قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
عاجل
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

في منتدى القاهرة.. خبراء أوروبيون يحذرون من تصاعد الانقسامات الداخلية تحت ضغط واشنطن وموسكو

المنتدي
المنتدي

شهدت فعاليات اليوم الثاني من الدورة الثانية لمنتدى القاهرة  (CAIRO FORUM 2)، الذي ينظمه المركز المصري للدراسات الاقتصادية، جلسة هامة بعنوان "مأزق أوروبا بين الخلافات داخل الاتحاد الأوروبي وضغوط ترامب". استعرضت الجلسة تحديات الاتحاد الأوروبي الراهنة، من الانقسامات الداخلية وتأثير التنافس الجيواقتصادي العالمي، إلى تداعيات الحرب في أوكرانيا ومستقبل الشراكات الدولية في ظل التغيرات الجيوسياسية.

وأجمع المتحدثون على أن أوروبا، رغم كل التحديات والانقسامات التاريخية، لا تزال صامدة وتحقق تقدمًا ملحوظًا، لكنها تواجه تحديات وجودية تتطلب تعزيز وحدتها الداخلية والخارجية. وتناولت الجلسة أهمية تعزيز الدفاع الذاتي الأوروبي، والتخلص من الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية، والاستثمار في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، مع التأكيد على ضرورة الحفاظ على القيم الديمقراطية وسيادة القانون كركيزة للاتحاد. كما سلطت الضوء على أهمية الشراكات مع الجنوب العالمي، وحذر المتحدثون من المحاولات الخارجية لتقويض الديمقراطيات الأوروبية وتغذية الانقسامات الداخلية.

افتتحت إيفانا دراجيسيفيتش، مؤسسة مركز مستقبل أوروبا، الجلسة بالتأكيد على أن عنوان الجلسة، الذي يتحدث عن "معضلة أوروبا: تائهة بين الخلافات داخل الاتحاد الأوروبي وضغط ترامب"، يثير الكثير من القضايا، لكنها أشارت إلى أن هناك الكثير لقوله عن أوروبا يتجاوز سيناريوهات الهلاك والتشاؤم. ولفتت إلى أن أوروبا، كنموذج لتحالف ناجح من الدول، تواجه أسئلة ضخمة في عالم مضطرب. واستذكرت تجربتها الشخصية ككرواتية انضمت إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2013، وبدء الحرب في بلدها وهي في السادسة عشرة، ما يعكس تعرضها لصدمات ضخمة وكيفية تجاوزها. وتساءلت عما إذا كان تشخيص أوروبا الحالي صحيحًا، وما هي أكبر التحديات التي تواجهها، وهل لا يزال بإمكان أوروبا أن تقدم شيئًا في هذا العالم.

باولو ماجري، رئيس المجلس الاستشاري والمدير التنفيذي للمعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI)، عبر عن استيائه من السردية القائلة بأن أوروبا منقسمة، وغير فعالة، وغير ذات صلة، مشيرًا إلى أنه يسمع هذا منذ 30 عامًا. وأكد أنه على الرغم من انقسامات حول اليورو والتوسع وحرب يوغوسلافيا والعراق وأزمة اليورو والهجرة والبريكست، فإن أوروبا ما زالت مجتمعة، وتحقق تقدمًا لا يصدق. وضرب مثالًا بالحرب في أوكرانيا، حيث اتخذت أوروبا قرارًا موحدًا بشكل لا يصدق. وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي انتقل من 6 دول إلى 27 دولة، ولديه 10 دول تنتظر الانضمام. وشدد على أن لا أحد يرغب في المغادرة الآن، وأن أوروبا لديها حلم و3 خطط لجعلها أقوى، وأنها أثبتت أنها مع بعض الصعوبات تمكنت من تحقيق المستحيل.

