أكد الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر الشريف، أن اختيار النبي صلى الله عليه وسلم لصيغة الكلمات في أدعيته كان دقيقاً ومعجزاً، حيث تأتي بعض الكلمات بصيغة الإفراد، وأخرى بصيغة الجمع، وأحياناً تتناوب بين الصيغتين، بحسب ما يقتضيه المعنى.
وقال رئيس جامعة الأزهر، خلال تصريحات تلفزيونية، اليوم الجمعة، إن من الأمثلة البارزة على ذلك كلمة "النور"، إذ وردت في أدعية النبي مفردة دائماً، ولم ترد مجموعة، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم نجنا من الظلمات إلى النور"، حيث جمع الظلمات وأفرد النور، لأن طرق الضلال متعددة ومتشعبة، أما الحق فهو طريق واحد ثابت، وهو ما يتسق مع الأسلوب القرآني في قوله تعالى: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور}.
رئيس جامعة الأزهر: النبي كان يكرر كلمة النور في الدعاء بصيغة الإفراد
وأضاف رئيس جامعة الأزهر أن النبي صلى الله عليه وسلم جسّد هذا المعنى حين رسم خطاً مستقيماً، وأخبر أنه خط الحق والعدل والهدى، ورسم خطوطاً متشعبة على الجانبين تمثل الانحرافات والباطل.
وأشار رئيس جامعة الأزهر إلى دعاء النبي عند خروجه لصلاة الفجر، حيث كان يكرر كلمة النور بصيغة الإفراد قائلاً: "اللهم اجعل في سمعي نوراً، وفي بصري نوراً، وفي لحمي نوراً..." حتى قال: "واجعلني نوراً واجعل لي نوراً"، وهو تكرار يؤكد أن طريق النور واحد لا يتعدد.
وأكد رئيس جامعة الأزهر أن هذا المعنى الجليل يذكّر المؤمن الذي يخرج إلى صلاة الفجر بأنه يسير في الظلام مستضيئاً بنور الله تعالى، فيسأله الثبات على طريق الحق والهدى.
رئيس جامعة الأزهر يلقي خطبة الجمعة عن مكانة العلم
ألقي خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر د. سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، ودار موضوعها حول "مكانة العلم"، موضحا أن بداية العام الدراسي هي بداية أمل جديد، ينتظر شبابنا، ليتحقق على أيديهم نهضة ورقي هذه الأمة، لهذا يجب أن تبقى ساحات العلم ساحات مهيئة لتلقي العلوم والمعارف، وحتى لا تنحرف عن المنهج القويم الذي سار عليه العلماء الإجلاء، علينا أن نرسخ في ساحاتنا العلمية أدب المعلم وأدب المتعلم، حتى تصبح ساحاتنا التعليمية ساحات بناء وحضارة.
وأضاف رئيس جامعة الأزهر أن العلم هو القاطرة التي تقود الأوطان إلى الرقي والتقدم، ولا سبيل إلى ذلك التقدم والرقي والنهضة إلا بالعلم، مبينا أن دور المعلم أن يخرج للأوطان عُددا، تكون قوة لها، فهذا هو الهدف الأسمى للتعليم، لأن الغاية هي بناء الإنسان ورفعة الأوطان، وإذا اتضحت تلك الغاية سرنا على الطريق القويم، وهذا هو الأصل الذي ينبغي أن تبني عليه بلادنا، والمولى سبحانه وتعالى أمرنا بذلك قال تعالى :﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾، وجاء تعبير النفير في مقام المتفقه في الدين، لينذر ويفقه الآخرين من حوله.
رئيس جامعة الأزهر: الإسلام لا يكتفي بالحث على التفقه في الدين
وأكد رئيس جامعة الأزهر أن الإسلام لا يكتفي بالحث على التفقه في الدين، بل يدعو كذلك إلى تعلم العلوم التطبيقية كالطب والصيدلة والهندسة والفيزياء والكيمياء، وهو ما نجده في تراث هذه الأمة ومنه قول الإمام الغزالي: "درس في الكيمياء عبادة خاشعة لله"، حيث أن امتلاك هذه العلوم هو المِفتاح لامتلاك النهضة والقوة والقرار المستقل في العصر الحديث، وما يواجهه المسلمون اليوم في أماكن مثل غزة من ضعف يعود في الأصل إلى الافتقار لأسباب هذه القوة، التي تكمن في التقدم العلمي، كما أن العلم يعد أمراً إلهياً من خلال أول آيات نزلت من القرآن الكريم: {ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِنۡ عَلَقٍ * ٱقۡرَأۡ وَرَبُّكَ ٱلۡأَكۡرَمُ * ٱلَّذِي عَلَّمَ بِٱلۡقَلَمِ * عَلَّمَ ٱلۡإِنسَٰنَ مَا لَمۡ يَعۡلَمۡ}، حيث ترك المولى سبحانه وتعالى باب القراءة مفتوحاً لكل علم نافع، شرط أن تكون هذه قراءة معمرة لا مدمرة، تقرب صاحبها من الله.
ودعا رئيس جامعة الأزهر إلى استلهام نماذج التراث الإسلامي، من خلال منهج العلماء الإجلاء، حيث أن الإمام الشافعي كان له درس في الفقه وآخر في الطب، كما أن شيخ الأزهر أحمد الدمنهوري كان جامعاً لعلوم الشريعة والطب وله كتاب "القول الصريح في علم التشريح"، وبناءً على هذا التكامل المعرفي، نطالب أولياء الأمور بمنح أبنائهم حرية اختيار التخصصات التي يميلون إليها، مؤكداً أن إرغام الأجيال القادمة على اختيار لا يحبونه قد يؤدي إلى نفورهم من العلم والمجال الذي أُجبروا عليه، وبالتالي تتعثر مسيرة الأمة نحو امتلاك أسباب القوة والنهضة، وفي المقابل عليهم بالتوجيه والنصح.