في خطوة وصفت بأنها نقطة تحول استراتيجية في مستقبل السياحة المصرية، شهد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، الأحد، احتفال توقيع صفقة استثمارية كبرى لإطلاق مشروع "مراسي البحر الأحمر"، بمشاركة إماراتية عبر شركة إعمار مصر، وسعودية ممثلة في شركة جولدن كوست للسياحة.
الصفقة، التي تجاوزت قيمتها 900 مليار جنيه، لا تعد مجرد مشروع سياحي فاخر، بل استثمار متكامل يرسم ملامح مرحلة جديدة من التنمية الاقتصادية والسياحية في مصر، ويضع سواحل البحر الأحمر على خريطة المنافسة العالمية في قطاع السياحة الفاخرة.
حضر مراسم التوقيع رجل الأعمال الإماراتي محمد العبار، رئيس مجلس إدارة إعمار العقارية، إلى جانب عدد من الوزراء والمسؤولين، بينهم وزير التجارة والصناعة حسن الخطيب، في حضور يعكس حجم المشروع وقيمته الاستراتيجية.
مشروع يوازي تجربة الساحل الشمالي
أكد جمال بن ثنية، رئيس مجلس إدارة إعمار مصر، أن مشروع "مراسي الساحل الشمالي" أثبت قدرة مصر على التحول من وجهة سياحية محلية إلى مركز عالمي، وجذب استثمارات وسياحة دولية.
وأشار إلى أن مشروع "مراسي البحر الأحمر" سيأتي ليواصل هذا النجاح، مع وعود بطفرة اقتصادية وسياحية غير مسبوقة، مستندًا إلى موقع البحر الأحمر الجغرافي الفريد وتنوع موارده الطبيعية.
وبحسب الشركة، سيوفر المشروع أكثر من 170 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، مما يعكس حجم تأثيره على سوق العمل، فضلًا عن قدرته على إنعاش قطاعات خدمية وتجارية عديدة مرتبطة بالسياحة.
قراءة اقتصادية.. ثقة المستثمرين في السوق المصري
يرى الدكتور عبد الهادي مقبل، رئيس قسم الاقتصاد بكلية الحقوق بجامعة طنطا، أن المشروع يمثل "نقلة نوعية" في الاستثمار السياحي بمصر، مؤكدًا أن استكمال نجاح تجربة "مراسي الساحل الشمالي" هو دليل حي على قدرة مصر على استيعاب مشروعات بهذا الحجم.
ويضيف أن ضخ استثمارات تتجاوز 900 مليار جنيه من شركات خليجية وإقليمية كبرى، يعكس ثقة المستثمرين في السوق المصري، ويدل على تحسن مناخ الاستثمار بفضل السياسات الحكومية الجاذبة.
مردود اقتصادي مباشر
1. خلق فرص عمل واسعة
المشروع سيوفر عشرات الآلاف من فرص العمل المباشرة في قطاعات المقاولات والسياحة والخدمات، فضلًا عن فرص غير مباشرة في قطاعات النقل والتوريد. وهو ما يساهم في تقليل نسب البطالة وتحسين مستوى دخل الأسر.
2. زيادة حصيلة النقد الأجنبي
مع إنشاء 12 فندقًا عالميًا و3 مراسي دولية لليخوت، سيستقطب المشروع شريحة السياح أصحاب الإنفاق المرتفع، ما يرفع من موارد مصر من العملات الأجنبية.
3. تعزيز القطاع العقاري السياحي
الوحدات السكنية التي تبدأ أسعارها من 14 مليون جنيه، والفلل التي تصل قيمتها إلى 100 مليون جنيه، ستجذب شريحة النخبة والمستثمرين الأجانب. وهو ما سينعكس على تنشيط حركة البيع والشراء، وزيادة القيمة السوقية للأصول العقارية المصرية.
4. تعزيز مكانة البحر الأحمر عالميًا
بفضل مزيج الشواطئ البكر، الأنشطة البحرية، والخدمات الترفيهية والطبية، سيضع المشروع الغردقة وخليج سوما على الخريطة العالمية للسياحة الفاخرة.
مكاسب استراتيجية لمصر
تنويع مصادر الدخل السياحي: المشروع يعزز السياحة الفاخرة وسياحة اليخوت بعيدًا عن السياحة التقليدية.
تعزيز ثقة المستثمرين: نجاح هذه التجربة سيشجع مستثمرين خليجيين وأجانب على ضخ المزيد من رؤوس الأموال في السوق المصري.
إحياء الاقتصاد المحلي: محافظات البحر الأحمر ستشهد انتعاشًا اقتصاديًا عبر تنشيط الأنشطة التجارية والخدمية المرتبطة بالسياحة.
المنافسة الإقليمية والدولية
1. منافسة دبي
رغم أن دبي تُعد مركزًا عالميًا لليخوت والسياحة الفاخرة، إلا أن مصر تتمتع بميزة جغرافية تجعلها أقرب إلى أوروبا. إضافةً إلى أن أسعار الوحدات والخدمات في مصر ستكون أقل تكلفة، ما يمنحها قدرة على جذب فئة الباحثين عن الفخامة بأسعار تنافسية.
2. منافسة اليونان وجزرها
اليونان تشتهر بجزرها وسياحتها البحرية، لكن مصر تتفوق بقدرتها على الدمج بين السياحة الشاطئية والأنشطة الأثرية والترفيهية، وهو ما يجعل التجربة السياحية أكثر تنوعًا.
3. مركز إقليمي لسياحة اليخوت
المشروع يضم 3 مراسي دولية مجهزة لاستقبال أكبر اليخوت، ما سيحول البحر الأحمر إلى محطة رئيسية في رحلات المتوسط والبحر الأحمر، ويضع مصر على خريطة سياحة اليخوت العالمية.
4. تأثير طويل المدى
نجاح المشروع لن يقتصر على الغردقة فقط، بل قد يفتح الباب أمام مشروعات مماثلة في مرسى علم والعلمين الجديدة، ليشكل توسعًا استراتيجيًا للسوق السياحي المصري.
رؤية الخبراء.. نقلة نوعية لمصر
بحسب الدكتور مقبل، فإن مشروع "مراسي البحر الأحمر" قادر على تغيير قواعد المنافسة في السياحة الفاخرة، شريطة أن تقدم مصر خدمات تضاهي الوجهات العالمية مع الحفاظ على ميزتها التنافسية في الأسعار والموقع. ويؤكد أن نجاح المشروع سيضع مصر في مصاف الوجهات السياحية الكبرى، ويضمن عوائد اقتصادية ضخمة في المدى القصير والطويل.
لا شك أن "مراسي البحر الأحمر" ليس مجرد مشروع استثماري ضخم، بل خطوة استراتيجية تعيد صياغة صورة مصر السياحية عالميًا. المشروع يجمع بين السياحة الفاخرة، تنمية العقارات، واستقطاب رؤوس الأموال الأجنبية، ليضع مصر في موقع المنافسة مع دبي واليونان، ويعزز من مكانتها كوجهة سياحية واستثمارية متكاملة.
وإذا أحسنت الدولة استغلال هذا المشروع الضخم، فإن مردوده لن يتوقف عند سواحل البحر الأحمر، بل سيمتد ليكون رافعة حقيقية للاقتصاد المصري، ويمنح البلاد فرصة تاريخية للتحول إلى مركز إقليمي وعالمي للسياحة الفاخرة والاستثمار المستدام.