وفيما يتعلق بالوضع الراهن، أقر ماجري بأن الاتحاد الأوروبي لم يلعب دورًا  إيجابيًا للغاية في أزمة غزة بسبب الانقسامات، واعترف ببطء أوروبا في اتخاذ القرارات، مستشهدًا بـ 26 عامًا من النقاش حول اتفاقية الميركوسور. لكنه شدد على أن الدفاع عن القيم الديمقراطية هو قيمة غير قابلة للتفاوض. كما أضاف أن رسالة العمل ككيان واحد التي دعا إليها شخصيات مثل دراجي، تعني فيدرالية عملية أو تحالف الراغبين لتجاوز الشلل الناتج عن حق النقض. وختم ماجري بالتأكيد على أن أوروبا أخرجت مئات الملايين من الناس من الفقر النسبي في ظل الديمقراطية، وهو إنجاز يجب أن يُروى.

أما الدكتورة كلوديا شموكر، رئيس مركز الجغرافيا السياسية والجيواقتصادية والتكنولوجيا بالمجلس الألماني للعلاقات الخارجية  (DGAP)، فقد سلطت الضوء على البيئة الجيواقتصادية الصراعية التي يجد الاتحاد الأوروبي نفسه فيها. وأشارت إلى تنافس استراتيجي متزايد بين الولايات المتحدة والصين، حيث يستخدم كلا الجانبين سوقهما كرافعة لتحقيق أهداف استراتيجية. ووصفت الاتحاد الأوروبي بأنه محصور بين سياسة تجارية صينية قسرية وسياسة تجارية أمريكية حمائية لم تعد تميز بين المنافسين والحلفاء. وأكدت أن التجارة والاقتصاد لم يعد بالإمكان فصلهما عن المخاوف الأمنية، ما يشكل تحديًا لأوروبا التي تتخذ قراراتها الأمنية بالإجماع. ورغم ذلك، نوهت بنجاح الاتحاد الأوروبي في فرض 19 حزمة عقوبات ضد روسيا. وأشارت إلى أن الاتحاد الأوروبي لاعب جذاب للغاية في التجارة، بامتلاكه أكثر من 80 اتفاقية تجارة حرة، لالتزامه بسيادة القانون والشفافية. 

وشددت على أن طريق أوروبا إلى الأمام ليس مع الولايات المتحدة أو الصين، بل مع الكثير من الدول التي هي جزء من الجنوب العالمي، مثل البرازيل وإندونيسيا، والتي ترغب في إقامة شراكات قائمة على القواعد. وأكدت أن أوروبا بحاجة إلى تعزيز سوقها المشتركة والاستثمار بشكل استراتيجي في مواردها الخاصة، بما في ذلك المواد الخام والمعادن النادرة، لأن التجارة والطاقة يمكن استخدامهما كسلاح. واختتمت شمكر بالإشارة إلى أن استراتيجية الأمن الاقتصادي الأوروبية تركز على التعزيز والحماية والشراكة، مشددة على أهمية التعددية والقواعد العالمية.

من ناحيته أوضح بيوتر بوراس، رئيس مكتب وارسو بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية  (ECFR)، أن الانقسامات الداخلية بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مبالغ فيها. ورأى أن المشكلة الأكبر تكمن في "انقساماتنا الداخلية داخل بلداننا"، حيث أصبحت الديمقراطيات الأوروبية مستقطبة للغاية، ومنقسمة بشدة، ما يجعلها أكثر عرضة للخطر بكثير ويتم استغلاله بوحشية من قبل أعداء أوروبا والديمقراطية الليبرالية، مثل روسيا. وأشار بوراس إلى أن صورة الاتحاد الأوروبي مبهمة في المحادثات، حيث يُنظر إليه أحيانًا ككيان ضعيف ومشلول، وأحيانًا كمنارة للقواعد والتعددية وأمل كبير للجنوب العالمي. وحذر من الدور المدمر لروسيا في تغذية الانقسامات الداخلية في الاتحاد الأوروبي ودعم الأحزاب التي تسعى لإضعافه. وشدد على أن فوز روسيا في حرب أوكرانيا وتقويضها للنظام السياسي الأوروبي سيؤدي إلى اتحاد أوروبي تديره أحزاب اليمين المتطرف، وهو ما يرغب فيه بوتين وترامب.

