في اكتشاف وصف بأنه "الأكثر إثارة في علم الفلك الحديث"، توصل فريق من علماء الكونيات في جامعة يونسي الكورية الجنوبية إلى مؤشرات قد تغير الفهم الراسخ منذ عقود لتوسع الكون، إذ تشير نتائجهم إلى أن معدل التمدد الكوني ربما لم يعد في تسارع مستمر، بل بدأ بالتباطؤ.
ونُشرت الدراسة المثيرة للجدل في مجلة Monthly Notices of the Royal Astronomical Society البريطانية، حيث وصفها خبراء بأنها قد تمهّد لـ"تحول جذري في علم الكونيات الحديث".
أهم اكتشاف في القرن الماضي
قاد البحث البروفيسور يونغ-ووك لي من جامعة يونسي، الذي قال في بيان رسمي: "تشير بياناتنا إلى أن الكون قد دخل بالفعل مرحلة تباطؤ في التوسع، وأن الطاقة المظلمة ربما تتغير بمرور الزمن بسرعة تفوق ما كنا نظن".

ويعد هذا الطرح انقلابا على النموذج الكوني المعتمد منذ اكتشاف الطاقة المظلمة أواخر التسعينيات، وهو الاكتشاف الذي نال عنه ثلاثة علماء جائزة نوبل في الفيزياء عام 2011 بعد أن أثبتت القياسات أن الكون يتمدد بوتيرة متزايدة تحت تأثير قوة غامضة تشكل نحو 68% من محتواه.
انحراف زمني يغير الصورة
اعتمدت الدراسات السابقة على قياس انفجارات السوبرنوفا من النوع الأول (Type Ia) باعتبارها شموعاً معيارية تحدد المسافات بين المجرات غير أن الفريق الكوري اكتشف وجود تحيز زمني لم يؤخذ في الحسبان سابقا إذ تبين أن شدة لمعان السوبرنوفا تختلف بحسب عمر النجوم المولدة لها فالنجوم الأصغر سنا تُنتج انفجارات أخف سطوعا، بينما القديمة تُنتج أشدها لمعانا.
وبعد تصحيح هذا الانحراف في البيانات، لم تعد النتائج تتفق مع نموذج التسارع الكوني الحالي، بل أظهرت مؤشرات واضحة على بداية مرحلة تباطؤ.
وقال البروفيسور لي: "عند احتساب عامل العمر في بيانات السوبرنوفا، يصبح النموذج الأقرب هو ذاك الذي تتنبأ به ملاحظات الموجات الصوتية الباريونية وإشعاع الخلفية الكونية الميكروي، لا نموذج الطاقة المظلمة الثابتة".
تطابق مدهش مع بيانات ديزي
اللافت أن نتائج الدراسة الكورية تتفق بشكل مدهش مع ما توصل إليه مشروع DESI الأميركي (Dark Energy Spectroscopic Instrument)، الذي يرصد تطور الكون عبر ملايين المجرات، لكن بينما توقعت تحليلات DESI أن يبدأ التباطؤ في المستقبل البعيد، يرى فريق جامعة يونسي أن هذه المرحلة بدأت بالفعل في الزمن الحاضر.
ويشير الباحثون إلى أن هذا التوافق مع بيانات BAO وCMB (إشعاع الخلفية الكونية) ربما يعيد الاعتبار لملاحظات لم تحظَ بالاهتمام الكافي في العقود الماضية.
اختبارات قادمة وثورة محتملة
من المنتظر أن تخضع فرضية "تباطؤ التمدد الكوني" لسلسلة اختبارات أكثر دقة خلال السنوات المقبلة، خصوصا مع انطلاق مرصد فيرا روبين في تشيلي، الذي سيقوم برصد واسع النطاق للسماء الجنوبية.
وأوضح البروفيسور تشول تشونج، أحد المشاركين في الدراسة، أن المرصد سيكشف عن أكثر من 20 ألف مجرة جديدة تحتوي على انفجارات نجمية من النوع الأول، ما سيتيح اختبار النتائج الكورية بدقة غير مسبوقة، وأضاف: "خلال خمس سنوات فقط، قد نعرف ما إذا كنا أمام تعديل طفيف في النماذج... أم أمام ثورة حقيقية في فهمنا لطبيعة الكون".
الطاقة المظلمة تحت المجهر من جديد
منذ اكتشافها في تسعينيات القرن الماضي، بقيت الطاقة المظلمة واحدة من أكثر الألغاز غموضاً في الفيزياء الفلكية فهي غير مرئية ولا يمكن قياسها مباشرة، لكن آثارها تستدل من تسارع تمدد الكون.
أما اليوم، فالدراسة الكورية تطرح احتمالا مغايرا أن الطاقة المظلمة ليست ثابتة، بل تتلاشى تدريجياً بمرور الزمن، وقال العالم الأميركي آدم ريس، الحائز نوبل عام 2011 (ولم يشارك في الدراسة): "إذا صح أن الكون بدأ بالفعل مرحلة التباطؤ، فسنكون أمام تحد غير مسبوق في علم الكونيات الحديث".


