في مشهد دبلوماسي يلفت الأنظار، احتضنت القاهرة لقاءً حساسًا بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، أفضى إلى توقيع اتفاق تعاون جديد يعيد الأمل في أحد أعقد الملفات التي ظلت لعقود مثار توتر إقليمي ودولي. لم يكن الأمر مجرد لقاء بروتوكولي عابر، بل خطوة استراتيجية تحمل أبعادًا متعددة تعكس مكانة مصر المتجددة كلاعب محوري قادر على نسج خيوط الحوار بين أطراف متباعدة. إشادة وزير الخارجية الإيراني العلنية بالدور المصري، لم تأتِ من فراغ، بل تعكس حجم التأثير الذي حققته القاهرة عبر وساطة متوازنة وفاعلة.
مصر جسر للتواصل بين القوى المتباعدة
يرى اللواء نبيل السيد، الخبير الاستراتيجي، أن احتضان مصر لهذا اللقاء لم يكن صدفة، بل امتدادًا لدورها التاريخي كجسر تواصل بين قوى متنافرة. فمجرد جمع وزير الخارجية الإيراني مع مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بحضور وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، هو في حد ذاته إنجاز يعكس قدرة القاهرة على فتح قنوات الحوار حتى في الملفات الأكثر تعقيدًا.
هذه الصورة أعادت التذكير بدور مصر التقليدي كحلقة وصل، وهي الصورة التي تحتاجها المنطقة في وقت تزداد فيه التوترات والصراعات.
رسائل سياسية مزدوجة إلى العالم
الدور المصري حمل رسائل واضحة ومتعددة المستويات.
إلى القوى الدولية: أن القاهرة لا تزال شريكًا موثوقًا في قضايا الأمن النووي والاستقرار الإقليمي، وأنها قادرة على لعب دور الوسيط النزيه الذي يحظى بثقة الأطراف المختلفة.
إلى القوى الإقليمية: أن مصر لا تتبنى سياسة المحاور أو الاصطفاف خلف طرف ضد آخر، بل تميل إلى نهج التوازن والبحث عن حلول دبلوماسية تُراعي مصالح جميع الأطراف.
هذه الرسائل، بحسب الخبير، تجعل من مصر طرفًا لا يمكن تجاوزه في أي محادثات مقبلة تخص المنطقة، سواء تعلق الأمر بالملف النووي الإيراني أو بقضايا الأمن الإقليمي عمومًا.
توازن دقيق في المواقف المصرية
أحد أهم ما يميز القاهرة في هذا المشهد هو حفاظها على توازن دقيق. فمصر، رغم علاقاتها الوثيقة بالولايات المتحدة والدول الخليجية، فتحت أبوابها أمام وزير الخارجية الإيراني، ومنحته منصة دولية لتوقيع اتفاق مع الوكالة الذرية. هذا التوازن ليس مجرد مناورة سياسية، بل تعبير عن سياسة مصرية راسخة تقوم على تجنب التصعيد وتفضيل الحوار والبحث عن أرضية مشتركة.
مكاسب استراتيجية لمصر
من زاوية الأمن القومي والسياسة الخارجية، يرى السيد أن الدور المصري في هذا الاتفاق يحقق عدة مكاسب مهمة:
تعزيز مكانة مصر الدولية كوسيط موثوق قادر على جمع أطراف متباعدة.
إعادة القاهرة إلى قلب المشهد الإقليمي بعد فترة من الانكفاء النسبي عن بعض الملفات الكبرى.
بناء رصيد دبلوماسي جديد يمكن استثماره لاحقًا في ملفات أخرى لا تقل أهمية، مثل القضية الفلسطينية أو الأزمات المتصاعدة في السودان وليبيا.
اتفاق يحمل بصمة مصرية واضحة
الخبير الاستراتيجي يشير إلى أن الاتفاق بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية لا يمكن فصله عن الجهد المصري المباشر، سواء عبر التحركات المكثفة لوزير الخارجية بدر عبد العاطي، أو من خلال دعم الرئيس عبد الفتاح السيسي الكامل للعملية. وهذا ما يفسر الامتنان الإيراني العلني للقاهرة، وهو موقف نادر يعكس وزنًا خاصًا لمصر في هذه المرحلة الدقيقة.
اللقاء الذي جمع إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية في القاهرة لم يكن مجرد حدث بروتوكولي يُسجّل في أرشيف الدبلوماسية، بل خطوة استراتيجية تعيد مصر إلى صدارة المشهد الإقليمي كلاعب لا غنى عنه. فمن خلال هذه الوساطة، أثبتت القاهرة أنها قادرة على تحويل الخلافات إلى فرص للحوار، وأنها ما زالت تمتلك الأدوات اللازمة لتكون وسيطًا متوازنًا يحظى بقبول مختلف الأطراف. وبينما يبقى الملف النووي الإيراني معقدًا ومليئًا بالتحديات، إلا أن الوساطة المصرية أظهرت أن الدبلوماسية قادرة على فتح ثغرات في جدار الأزمات، وهو ما يعزز مكانة مصر كفاعل محوري وضروري في معادلة الاستقرار الإقليمي والدولي.