في ظل ما يشهده العالم من تحديات فكرية وسلوكية، تبرز قضية القدوة كأحد المحاور الجوهرية التي تُسهم في بناء شخصية الإنسان، خاصة بين فئة الشباب الذين أصبحوا يواجهون فراغًا في النماذج الملهمة التي يمكن أن يُحتذى بها.
هذا ما أكده الدكتور يوسف محمد المنسي، واعظ بمجمع البحوث الإسلامية، في حديثه لبرنامج "صباح الخير يا مصر" المذاع على القناة الأولى والفضائية المصرية.
القدوة.. رؤية الإسلام الشاملة
يرى الدكتور المنسي أن مفهوم القدوة في الإسلام يتجاوز النظرة الضيقة التي تحصرها في القادة والزعماء فقط، وهو ما يقع فيه كثير من الشباب عند بحثهم عن من يمثلون لهم قدوة. فالإسلام، بحسب تعبيره، يقدم تصورًا أوسع وأعمق؛ حيث إن القدوة ليست مجرد صورة رمزية أو مركز قيادي، بل هي تجسيد حيّ لقيم وسلوكيات تُترجم إلى واقع ملموس في حياة الإنسان.
النبي محمد ﷺ.. النموذج الأكمل
في هذا السياق، أشار الدكتور المنسي إلى النموذج الأعظم للقدوة في التاريخ الإسلامي، وهو النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي جسّد القيم القرآنية سلوكًا ومعاملةً. واستشهد بما قالته السيدة عائشة رضي الله عنها حين سُئلت عن أخلاقه، فقالت: "كان خلقه القرآن". كما استدل بالآية الكريمة:
"لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة" [الأحزاب: 21]، ليؤكد أن الإسلام لا يطرح القدوة كنظرية أخلاقية مجردة، بل كواقع يُعاش ويُقتدى به.
القدوة بين الجهد البشري والاصطفاء الإلهي
وفي تحليله لطبيعة القدوة، أوضح الدكتور المنسي أن القدوة ليست حكرًا على من وُلدوا بصفات معينة، بل هي تقاطع بين ما وصفه بـ"الاصطفاء الإلهي" و"الجهد البشري". فبعض الأشخاص قد يكونون مهيئين فطريًا ليكونوا قدوات، لكن ذلك لا يُغني عن أهمية العمل الدؤوب على الذات والسعي نحو التزكية.
التزكية.. طريق الوصول إلى القدوة
استشهد الدكتور المنسي بقول الله تعالى:
"ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها" [الشمس: 7-9]، ليبيّن أن التزكية، من منظور علماء السلوك، هي الجهد الذي يبذله الإنسان في تهذيب نفسه وتنقية قلبه وتعديل سلوكه. وبذلك فإن القدوة ليست هبة تُمنح دون سعي، بل هي نتيجة طبيعية لمجاهدة النفس وسعيها نحو الكمال الأخلاقي والروحي.
دعوة لإعادة النظر في مفهوم القدوة
اختتم الدكتور المنسي حديثه بدعوة موجهة للمجتمع بكل مكوناته، وخصوصًا لأصحاب الفكر والعقول، لإعادة النظر في كيفية بناء القدوة الصالحة، والتمييز بينها وبين القدوة الزائفة التي قد تُجمّل بالمظاهر لكنها تفتقد الجوهر. إن القدوة الصالحة، كما وصفها، هي من تُلهِم الآخرين بفعلها لا بقولها فقط، وتجمع بين الصفاء الداخلي والإنتاج الحقيقي في المجتمع.
نحو مجتمع يقتدي بالخير
إن بناء أمة قوية متماسكة لا يمكن أن يتم دون أن تتوفر فيها نماذج حقيقية يُحتذى بها، نماذج تعكس القيم وتترجمها إلى أفعال. والقدوة في الإسلام ليست فقط مسؤولية فردية، بل هي مسؤولية جماعية تبدأ من الأسرة، وتنتقل إلى المدرسة، ثم إلى المجتمع كله، حيث يكون كل فرد قدوة في موقعه وسلوكه.