تحل اليوم ذكرى رحيل الفنان الكبير حسن عابدين، أحد أبرز وجوه الفن المصري في النصف الثاني من القرن العشرين، والذي رحل عن عالمنا عام 1989 بعد مسيرة فنية امتدت لأكثر من ثلاثة عقود، قدّم خلالها أعمالًا خالدة في المسرح والسينما والتليفزيون، جعلته حاضرًا في وجدان الجمهور حتى اليوم.
وُلد حسن عابدين في 28 يوليو عام 1931 بمحافظة بني سويف، اسمه الحقيقي محمود عبد الوهاب عابدين، وبدأ حياته بعيدًا تمامًا عن عالم الفن، حيث تطوع في الجيش المصري وشارك في حرب فلسطين عام 1948.
بدأ الفنان الراحل رحلته الفنية من المسرح العسكري أثناء خدمته في القوات المسلحة، حيث اكتشف هناك موهبته وشغفه الكبير بالفن والتمثيل، وبعد انتهاء خدمته العسكرية، تنقّل بين فرق التمثيل التابعة لقصور الثقافة، ما أتاح له فرصة تنمية موهبته واكتساب الخبرة في الأداء المسرحي.
ومع مرور الوقت، قرر الانضمام رسميًا إلى المسرح العسكري، إلا أن شروط القبول كانت تتطلب أن يكون المتقدّم موظفًا حكوميًا، عندها لجأ إلى والده الذي ساعده في التعيين بمحكمة بني سويف، ليتمكّن لاحقًا من نقل أوراقه إلى وزارة الثقافة سعيًا لتحقيق حلمه الفني، وبذلك التحق حسن عابدين بالمسرح العسكري، حيث قدّم عددًا من العروض المسرحية الناجحة التي لفتت الأنظار إلى موهبته، ثم واصل مسيرته الفنية بالانضمام إلى فرقة المسرح الحديث عام 1961، لتبدأ مرحلة جديدة في حياته الفنية شهدت تألقه وانتشاره على الساحة المسرحية والدرامية.
تعاون الفنان حسن عابدين مع الفنان الكبير يوسف وهبي في مسرحية "بنت الهوى" عام 1969 من تأليف وإخراج يوسف وهبي، الذي ضمه إلى فرقة رمسيس بعدما لمس موهبته الحقيقية وقدرته على الأداء المتقن.
وفي عام 1975 كانت الانطلاقة الحقيقية لحسن عابدين، حيث شارك بمسرحية "نرجس" مع الفنانة "سهير البابلي"، التي كانت بمثابة شهادة ميلاده الفنية لدى الجمهور، إذ حقق من خلالها نجاحًا كبيرًا جعله أحد الوجوه المألوفة والمحببة على الساحة الفنية.
وانطلق بعد ذلك الفنان حسن عابدين في مشواره الفني، فشارك بالعديد من المسرحيات التي لاقت نجاحًا واسعًا، من أبرزها: "عش المجانين"،"واحد لقى شقة" ومسرحية "ع الرصيف" مع المخرج جلال الشرقاوي.
وفي أواخر السبعينيات، مع عرض مسرحية "عش المجانين" لمع نجم حسن عابدين وحقق شهرة واسعة إلى جانب محمد نجم، حتى أصبحت عباراتهما الشهيرة مثل: "شفيق مين" و"شفيق يا راجل" مألوفة ومتداولة بين الجمهور.
وبعد تألقه على خشبة المسرح، اتجه إلى السينما والتلفزيون، حيث قدّم سلسلة من الأدوار التي كشفت عن موهبته الكبيرة وقدرته الفريدة على تجسيد الشخصيات المتنوعة بصدق وعفوية.
و من أبرز أفلامه التي رسخت مكانته في ذاكرة السينما المصرية: "عنبر الموت"، "ريا وسكينة"، "درب الهوى"، "سترك يارب"، "مملكة الهلوسة"، "على من نطلق الرصاص"، و"العذاب فوق شفاه تبتسم".
لم يكتفِ حسن عابدين بالسينما، بل كان له حضور طاغٍ على شاشة التلفزيون، حيث أبدع في عدد من الأعمال الدرامية التي أصبحت من علامات السبعينيات والثمانينيات، ومن أبرزها: "أنا وأنت وبابا في المشمش"، "أبنائي الأعزاء شكرا"، "أبواب المدينة"،" رحلة السيد أبو العلا البشري"، "فرصة العمر"، و"فيه حاجة غلط".
وقد تميز أداؤه بالتوازن بين الجدية وخفة الظل، ما جعله قريبًا من قلوب الجمهور على اختلاف أجيالهم، كما لمع نجمه في الإذاعة، من خلال برامج شهيرة مثل: "مش معقول"، و"عجبي" وكلاهما من تأليف الكاتب الساخر يوسف عوف، حيث أبدع عابدين في الأداء الصوتي وأضفى على الشخصيات روحًا من البهجة والتلقائية.
وكان لحسن عابدين أيضًا حضور خاص في السهرات التلفزيونية، إذ جسّد شخصيات مليئة بالإنسانية والدفء، منها: "الثانوية العامة" تأليف يوسف عوف وبطولة خيرية أحمد وعمرو دياب، و"السكرتيرة الجديدة " بطولة كريمة مختار وأبو بكر عزت تأليف أحمد بهجت.
ولم يقتصر نجاحه على التمثيل فقط، بل شارك أيضًا في حملة إعلانية ضخمة لشركة مشروبات غازية لاقت نجاحًا هائلًا بفضل حضوره القريب من القلب ووجهه الذي يجمع بين الطيبة والجاذبية.
على الصعيد الشخصي، تزوج حسن عابدين من ابنة عمه وأنجب منها 4 أبناء، هم: طارق وخالد وإيمان وهبة، وقد كان حريصًا على ألا يلتحق أيٌّ بمجال الفن، مفضلًا لهم حياة أكثر استقرارًا بعيدًا عن الأضواء.
وفي أواخر الثمانينيات، أُصيب حسن عابدين بمرض سرطان الدم، لكنه واصل العمل بعزيمة نادرة وإيمانٍ عميق بأن الفن رسالة لا تنتهي إلا بانتهاء العمر.
وفي الخامس من نوفمبر عام 1989، رحل عن عالمنا تاركًا إرثًا فنيًا خالدًا، وأعمالًا لا تزال تُذكّرنا بأن الفنان الحقيقي لا يُقاس بعدد ما قدّم، بل بما تركه من أثرٍ في قلوب الناس.