قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

أنيس منصور.. فيلسوف الحكايات وساحر الكلمة

أنيس منصور
أنيس منصور

كان أنيس منصور كاتبًا من طرازٍ لا يتكرر، يمشي في دروب الفكر بخفة شاعرٍ، ويتأمل العالم بعين فيلسوفٍ يدهشه الوجود في كل لحظة، جمع في قلبه بين دهشة الطفل وحكمة العجوز، وبين خيال الحالم وصرامة المفكر، فخرجت من بين يديه كتب تشبه الرحلات في بحار النفس والكون والزمان.
لم يكن مجرد صحفي يكتب مقالًا، بل كان حكّاءً للعقل والروح، يسكب في كلماته أسئلة لا تنتهي عن الحياة والموت والمعرفة والحب، كان يؤمن أن الكتابة ليست ترفًا، بل نوع من المقاومة ضد الغياب، وأن الفكرة حين تُكتب تُصبح خالدة، لا يقتلها الزمن، رحل الجسد، وبقي صوته بين السطور، يهمس لنا كما كان يقول دائمًا:


رحلة الفكر والبدايات

ولد أنيس محمد منصور في 18 أغسطس عام 1924 بقرية شنوة بمحافظة الدقهلية، وتخرج في قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة عام 1947، ليبدأ بعدها رحلة فكرية وصحافية امتدت لأكثر من ستين عامًا، جمع فيها بين الكتابة والتأمل والترحال.

بدأ مسيرته الصحفية في جريدة الأهرام، ثم انتقل إلى أخبار اليوم حيث اشتهر بعموده اليومي، كما كتب في مجلات روز اليوسف والإذاعة والتلفزيون، وتميز أسلوبه بخفة الظل والعمق الفلسفي واللغة المشرقة التي تجمع بين وضوح الصحافة وجمال الأدب.


الفيلسوف الذي جاب العالم

لم يكن أنيس منصور كاتبًا مقيمًا في برجه العاجي، بل كان رحّالة الفكر والخيال، طاف العالم شرقًا وغربًا، وسجّل مشاهداته وتأملاته في سلسلة من كتب الرحلات التي تعتبر اليوم من كلاسيكيات الأدب العربي الحديث.
في كتابه الشهير "حول العالم في 200 يوم"، قدّم صورة إنسانية وفكرية مدهشة عن الشعوب التي زارها، وكتب بأسلوب يجمع بين المعلومة والمتعة والحكمة.
وفي كتبه الأخرى مثل "أعجب الرحلات في التاريخ"، و"الذين هبطوا من السماء"، و"الذين عادوا إلى السماء"، فتح أمام القارئ أبوابًا بين العلم والفلسفة والغموض، وأدخل الأدب العربي إلى مناطق جديدة من الخيال والمعرفة.


أبرز مؤلفاته

خلف أنيس منصور مكتبة ضخمة تضم أكثر من 200 كتاب تنوعت بين المقال والفلسفة والرواية والترجمة والرحلات، ومن أهمها: حول العالم في 200 يوم، الذين هبطوا من السماء، الذين عادوا إلى السماء، أعجب الرحلات في التاريخ، قالوا، مذكرات شاب غاضب، في صالون العقاد كانت لنا أيام، من أول السطر، الكلمة الأخيرة.

كل كتاب من هذه الكتب يحمل بصمة أنيس منصور الخاصة، التي تمزج الفكر بالدهشة، والسخرية بالحكمة، والعلم بالخيال.


أسلوبه وإرثه

كان أنيس منصور صاحب مدرسة فكرية وأدبية متفردة.
كتب عن الحب والمرأة والموت والفكر والدين والسياسة بلغة أقرب إلى الشعر منها إلى النثر، وجعل من المقال اليومي لوحة صغيرة للفلسفة والحياة.
كان يكتب ليحاور القارئ لا ليعلّمه، ويثير الأسئلة أكثر مما يقدّم الإجابات، ولذلك ظلّت كلماته حيّة حتى بعد رحيله.

رحل أنيس منصور في 21 أكتوبر عام 2011، لكنه ترك وراءه إرثًا فكريًا وروحيًا لا يزول، وجيلًا كاملاً من القرّاء والكتّاب الذين تعلموا منه أن الكتابة ليست مهنة، بل رحلة اكتشاف للذات والكون.