في خطوة تعكس عمق العلاقات الاقتصادية بين مصر وقطر، شهدت القاهرة توقيع اتفاقية شراكة استثمارية كبرى لتنمية منطقة علم الروم بمحافظة مطروح، في مشروع يُعد من أضخم المشروعات السياحية والعمرانية في الساحل الشمالي الغربي.
تأتي هذه الاتفاقية لتؤكد مجددًا مكانة مصر كمركز إقليمي واعد للاستثمار، ولتعكس ثقة رأس المال العربي والدولي في الاقتصاد المصري، الذي واصل خلال السنوات الأخيرة تحقيق مؤشرات نمو قوية رغم التحديات العالمية.
الاتفاقية، التي وُقعت بين شركة الديار القطرية وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، بحضور الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، والمهندس شريف الشربيني وزير الإسكان، تمثل حجر زاوية في مسيرة التنمية بالساحل الشمالي، وتفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعاون بين البلدين في مجالات التنمية والسياحة والاستثمار.
علم الروم.. لؤلؤة على ساحل المتوسط
تُعد منطقة علم الروم واحدة من أجمل بقاع محافظة مطروح، لما تتميز به من طبيعة خلابة تجمع بين الرمال الذهبية والمياه الفيروزية الصافية. تقع المنطقة على بُعد 12 كيلومترًا فقط من مدينة مطروح، وعلى مسافة 6 كيلومترات من مطار مرسى مطروح الدولي، ما يجعلها موقعًا استراتيجيًا مثاليًا لإنشاء مدينة سياحية متكاملة.
ولم تكن علم الروم منطقة عادية في التاريخ الحديث، إذ لعبت دورًا مهمًا خلال الحرب العالمية الثانية كموقع لتزويد قوات المحور بالمؤن، فضلًا عن امتلاكها محطة قطار رئيسية تُعرف بمحطة سملا، ما يعزز من سهولة الوصول إليها ويدعم فرص تنميتها المستقبلية.
مشروع ضخم برؤية متكاملة
بموجب الاتفاقية، سيتم تطوير منطقة علم الروم على مساحة تتجاوز 20 مليون متر مربع، تمتد على طول 7 كيلومترات من ساحل البحر الأبيض المتوسط.
ويُقدّر إجمالي الاستثمارات في المشروع بنحو 29.7 مليار دولار، تشمل 3.5 مليار دولار قيمة الأرض التي سيتم سدادها نقدًا قبل نهاية العام الجاري، و26.2 مليار دولار كاستثمارات مباشرة لتطوير البنية الأساسية والفنادق والوحدات السكنية والخدمية.
ويهدف المشروع إلى إنشاء مدينة سياحية عالمية تضم فنادق فاخرة، ووحدات سكنية متكاملة، ومناطق تجارية وخدمية، ومساحات خضراء واسعة، لتكون مركزًا جاذبًا للسياحة الدولية والاستثمارات العقارية، ومصدرًا مستدامًا للدخل القومي.
رؤية اقتصادية تدعم الثقة في السوق المصري
وقال الدكتور هاني الشامي، عميد كلية إدارة الأعمال بجامعة المستقبل، إن مشروع تطوير وتنمية منطقة علم الروم بالساحل الشمالي الغربي يعد خطوة كبيرة نحو تعزيز مكانة مصر الاقتصادية والإقليمية، مشيدًا بحجم الاستثمارات الضخم الذي يتجاوز 29 مليار دولار، وما يحمله من فرص واعدة للاقتصاد الوطني على المدى القريب والبعيد.
مشروع استراتيجي يعزز ثقة المستثمرين
أوضح الشامي أن هذا المشروع يعكس ثقة المستثمرين العرب والأجانب في الاقتصاد المصري، ويؤكد على نجاح السياسات الاقتصادية والإصلاحات الهيكلية التي نفذتها الدولة خلال السنوات الأخيرة، مضيفًا أن الشراكة المصرية القطرية في مشروع بهذا الحجم تعطي رسالة إيجابية للأسواق الدولية بأن مصر بيئة آمنة وجاذبة للاستثمار.
