قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

محمد ابراهيم محروس يكتب:الأزرق .. قصة


السكون الذي يغلف روحي .. تلك المدينة الوهمية التي ارسمها في خيالي ، وهؤلاء الشخوص الذين يتحركون حولي .. يندفعون في كل اتجاه ، أري عقلي مفتوحًا على اتساعه وكأنه باب للسماء ، وأراهم يتشاغبون ويتناقشون ويدفع بعضهم بعضا في نشوة الجنون التي تنتابني أحيانًا، يقف أبطال مدينتي أو روايتي ، أو قصتي لا مجال للتسمية الآن سم ما شئت ، أحاول أن أتبين رباب من وسطهم ، بالتأكيد رباب ستكون مختلفة عن الأخريات حتى في لون فستانها الأزرق ، تعشق الأزرق لأنها رباب .
موج البحر الهادر الذي يسحبك ويجرفك إلى الأعماق ، فأنها رباب ، تلك السماء الزرقاء التي تحتضن البحر ، لأنها رباب ، زرقة الجسد لحظة طلوع الروح للسماء لأنها رباب .. الحلم الأزرق الذي يحتل وحده مكانة في نفسي ، لأنها رباب .. ما الذي يحدث هناك في عمق عقلي ، هناك شاب جالس يحتسي قهوة مضبوط ويلعب دومينو في هدوء وأمامه شاب يحتسي عصير برتقال ويبدو غاضبًا ، لا وقت للذاكرة لاستعادة مشهد الأصدقاء ، ولكني أظن أن من يجلس يسارًا هو أنا ، أبدو أصغر سنًا، ويبدو صالح أمامي أكبر مني برغم أنني أفوقه عمرًا ، ولكن صالح دوما هكذا يبدو كبيرا وكأنه حمل بين تجاعيد جسده كل الرؤى والخيالات عن الحياة ، بل حمل الحياة نفسها ونقش فنونها وصبرها على وجهه ، هل كنت أكلمه وقتها عن رباب ، هل سألته يومها هل عادت ، هل رفض أبوها ، هل قبل ، ماذا فعلت هي ؟ أكنت أسأله ، لماذا يبدو صالح غاضبًا ، ألانني أكسبه في الدومينو أم أنه يعرف أن رباب قد ذهبت ومن ذهب لا يعود ، السماء ، والسكون ، زرقة الموج التي تضرب منطقة ما في عقلي ، أشعر بأن مخي يتسرب من بين جمجمتي ، وعقلي يقف متفرجًا.. يضع النادل القهوة أمامي ويسحب من صالح الكوب من يده بالعصير وهو نصف ممتلئ ، كيف لم يقف صالح ليضرب هذا النادل "قلمين" ، أنه يعرف أنه جرسون مجنون ، يعطف عليه صاحب المقهى .
تهرب الصورة ، أجدها أمامي بثوبها الأزرق وعينيها الزقاويين ، الشقة تظهر ، فستانها بين يدي ، ملابسها الداخلية زرقاء أيضًا ، أي عشق مجنون هذا ، لأنها رباب كانت لجسدي ارتواء ، كانت لروحي حياة ، تهرب الصورة من عقلي، لا ، ليس هذا وقت استعادة رباب بين ذراعي ، ولا لحظة الحب المفضوح ، رباب هناك تقف في ركن قصي ألمح دمعتها تفر ، لا تبكي يا حبيبتي ، مستحيل أن تعود تلك الصورة لخيالي مرة أخرى سأمسح ذلك من شريط ذكرياتي ، ستظلين هناك تلك " البنوتة " الصغيرة ذات الفستان الأزرق الذي كنت اصطحبها للمدرسة صباحا وأعود بها ظهرا ، لن تكوني لحظة الانتشاء الجنوني ، لن تكوني سوى تلك البنوتة الصغيرة التي أكبرها أنا بأعوام قليلة ولكنها كانت تسلمني يدها مطمئنة ، وكأنها تدرك أنني قط لن أحيد بها عن الطريق ، لأنها رباب كان مستحيل ألاّ أعشقها .
صالح دعهم يتجولون في ذاكرتي ، لن يجدوا أثرا لرباب في عقلي لأنها تحتل روحي ، وهم أبدا لن يستطيعوا الوصول لمكان الروح !
صالح أنت تعرف القصة كلها فلا تعاندني ، أطلب لي كوبا من عصير البرتقال ولكن لا تخبر النادل المجنون أن يعود بنصف الكوب الذي أخذه منك منذ قليل ، مجنون ويفعلها !
أأنت أيضا يا صالح لا تعرف مكانها في روحي ؟! أكنت مثلك أهيم في حياة الآخرين وأنسى حياتي ، مدينتي التي قررت أن أبنيها سأخرجك منها مهما فعلت ، لن أعطيك شقة في عقلي أتحلم بقصر ، لا، كل ما سأفعله أنني سأمحو تلك الصداقة المزعومة ، سأدع عقلي يرتب الشخصيات من جديد ، وأنت ستكون كأنك لم تكن !
لا تحاول إرباكي بتذكيري بها وبك ، ستكون لك ذاكرتك الخاصة انشئها كما تريد ، أهرب من حياتي وذاكرتي ، خذ طريقا آخر غير طريقي ، أنت بعد كل هذا العمر لم تفهم أنني عشقتها وأنني من بنى تلك المدينة في عقلي لها ، لتكون ملكة على شخصيات حياتي ، ولكن هناك في منطقة ما يظل البحث عن رباب جاريًا ، لا يعرفون السر مثلي ، اختفاء رباب أفزعهم ، لأول مرة تختفي فتاة تحب اللون الأزرق من بين أيديهم ، لم يتصوروا أنها هناك في عقلي ، وأنني أغلق عليها الأبواب ولن يعثروا عليها مهما حاولوا ، لأنها رباب لم يكف الحديث عن اختفائها لسنوات ، ولن يمل النسوة أن يتغامزن أنها هربت مع عشيق ما ، سأمسح تلك الذكرى عن النسوة ، يكفي وجود امرأة واحدة في روحي لتغنيني عن كل النساء ، لأنها رباب كان من الصعب أن أتخيل حياتي بدونها ، فكنت أطلقها ليلا من محبسها في عقلي وأجدها أمامي على سطح بيتنا نتأمل السماء طويلا ، تحب النجوم ، مكانها هناك كنجمة في وسط السماء تحمل الضوء للكون ، أكنت أراقصها ، بل هي من علمتني الرقص ، أتذكر يومها أن قالت لي " لا تكن رجعيا " الرقص مذهب !
هل رقصتني يومها على سطح بيتي ، أم رقصتني النجوم نفسها ، هل سقطت منشيا غارقا في خيالي وجنوني ، لأنها رباب كان يجب أن أطلق سراحها أن أعطيها الحياة لتتنفس غيري ، صالح كان يقولها أنت تكتم على أنفاسها مذ كانت طفلة ، أترك لها الحبل قليلا ..
لقد طاوعتك يا صالح ، تركت الحبل ، ولكنني نسيت أنها نجمة ومكانها ليس هنا ، بل هناك وسط السماء ، تركت الحبل فغادرت للنهاية !
ملعون يا صالح ، سوف أشطبك نهائيا من ذاكرتي ولن أطلب لك عصير برتقال ، أرجع أيها النادل ، أعطيني كوبا من الماء ، لا صديقي .. أنه ليس بصديقي ، أنه .. ما اسمك ؟
لا تبدو انزعاجا ذاكرتي خرفة ، وألزهايمر أكلها فلا تعطي للأمر أهمية ...