شهدت الساحة السياسية الهولندية، مساء الجمعة، تطورا دراماتيكيا بهزة سياسية غير مسبوقة، بعد أن أعلن تسعة وزراء استقالتهم من حكومة تصريف الأعمال، احتجاجا على رفض فرض عقوبات إضافية ضد إسرائيل، في ظل تصاعد عدوانها على قطاع غزة واستمرار مشاريعها الاستيطانية في الضفة الغربية.
بدأت الشرارة الأولى لهذه الأزمة باستقالة وزير الخارجية الهولندي كاسبار فيلدكامب، الذي أعرب في بيان صحفي عن فقدانه للثقة في قدرة الحكومة على اتخاذ موقف حازم تجاه إسرائيل. وأوضح أن محاولاته المتكررة لفرض إجراءات صارمة ضد تل أبيب، بما فيها عقوبات سياسية واقتصادية، قوبلت بالرفض من داخل مجلس الوزراء.
فيلدكامب، الذي سبق أن شغل منصب سفير هولندا في إسرائيل، أكد أنه لا يستطيع تجاهل ما يجري على الأرض في غزة، من قصف مستمر وتجويع وقتل للمدنيين، إلى جانب التسارع في بناء المستوطنات وتهويد القدس الشرقية.
موجة استقالات
بعد استقالته، تبعه مباشرة نائب رئيس الوزراء ووزير الشؤون الاجتماعية إيدي فان هيوم، قبل أن يعلن باقي وزراء حزب "العقد الاجتماعي الجديد" (NSC) انسحابهم من الحكومة، بينهم وزيرة الداخلية، ووزيرة التعليم، ووزيرة الصحة، ووزيرة الدولة لشؤون التجارة الخارجية، وأربعة وزراء دولة، ليصل العدد الكلي إلى تسعة وزراء.
وأوضح فان هيوم أن السبب الرئيس خلف هذه الموجة من الاستقالات، هو الفشل في التوصل إلى موقف حكومي واضح يدين الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة. وقال: "لقد سئمنا من المماطلة.. فيلدكامب طالب مرارا باتخاذ إجراءات، لكن تم إيقافه في كل مرة".
وأكدت زعيمة حزب "العقد الاجتماعي الجديد"، نيكولين فان فرونهوفن، أن الحزب بذل جهودا مستمرة لدفع الحكومة إلى اتخاذ موقف حازم، لكن دون جدوى، ما دفعهم لاتخاذ قرار الانسحاب من الائتلاف الحاكم.
تأتي هذه الاستقالات في سياق سياسي حساس، تزامن مع توقيع هولندا على بيان أوروبي مشترك أدان مصادقة إسرائيل على مشروع استيطاني كبير، واعتبره انتهاكا صارخا للقانون الدولي.
كما أعلنت الأمم المتحدة رسميا حالة المجاعة في قطاع غزة، محملة إسرائيل مسؤولية الكارثة الإنسانية التي تواجه أكثر من نصف مليون فلسطيني.
إجراءات منفردة
واتخذ فيلدكامب، قبل مغادرته بعض الإجراءات المنفردة، أبرزها حظر دخول الوزيرين الإسرائيليين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش إلى هولندا، وإلغاء تصاريح تصدير بحرية موجهة لإسرائيل.
أمام هذه الأزمة، باتت الحكومة الهولندية تفتقر للأغلبية البرلمانية، حيث تضم فقط حزبي "الشعب من أجل الحرية والديمقراطية" (VVD) و"حركة الفلاحين المواطنين" (BBB)، بعد انسحاب حزب NSC. وباتت تملك 31 مقعدا فقط من أصل 150 في البرلمان، ما يجعلها عاجزة عن إدارة البلاد بفعالية.
من جانبه، أعرب رئيس الوزراء ديك شوف عن "أسفه الشديد" حيال انسحاب الحزب من الحكومة، مؤكدا أن البلاد تمر بمرحلة انتقالية حرجة، وأعلن إلغاء زيارة كانت مقررة إلى أوكرانيا. من جهته، اعتبر حزب BBB أن انسحاب NSC ترك البلاد "بلا دفة قيادة"، وسط حالة من الفوضى السياسية.
يذكر أن هذه الأزمة تأتي بعد انهيار الحكومة السابقة في يونيو الماضي بسبب خلافات حول ملف الهجرة، ما يضيف تعقيدا كبيرا للمشهد السياسي في هولندا قبل الانتخابات المقررة في أكتوبر المقبل.