قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

حكم صلاة الجنازة إذا صلى الإمام وهو على جنابة.. الإفتاء تجيب

صلاة الجنازة
صلاة الجنازة

تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا مضمونه: ما حكم صلاة الجنازة إذا صلى الإمام وهو على جنابة؟ حيث يوجد رجلٌ استيقظ من النوم على جنابة، فأُخبر بوفاة قريب له، فأسرع إليه، وعند صلاة الجنازة قدموه، فصلى بهم إمامًا ناسيًا أنه جُنُب، ولم يتذكر الجنابة إلا بعد العودة من الدفن؛ فما حكم صلاته؟ وما حكم صلاة المأمومين خلفه؟

وأجابت الإفتاء عن السؤال قائلة: إذا قُدِّمَ الإمام للصلاة على الجنازة حال كونه ناسيًا لجنابته، فصلى بالناس، ولم يتذكر الجنابة إلا بعد الفراغ من الصلاة والعودة من الدفن؛ فقد بطلت صلاتُه وَحْدَهُ، أما صلاة المأمومين خلفه؛ فصحيحةٌ شرعًا، ولا إعادة عليهم؛ سواءٌ كان الإمام عالمًا بجنابته، أو ناسيًا لها، ولا حرج عليهم -وهذا مذهب جمهور الفقهاء-؛ فقد ورد "أَنَّ أمير المؤمنين عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ جُنُبٌ، فَأَعَادَ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ أَنْ يُعِيدُوا" أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"، ولكونه الأقرب لروح الشريعة، وما يتوافق مع مقاصدها العامة، والتي منها قوله تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام: 164].

آراء الفقهاء في حكم صلاة الجنازة إذا صلى الإمام وهو على جنابة

قد اختلف الفقهاء في حكم صلاة الجنازة إذا صلى بهم الإمام ناسيًا أنه على غير طهارة؛ بأن كان محدثًا، أو على جنابة؛ هل تبطل صلاة المأمومين خلفه، أو لا؟

وسبب اختلافهم مبنيٌّ على كون صحة انعقاد صلاة المأموم؛ هل هي مرتطبةٌ بصحة صلاة الإمام، أو ليست مرتبطة؟ فمَن رآها مرتبطةً قال: صلاتهم فاسدة، ومَن لم يرها مرتبطةً قال: صلاتهم جائزة، وفرَّق بعضهم بين السهو والعمد بناءً على أصلهم في اشتراط اتحاد قصد الإمام مع المأموم؛ كما في "بداية المجتهد" للإمام ابن رشد الحفيد (1/ 166).

فذهب جمهور الفقهاء؛ من المالكية، والشافعية، والحنابلة: إلى صحة صلاة المأموم مطلقًا، ولا إعادة عليه، سواءٌ كان الإمام عالمًا بجنابته، أو ناسيًا لها؛ حيث لا تتوقف صحة انعقاد صلاة المأموم على صحة صلاة إمامه، ولأنه لا يجزئ عن المأموم فعل الإمام، فكذا لا تفسد صلاته بفساد صلاة إمامه؛ بدليل أن الإمام يُحْدِثُ في الصلاة فينصرف، ويبني المأموم ولا ينصرف، ولم تبطل صلاته ولا طهارته بانتقاض طهارة إمامه مع أنه مُتَّبِعٌ له. وقد روي ذلك عن عمر، وعثمان، وعلي، وابن عمر رضي الله عنهم، وبه قال الحسن البصري، وسعيد بن جبير، والأوزاعي، وسليمان بن حرب، وأبو ثور.

فعن الشَّرِيدِ الثَّقَفِيِّ رضي الله عنه: "أَنَّ أمير المؤمنين عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ جُنُبٌ، فَأَعَادَ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ أَنْ يُعِيدُوا" أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"، والدارقطني في "السنن"، وابن أبي شيبة في "المصنف".

وعن محمد بن عمرو بن الحارث: أَنَّ أمير المؤمنين ذا النورَين عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ جُنُبٌ، فَلَمَّا أَصْبَحَ نَظَرَ فِي ثَوْبِهِ احْتِلَامًا، فَقَالَ: "كَبِرْتُ وَاللهِ؛ إِنِّي لَأَرَانِي جُنُبًا ثُمَّ لَا أَعْلَمُ!" ثُمَّ أَعَادَ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ أَنْ يُعِيدُوا. قال عبد الرحمن بن مهدي: سألت سفيان، فقال: سَمِعْتُهُ من خالد بن سلمة، ولا أجيء به كما أريد، وقال: وهذا المجمع عليه؛ الجنب يعيد، ولا يعيدون؛ ما أعلم فيه اختلافًا. أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"، والدارقطني في "السنن".

