في قلب مدينة سوهاج، وعلى مقربة من النيل، يقف نجع أبو شجرة شاهدًا على تفاصيل الحياة البسيطة التي صنعت هوية الناس وأحلامهم لعقود طويلة، هذا المكان لم يكن مجرد منطقة، بل كان لوحة حيّة مرسومة بملامح البيوت القديمة، والشوارع الضيقة المرصوفة بالتراب، والوجوه المضيئة بابتسامات الدفء والألفة.
قبل أن تطرق التجديدات أبواب النجع برصف الشوارع بالانترلوك وبناء الأبراج، كانت البيوت الطينية المتجاورة تحتضن بعضها البعض كأنها عائلة كبيرة، جدرانها المتشققة تحكي عن سنوات طويلة من الصبر، وأبوابها الخشبية القديمة تصدر صريرًا يذكرك بطفولتك وأنت تركض بين الأزقة.
نجع ابو شجرة بسوهاج
النجع لم يكن يُقاس بمساحته، بل بروح ناسه الذين يتعاملون ببساطة وصفاء كأن الزمن هناك أبطأ من أن يُدركه العصر الحديث، بعيدًا عن ما يحدث داخل بعض النفوس من الأحقاد والغيرة.
أما الشوارع، فكانت تنبض بالحياة مع كل صباح، الأطفال يلعبون، والنساء يجلسن أمام الأفران البلدية يخبزن الخبز الطازج، الذي يملأ المكان برائحة ساحرة تفوح في الأجواء وتشعل الحنين، رائحة تختلط بدخان الحطب وتلامس روحك قبل أنفك، فتأخذك إلى زمن لا يعرف إلا الطمأنينة.
لكن مع مرور الزمن، تغيّرت الملامح؛ إذ حولت بعض الأجيال الجديدة النجع إلى بؤرة للمخدرات والجريمة، فاختفت ملامح الصفاء تدريجيًا، وبدأت سمعة المكان تتأثر سلبًا بما يجري في الأزقة التي كانت يومًا ممرات للبراءة.
غير أن هذه الصورة القاتمة لم تستمر طويلًا؛ حيث تدخلت مديرية أمن سوهاج بحملات موسعة استطاعت من خلالها تطهير المنطقة وإعادة الأمن إليها، لتستعيد عافيتها وتتنفس من جديد.
اليوم، ومع التجديدات التي تشهدها المنطقة، تتغير الملامح وتتبدل الأبنية، لكن تبقى ذكريات النجع قبل التطوير محفورة في قلوب أهله وزائريه، لتبقى شهادة حية على جمال البساطة وصدق الأيام.