وأشار إلى أن الاتفاق القائم على ضخ 3.5 مليار دولار نقدًا قبل نهاية العام الجاري يعكس جدية الجانب القطري ورغبته في الدخول بقوة إلى السوق المصري، معتبرًا أن المشروع يمثل نقلة نوعية في التنمية العمرانية والسياحية في الساحل الشمالي الغربي، ويمهد الطريق لخلق مناطق جذب جديدة بعيدًا عن المناطق التقليدية.
فرص عمل ونشاط اقتصادي متكامل
وأضاف الخبير الاقتصادي أن المشروع من المتوقع أن يوفر أكثر من 250 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، مما بين التشييد والبناء والخدمات والإدارة والتسويق، وهو ما يمثل دفعة قوية لسوق العمل المصري، خاصة في المحافظات الساحلية التي تحتاج إلى مشروعات تنموية توفر فرصًا حقيقية للشباب.
كما أكد أن تنوع مكونات المشروع بين إسكان فاخر، ومناطق خدمية وتجارية، ومساحات خضراء، سيخلق اقتصادًا مصغرًا داخل المدينة الجديدة، يساهم في تنشيط قطاعات المقاولات، والمواد الخام، والنقل، والسياحة، والتجارة الداخلية، فضلًا عن دعم الصناعات المرتبطة بالبناء والعمران.
انعكاسات إيجابية على التنمية الإقليمية
ورأى الدكتور هاني الشامي أن المشروع سيساهم في تحويل مطروح والساحل الشمالي إلى محور تنموي متكامل، وليس مجرد منطقة سياحية موسمية، مشيرًا إلى أن البنية التحتية التي ستُنشأ لخدمة المشروع ستنعكس إيجابًا على الأهالي والأنشطة المحلية، وتفتح آفاقًا جديدة للاستثمار في التعليم والخدمات والقطاع اللوجيستي.
وأضاف أن حرص القيادة السياسية على دعم المشروعات الكبرى مع الدول الشقيقة، مثل قطر، يعزز من دبلوماسية التنمية التي تتبناها مصر، والتي تجمع بين التعاون الاقتصادي والاستقرار الإقليمي، مؤكدًا أن هذه الشراكات تمثل أحد أهم روافد النمو المستدام.
رؤية اقتصادية مستقبلية
واختتم الشامي تصريحه مؤكدًا أن هذا المشروع يتماشى مع رؤية مصر "2030" التي تستهدف تنويع مصادر الدخل القومي، وتوسيع الرقعة العمرانية بنسبة تتجاوز 14% من مساحة الدولة، مشيرًا إلى أن مصر تمضي بخطى ثابتة نحو تحقيق تنمية شاملة ومستدامة، تجمع بين جذب الاستثمارات الأجنبية وتوفير فرص العمل وتحسين جودة الحياة للمواطنين.
وأكد أن النجاحات المتتالية في جذب الاستثمارات الكبرى تؤكد أن الاقتصاد المصري يمتلك مقومات قوية قادرة على الصمود أمام التحديات العالمية، وأن المشروعات القومية مثل "علم الروم" ليست مجرد إنجازات عمرانية، بل استثمارات في مستقبل مصر واقتصادها ومكانتها الإقليمية.
استثمار في المستقبل المصري
يُجسد مشروع علم الروم رؤية مصر نحو مستقبل اقتصادي متنوع ومستدام، يتماشى مع رؤية مصر 2030 التي تستهدف توسيع الرقعة العمرانية وزيادة نصيب الفرد من الخدمات والسكن والعمل.
إنه مشروع لا يقتصر على إقامة مبانٍ فاخرة أو منتجعات سياحية، بل هو استثمار في الإنسان والمكان، وفي بناء مجتمع حديث قادر على المنافسة إقليميًا ودوليًا.
ومع هذه الخطوة الطموحة، تواصل مصر ترسيخ مكانتها كأحد أبرز الوجهات الاستثمارية في المنطقة، لتؤكد أن المشروعات القومية الكبرى مثل "علم الروم" ليست مجرد إنجازات عمرانية، بل قصص نجاح واقعية تُكتب في سجل التنمية المصرية الحديثة.