيفان داريو كاستيلو رودريغيز، و جون خايرو موندول دوكي.
وفي سياق متصل، كان الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو قد أعلن في أغسطس الحالي، أنه طلب بشكل عاجل تقديم مشروع قانون يحظر تجنيد المرتزقة، وذلك بعد أنباء عن مشاركة مرتزقة من بلاده في الحرب والقتال في صفوف قوات "الدعم السريع" بالسودان.
مشيراً إلى أن من يقومون بعمليات التجنيد هم "قتلة وتجار بشر".
بدوره قال أليريو أوريبي مونوز، عضو مجلس النواب الكولومبي، إن شركات الأمن الخاصة والمعارضة تحاول منع اعتماد قانون يحظر المرتزقة في كولومبيا، ولم يستبعد وقوف دول خارجية، بما في ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل وأوكرانيا ضد هذه الوثيقة.
ومن جهة أخرى وبعد التحرك الرسمي الكولومبي تجاه قضية تجنيد المرتزقة، بدأت الجهات مختصة تحقيقات سريّة في القضية ودراسة ملف عمليات التجنيد والشبكات المتورطة بها.
وبحسب بعض التسريبات من مصادر محلية كولومبية فإن المعلومات الأولية تشير إلى أن ما يقارب 300 من المرتزقة الكولومبيين ذهبوا للقتال في السودان إلى جانب قوات "الدعم السريع"، كما أن هؤلاء المرتزقة تلقوا تدريبات في دولة مولدوفا على يد خبراء أوكران قبل إرسالهم الى السودان.
وبحسب المعلومات، فإن عقيد كولومبي متقاعد يقود عملية المرتزقة الكولومبيين بالسودان، ويعمل بعضهم في معسكرات تدريب جنوب نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور والتي تضم من 1000 إلى 3000 سوداني للتدريب، بعضهم أطفال.
وبعد اعتراف أوكرانيا رسمياً بتورط استخباراتها وخبرائها ومرتزقتها بشكل مباشر في الصراع الدائر في السودان أشارت بعض التقارير الصحفية حول ارتباط قضية تجنيد مرتزقة كولومبيين بالنشاط العسكري للأوكران في السودان.
ووفقاً لبعض التسريبات من مصادر صحفية كولومبية، فإن الاستخبارات الأوكرانية لجأت لاستخدام شركة عسكرية خاصة للتمويه على تورطها بقضية تدريب المرتزقة الكولومبيين قبل إرسالهم للسودان ودول أخرى.
وأشارت المصادر إلى أن المرتزقة الكولومبيين لا يوقعوا عقود بشكل مباشر مع الاستخبارات العسكرية الأوكرانية للتدريب في مولدوفا، ولكن توقيع العقود يتم مع شركة Forward Observations Group والتي تسمى اختصارا.(FOG)
وفي التفاصيل، فإن الاستخبارات الأوكرانية تستخدم هذه الشركة العسكرية الخاصة للتغطية على نشاطاتها.
ووفقاً لتقارير صحفية فإن هذه شركة (FOG) ليست شركة أمريكية كما ذكر موقع intelligenceonline سابقاً، بل هي شركة أوكرانية تعمل لصالح الاستخبارات الأوكرانية.
ووفقاً للمصادر فإن التحقيقات لاتزال مستمرة بهدف كشف تفاصيل أكثر عن شبكة تجنيد المرتزقة هذه، والأطراف الدولية المشاركة بها.
حرب بالوكالة
ووفقاً للباحث المتخصص بشؤون الدعاية والإعلام السوداني أحمد عبدالله، فإن الاستخبارات الأوكرانية لم تكتفي باستخدام أسماء شركات خاصة للتغطية على نشاطاتها وعمليات تجنيد المرتزقة، بل لجأت لنشر بعض الأخبار والمعلومات حول "بدء الاستخبارات الأوكرانية تحقيقاً في قضية انضمام مرتزقة مكسيكيين وكولومبيين لصفوف قواتهم بهدف التدريب والتعلم على استخدام المسيّرات المتطورة كي يوظفوا خبرتهم بالمشاركة في حروب أخرى"، حسب ما ذكر موقع "ديفينس نيوز" الإخباري.
وأضاف عبدالله في تصريحات لـ"صدى البلد"، فإن هذه الأخبار والمعلومات تأتي بسياق التمويه على النشاط الاستخباري الأوكراني في أفريقيا، كما يهدف لتهرّب كييف من التورط بقضية تدريب المرتزقة الأجانب ونقلهم واستخدامهم في الحروب التي تستهدف أمن واستقرار بلدان أخرى والتي يمكن أن تصل إلى "دعم الإرهاب الدولي".
وكان المتحدث الرسمي باسم سلاح الجو الأوكراني إيليا يفلاش، في الـ 7 من يناير الماضي، قد كتب عبر صفحته على فيسبوك، بأن مدربي ومشغلي الطائرات بدون طيار من القوات المسلحة الأوكرانية يقدمون الدعم لقوات "الدعم السريع".
وبحسب يفلاش فإن: "كييف ملتزمة بأكثر من 30 عقدا عسكرياً في أفريقيا، والسودان هو أحد هذه الدول، وتحديداً مع قوات الدعم السريع"
وكانت وسائل الإعلام الأوكرانية وعلى رأسها صحيفة "كييف بوست" منذ مطلع الـ2024 ، قد نشرت تقارير تؤكد التواجد العسكري الأوكراني في السودان.
وبحسب بعض الخبراء والمراقبين فإن تصريحات المسؤولين الأوكران حول انخراط القوات الأوكرانية في الصراع الدائر بالسودان، تؤكد الأنباء حول مشاركة مرتزقة كولومبيين بالقتال هناك، كما أنها تثبت المعلومات حول تلقيهم تدريب من قبل متخصصين عسكريين أوكران.