رؤيتنا لداخلنا الذي لا يراه الآخرون، يتوقف عليها مدى مقدرتنا على التعمق في ذواتنا، بصورة وظيفية، تحكمها حالة من الوعي، الذي تتكامل فيه ما نعرفه عن أنفسنا، وما يشتاق ويتوق إليه الوجدان، ومدى التناغم بين هذا وذاك، مع قيم قد تشربناها؛ فامتزجت في سلوكيات، وممارسات، اعتدنا عليها، وهنا ننتقل إلى حالة الاستقرار الداخلي، التي تجعلنا نستمتع بكل ما نقوم به، أو نؤديه، ولا ينتابنا نوع من ضعف الارتياح؛ مهما كانت النتائج، التي تتمخض عن أفعالنا، التي نمارسها بصورة مقصودة، أو تلقائية.
حالة الاضطراب، التي قد تنتاب أنفسنا يصعب السيطرة عليها، بعيدًا عن نظرتنا المتعمقة لذواتنا، التي تهدينا إلى أسباب تقف وراء ذلك؛ ومن ثم نستطيع أن نحدد بوضوح، ويسر العوامل، التي تجعلنا غير مستقرين، وهذا من وجهة نظري بداية مهمة، تساعدنا في ضبط، وتهدئة نوازع النفس، بما يقلل من معدلات الارتباك، التي قد تحدث في داخلنا؛ حيث إن تناميها، يجعلنا نعاني من تكرار الإخفاق في كثير مما نقوم به، سواءً ارتبط بحديثنا مع الآخرين، أو تعلق بممارسات أعمال مهنية بعينها، أو نتجت عن صورة التعامل اليومي في إطاره الطبيعي، أو المعتاد.
عندما نهجر ممارسة التأمل الذاتي، ونتغافل عن النظرة المتعمقة لأنفسنا، ونحاول التخلص مما يدور في دواخلنا من صراعات؛ فإن النتيجة ستكون غير مرضية، والمحاولة ستؤول حتمًا إلى الفشل، بل، تزداد حالة تباعد الذات؛ لتتسع الفجوة بين المكونات، التي تشكل خبراتنا بكل صورها، وهنا نستشعر نقصانًا، يأخذ من راحتنا، ويقف حجر عثرة أمام تطلعات مبنية على آمال، وطموحات ممكنة بالعمل المصبوغ بجهد، وإصرار، وإرادة، وعزيمة لبلوغ مشروع مستهدفاتنا؛ لذا فإنه يتوجب علينا أن نتوقف، ولو لبرهة نحاول بجدية أن نقيم ما نمر به بموضوعية، ونقوّم المشهد بكامله؛ لنبدأ الغوص في ذواتنا؛ كي نكتشف ما في خلجاتها بهدوء، وتريث.
نسلّم بمقولة: إن جمال الشيء نقصانه؛ لكن لا نقر ماهية الاستسلام، التي تباعد بيننا، وبين نظرتنا المتعمقة في أنفسنا؛ فهي دون مواربة ممتلئة بمزيج من الأحداث السعيدة، والتي دون ذلك؛ فمفردات الحياة لا نستطيع أن نرسمها وفق هوانا، أو نحدد ملامحها بدقة، أو نوفر مسببات لضبطها؛ لكن يتوجب علينا أن نستكشف ما يجول بخواطرنا، وما تتحدث به أنفسنا، وما يتفاعل في دواخل الذات؛ لنرى بوضوح احتياجاتنا بكافة تنوعاتها، ونطالع مستويات الجموح، التي تنتابنا من الحين إلى الآخر؛ ومن ثم نحدد متطلبات، لا مناص عنها؛ لتحقق مستويات من الرضا الذاتي في نهاية المطاف.
تجاهلنا نحو تفعيل نظرتنا المتعمقة لأنفسنا، أرى أنه يسبب مفارقات، لا تشعرنا بالراحة الداخلية، وإن بدت ملامحنا، غير مقروءة من قبل الآخرين، وغاية ما أخشاه أن تتراكم أسباب، ومسببات، تكرّس لدينا السلبية، بل، قد تصيبنا بالإحباط، الذي من شأنه أن يجعلنا نتنازل طواعية عن الاستمتاع بحياة وُهبنا إياها من رافع السماء، بلا عمد، ولا أغالي إذا ما نوهت بالمخاطر الجمة، التي تنتج عن هذا التجاهل، غير المبرر، الذي أصفه بأنه حالة من الهروب المؤقتة، التي تضير حتمًا بمسيرتنا على مسطح المعمورة قاطبة.
ثمرة النظرة المتعمقة لدواخلنا المظلمة، تسهم في إنارة الطريق أمام أعيننا، وتتسبب في إحداث حالة التوازن، التي تزيد من رغبتنا المشروعة في حياة مفعمة بالحب، والعشق في صورته المشروعة، بل، تدفعنا إلى استكمال مسيرة إنجازات مؤجلة لأسباب غالبًا واهية في كليتها؛ ومن ثم فقد بات التمسك بالأمل، والسعي المحمود للوصول إلى غايات، تدخل علينا السرور، والبهجة، وتحقق السعادة في صورتيها المادية، والمعنوية؛ ومن ثم نترقى بأنفسنا إلى حد التنزه عما يشوبها، ونسمو بها؛ لتتذوق معنويات، غابت كثيرًا عنا، بل، تناسينا فحواها، التي تملأ الأجواء بروائح طيبة، تتمنى أن تستنشق عبيرها ذواتنا.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.