قال الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر الشريف، إن التدبر في أساليب النبي صلى الله عليه وسلم وكلامه الشريف يكشف عن دقائق ولطائف بلاغية ومعانٍ عميقة، تجمع بين البيان والإعجاز، وتفتح أمام الباحثين أبوابًا واسعة للتأمل في العلاقة بين اللغة والشرع والمعنى.
وأوضح الدكتور سلامة، خلال حلقة برنامج "بلاغة القرآن والسنة"، اليوم السبت، أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا لا أربح الله تجارتك، وإذا رأيتم من ينشد الضالة فيه فقولوا لا رد الله عليك»، يحمل دقة بالغة في اختيار الألفاظ، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا أربح الله تجارتك»، فجعل فعل "أربح" مسندًا إلى فاعله الحقيقي وهو الله سبحانه وتعالى، بينما في قوله تعالى: «فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين» أُسند الفعل مجازًا إلى التجارة نفسها، مع أن الذي يخلق الربح في الحقيقة هو الله تعالى.
وأضاف أن هذا التفاوت في الأسلوب بين الآية والحديث الشريف يحمل أسرارًا بلاغية عظيمة؛ ففي الآية جاء الإسناد المجازي لتدل على أن التجارة سبب من أسباب الربح في العادة، بينما جاء في الحديث الإسناد الحقيقي إلى الله جل جلاله ليدل على أن من باع واشترى في المسجد فقد وضع تجارته في غير موضعها، وأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يتولى بنفسه كسادها وعدم ربحها.
وبيّن رئيس جامعة الأزهر أن هذا التمييز بين الإسناد الحقيقي والمجازي يحتاج إلى بصيرة وتأنٍّ من العلماء والدارسين، لأن النظر في الأساليب التي وردت في القرآن الكريم ونظائرها في كلام النبي صلى الله عليه وسلم يفتح بابًا واسعًا من المعرفة البلاغية والدينية، ويكشف سرّ اختيار اللفظ وسياقه ومناسبته للمقام، وهو كنز من كنوز العلم ينبغي التوقف عنده والبحث فيه بعمق وتأمل.
وأشار الدكتور سلامة داود إلى أن من لطائف الأسلوب النبوي أيضًا ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: «من أطعمه الله الطعام فليقل اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرًا منه، ومن سقاه الله لبنًا فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه»، ففي هذا الحديث نلحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل "من أكل طعامًا أو شرب لبنًا"، بل قال «من أطعمه الله» و«من سقاه الله»، ليغرس في النفس أن كل نعمة، مهما صغرت، هي من عند الله وحده.
وأكد رئيس جامعة الأزهر، أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد بهذا الأسلوب أن يعلّم الأمة أدبًا راقيًا في استحضار المنعم سبحانه في كل لحظة من لحظات الحياة، وأن يربط العبد بخالقه في طعامه وشرابه ومعيشته كلها، حتى يدرك أن الفضل لله وحده، وأن كل ما يجري في الكون إنما هو بقدرته وتوفيقه جل جلاله.