واعتبر بوراس أن التحديات الأوروبية تتمثل في ثلاث مشكلات متوارثة: الاعتماد الشديد على واردات الطاقة الروسية، والضعف الدفاعي والعسكري، والضعف التكنولوجي. وأكد أن أوروبا نجحت في التخلص من الاعتماد على الطاقة الروسية بسرعة مذهلة، وتستثمر أكثر في الدفاع، لكن التحدي التكنولوجي يظل الأصعب. وأشار إلى أن التكنولوجيا تتلاقى مع الديمقراطية، حيث تستغل شركات التكنولوجيا الكبرى المنصات الرقمية للترويج لأفكار اليمين المتطرف، ما يقوض استقرار الحكومات.

وفيما يتعلق بحرب أوكرانيا، رفض بوراس حديث الاقتصادي والمحلل الأمريكي جيفري ساكس خلال مداخلته في إحدى جلسات "منتدى القاهرة" أمس الاثنين، بأن توسع الناتو كان سببًا في العدوان الروسي،  وأوضح أن روسيا هاجمت أوكرانيا، وهي ليست عضوًا في الناتو، بعد سنوات من توسعات الناتو، وأن بوتين يمكنه إنهاء الحرب إذا كانت مشكلة الناتو هي السبب الحقيقي. وذكر أن مقال بوتين لعام 2021 قبل الحرب لم يذكر الناتو، بل أنكر وجود أوكرانيا كدولة مستقلة، مؤكدًا: "هذا لا يتوافق مع القيم والقواعد التي نمتدحها".

فيما وصفت داليا غريباوسكايتي، رئيسة ليتوانيا السابقة، عام 2025 بـ"الوقت الخاص" الذي تواجه فيه أوروبا تحديات من الشرق عبر حرب تقليدية وأزمة طاقة، ومن شريكها عبر الأطلسي الذي أصبح لا يمكن التنبؤ به بشكل متزايد، ويتصرف أيضًا كمنافس. وأوضحت أن أوروبا تحولت لتصبح اتحادًا دفاعيًا عبر إنشاء صندوق الدفاع وتعيين مفوض للدفاع، والاستثمار في صناعتها الدفاعية. وشددت على أنها تحب الأزمات لأنها تدفع أوروبا إلى التطور والتوحد، مؤكدة أن أوروبا تتطور من أزمة إلى أزمة. واستذكرت أزمة الطاقة وكيف ساعدت دول البلطيق، مثل ليتوانيا التي بنت محطة طاقة غاز طبيعي مسال في 2014، على التخلص من الاعتماد على موارد الطاقة الروسية. وأكدت أن الاستقلال السياسي لا يتحقق بدون استقلال اقتصادي.

وفيما يتعلق بإدارة الإدارات الأمريكية، أشارت إلى أن ترامب يريد أن يكون غير متوقع، وأن هذا الغموض يؤثر على الجميع، لكن أوروبا تتعلم إدارته واستخدامه لصالحها. كما أشارت إلى أن الاعتماد على الذات في الدفاع سيجعل أوروبا تقول للولايات المتحدة "لم نعد بحاجة إليها بعد الآن" في غضون سنوات قليلة. واختتمت بالتأكيد على أن أوروبا أصبحت "قوية جدًا" لأنها تفهم الآن ولديها الشجاعة لتصبح معتمدة على الذات.

