قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ان الله عز وجل يقول تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}، وهذه هي التي لا يُسامِح فيها رسولُ الله ﷺ؛ فحبُّ الله، وحبُّ رسوله، وحبُّ أهلِ بيتِه من أركان الإيمان.
واضاف جمعة، في منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ان عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله ﷺ: «أَحِبّوا اللهَ لما يَغذوكُم به من نِعَمِه، وأَحِبّوني لِحُبِّ الله، وأَحِبّوا أهلَ بيتي لِحُبِّي».
وقال ﷺ – فيما أخرجه الترمذي، وليس في الكتبِ الستةِ سواه –: «يا أيها الناس، إني قد تركتُ فيكم ما إنْ أخذتم به لن تضلوا: كتابَ الله، وعِترتي أهلَ بيتي». ولم يقل: {وسنتي}، فالموجود في الكتب الستة: {وعترتي أهل بيتي}. أما لفظ: {وسنتي}، فقد أخرجه الحاكمُ بلفظ: «تركتُ فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتابَ الله وسنتي». لكن {وعترتي} في الترمذي، والترمذيُّ مُقدَّمٌ على أحمد؛ لأنه من الكتب الستة المعتمدة.
وقد أمرنا سيدُنا رسولُ الله ﷺ بحبِّ آلِ بيته والتمسكِ بهم، ووصَّانا بهم – عليهم السلام أجمعين –، قال ﷺ: «أما بعد، ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر، يُوشك أن يأتي رسولُ ربي فأجيب، وأنا تاركٌ فيكم ثقلين؛ أولهما كتابُ الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به».
-فحثَّ على كتاب الله ورغَّب فيه-، ثم قال: «وأهلُ بيتي، أذكِّركم الله في أهل بيتي، أذكِّركم الله في أهل بيتي، أذكِّركم الله في أهل بيتي».
فقال له حُصَين: ومَن أهلُ بيته يا زيد؟ أليست نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهلَ بيته مَن حُرِم الصدقةَ بعده. قال: ومَن هم؟
قال: هم آلُ عليٍّ، وآلُ عقيل، وآلُ جعفر، وآلُ عباس.
قال: كلُّ هؤلاء حُرِّم الصدقة؟
قال: نعم. (رواه مسلم)
فنحن نحبُّ الله حبًّا كبيرًا، وبحبِّنا لله أحببنا رسولَه ﷺ الذي كان نافذةَ الخير التي رحم اللهُ العالمين بها، وبحبِّنا لرسولِ الله ﷺ أحببنا آلَ بيتِه الكرام، الذين أوصى بهم ﷺ، وعظمت فضائلُهم، وزادت محاسنُهم.
فموقعُ محبةِ أهلِ بيتِ رسولِ الله ﷺ في أعماقِ قلبِ المسلم، وهو مظهرُ حبِّ رسولِ الله ﷺ؛ فبحبِّه أحببتُهم، كما أن محبةَ النبي ﷺ هي مظهرُ محبةِ الله، فبحبِّ الله أحببتُ كلَّ خير، فالكلُّ في جهةٍ واحدة، وسائلُ تُوصِّل إلى المقصود، واللهُ يُفهِمُنا مرادَه.
والمغالاةُ لا تكون في المحبة، وإنما تكون في الاعتقاد؛ فطالما أن المسلم سليمُ الاعتقاد، فلا حرجَ عليه في المحبة لرسولِ الله ﷺ وأهلِ بيتِه.
فنحن نعتقد أنه لا إله إلا الله، وأن سيدَنا محمدًا هو رسولُ الله ﷺ، وأن الأنبياءَ معصومون، وغيرَ الأنبياء من العِترة الطاهرة والصحابة الكرام ليسوا بمعصومين، وإنما هم محفوظون بحفظِ الله للصالحين.
ويجوزُ شرعًا وقوعُهم في الآثام أو الكبائر، ولكن يحفظهم الله بحفظه.
فطالما أن المسلمَ سليمُ الاعتقاد في هذه النواحي، فليُحبَّ أهلَ بيتِ رسولِ الله ﷺ من كل قلبه؛ فهي درجاتٌ يرزقها اللهُ لمن أحبَّه.
فكلما زاد حبُّ المسلم لأهلِ البيت، ارتقى بهذا الحبِّ في درجات الصالحين؛ لأن حبَّ أهلِ البيت الكرام علامةٌ على حبِّ رسولِ الله ﷺ، وحبَّ رسولِ الله ﷺ علامةٌ على حبِّ الله عز وجل.
وزيارةُ آلِ بيتِ النبوة من أقربِ القُرُبات، وأرجى الطاعاتِ قبولًا عند ربِّ البريّات؛ لأن في زيارتهم ومودتِهم برًّا وصلةً لرسولِ الله ﷺ، كما قال تعالى: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾.
بل إن زيارةَ الإنسان لقبورهم آكدُ من زيارته لقبور أقربائه من الموتى؛ كما قال سيدُنا أبو بكرٍ الصديقُ رضي الله عنه: «والذي نفسي بيده، لقرابةُ رسولِ الله ﷺ أحبُّ إليَّ أن أصلَ من قرابتي».
وقال رضي الله عنه أيضًا: «ارقبوا – سيدَنا محمدًا ﷺ – في أهلِ بيته».ويقول الإمامُ الشافعي رضي الله تعالى عنه وأرضاه:يا آلَ بيتِ رسولِ اللهِ حُبُّكُمُ * فَرضٌ مِنَ اللهِ في القُرآنِ أَنزَلَهُ يَكفيكُمُ مِن عَظيمِ الفَخرِ أَنَّكُمُ * مَن لَم يُصَلِّ عَلَيكُم لا صَلاةَ لَهُ.