وأوضحت الرئيسة السابقة أن إدمان أوروبا على الطاقة الروسية الرخيصة استند إلى فلسفة ساذجة ترى أن التجارة مع روسيا تجعلها أقل عدوانية، وأن روسيا كانت تعتبر شريكًا عمليًا حتى وقت قريب. وأشارت إلى أن هذا الاعتماد الكبير، خاصة في ألمانيا، جعل التحول صعبًا ومكلفًا للغاية، وأن صدمة أزمة الطاقة هي التي جعلت هذا التحول ممكنًا. وذكرت أن دول البلطيق أظهرت لألمانيا كيفية بناء محطات الغاز الطبيعي المسال، وكيف قطعت ليتوانيا اعتمادها على روسيا بعد احتلال القرم. وأكدت أن الغموض في الإدارة الأمريكية، خاصة في عهد ترامب، هو "أداة استراتيجية" يمكن لأوروبا إدارتها والاستفادة منها.

بدورها أكدت آنا بالاسيو، وزير خارجية إسبانيا الأسبق، ضرورة أن تكون أوروبا أكثر واقعية ومتواضعة، وأن تعرف أن القوة قد تحولت، وأن العالم قد تغير. وحذرت من أن الواقعية يجب أن تمنع أوروبا من أن تكون متعالية أو تلقي المحاضرات. واعترفت بأن القوة التنظيمية للاتحاد الأوروبي لم تعد كما كانت، حيث كانت الصين تنسخ توجيهاتهم سابقًا. وشددت على أن أوروبا بحاجة إلى أن تكون أكثر فعالية وأسرع في اتخاذ القرارات، مشيرة إلى أن الضوابط والتوازنات لا ينبغي أن تستغرق الوقت الطويل الذي تستغرقه.

وبخصوص السياسة الخارجية، أقرّت بالاسيو بأن القيمة الأساسية لسياسة أوروبا الدولية والخارجية هي أن أوروبا تستخدم الموقف القائم على القيم كأساس لعلاقاتها الدولية، وأن هذه هي القيمة التي يجب الالتزام بها. لكنها اعترفت بأن ليس كل الأمثلة على هذه العلاقات الخارجية القائمة على المعاملات من الشركاء لطيفة. وأكدت أهمية سيادة القانون كقيمة أساسية تربط دول الاتحاد الأوروبي.

وفيما يتعلق بأزمة غزة، وصفتها بالاسيو بأنها كارثة على الاتحاد الأوروبي، حيث كشفت عن عدم وجود موقف موحد، وتخاصم داخلي بين القادة الأوروبيين، ما أدى إلى أن الاتحاد الأوروبي لم يكن يُحسب لأي شيء حقًا في هذه القضية العالمية المهمة. وشددت على أن أوروبا بحاجة إلى استيعاب هذه الدروس وأن تكون أكثر فعالية، وأكثر جاذبية، وأسرع في عالم متغير.

وأكد باولو ماجري أن الطاقة الثابتة هي تحدي أفريقيا. وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي قد نظم اتحاد الطاقة الخاص به نحو تنوع المصادر، مثل تلقي الغاز من الجزائر عبر إسبانيا بكميات تقارب ما كان يورده خط "نورد ستريم 1". ولفت إلى أن روسيا كانت تخفض أسعار الغاز بشكل كبير، وأن ألمانيا، كونها الآلة الصناعية الكبرى للاتحاد الأوروبي، تحملت أعلى أسعار الكهرباء للتحول.

وأشارت داليا غريباوسكايتي الرئيسة السابقة إلى أن البلدان التي لا تمتلك موارد طبيعية أصبحت تعتمد على نفسها أكثر بفضل التقنيات الجديدة والبدائل، وأن ليتوانيا تنتج 40% من طاقتها من موارد بديلة. وأكدت أن عقولنا هي المورد الأهم، وأن أوروبا أصبحت قوية عقليًا ولديها الشجاعة لتصبح معتمدة على الذات، وهو ما يفسر الحديث عن الاستقلال الاستراتيجي. وتوقعت أن تصبح أوروبا نقاط جذب تنافسية في العالم في السنوات القادمة.