قال الإمام أبو الوليد ابن رشد الجد المالكي في "البيان والتحصيل" (2/ 263، ط. دار الغرب الإسلامي): [مسألة: وسئل عن إمام جنازة صلى عليها وهو جُنُبٌ لم يشعر بجنابته حتى دفنت، وكيف إن علموا قبل أن تدفن بجنابته بعد دخولها اللحد؛ أَتُرَدُّ للصلاة عليها؟ قال ابن القاسم: أرى صلاتهم جائزةً ولا تُعاد، ألَا ترى أنَّ المكتوبة لو أنَّ رجلًا صلَّى بهم جُنُبًا ناسيًا، ثم سَلَّم فَعَلِمَ: أجزأت عنهم صلاتهم؛ فكذلك الجنازة إذا صُلِّي عليها: أجزأت عنهم صلاتهم عليها] اهـ.

وقال الإمام الماوردي الشافعي في "الحاوي الكبير" (2/ 238، ط. دار الكتب العلمية): [قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا صلى الجنب بقومٍ أعاد ولم يعيدوا، واحتج في ذلك بعمر بن الخطاب والعباس رضي الله عنهما. قال المزني: "يقول: كما لا يجزئ عني فعل إمامي فكذلك لا يفسد عليَّ فساد إمامي ولو كان معناي في إفساده، معناه: لما جاز أن يحدث فينصرف، وأبني ولا أنصرف وقد بطلت إمامته واتباعي له، ولم تبطل صلاتي ولا طهارتي بانتقاض طهره"] اهـ.

وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 73-74، ط. مكتبة القاهرة): [مسألة: قال: (وإذا نسي فصلى بهم جنبًا، أعاد وحده)؛ وجملته: أن الإمام إذا صلى بالجماعة محدثًا أو جنبًا غير عالم بحدثه، فلم يعلم هو ولا المأمومون حتى فرغوا من الصلاة؛ فصلاتهم صحيحة، وصلاة الإمام باطلة. روي ذلك عن عمر، وعثمان، وعلي، وابن عمر رضي الله عنهم، وبه قال الحسن، وسعيد بن جبير، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، وسليمان بن حرب، وأبو ثور وعن عليٍّ: أنه يعيد ويعيدون، وبه قال ابن سيرين والشعبي وأبو حنيفة، وأصحابه؛ لأنه صلى بهم محدثًا، أشبه ما لو علم؛ ولنا إجماع الصحابة رضي الله عنهم، روي أن عمر رضي الله عنه صلى بالناس الصبح، ثم خرج إلى الجرف، فأهرق الماء، فوجد في ثوبه احتلامًا، فأعاد ولم يعيدوا، وعن محمد بن عمرو بن المصطلق الخزاعي أن عثمان صلى بالناس صلاة الفجر، فلما أصبح وارتفع النهار فإذا هو بأثر الجنابة. فقال: كَبِرْتُ والله، كَبِرْتُ والله، فأعاد الصلاة، ولم يأمرهم أن يعيدوا] اهـ.

رأي المذهب الحنفي في حكم صلاة الجنازة إذا صلى الإمام وهو على جنابة

ذهب الحنفية: إلى أنه إذا صلى الإمام بالناس وهو على جنابةٍ، أو على غير طهارة، فقد فسدت صلاته وصلاة المأمومين خلفه، ولا فرق بين كونه عالمًا بجنابته أو ناسيًا لها، ويجب عليهم جميعًا إعادتها؛ لارتباط صلاة الإمام بصلاة المأموم صحةً وفسادًا؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْإِمَامُ ضَامِنٌ، وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ، اللهُمَّ أَرْشِدِ الْأَئِمَّةَ، وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ» أخرجه الإمام أحمد في "المسند"، وأبو داود والترمذي في "السنن"، وابن خزيمة في "صحيحه"، والطبراني في "الأوسط".

والمراد بالضمان: هو وجود معنى التضمن، وليس المراد حقيقة الضمان، والمعنى: أنَّ صلاة الإمام متضمنةٌ لصلاة المأموم، وليس العكس، وأقل ما يقتضيه التضمن: التساوي بين صلاتهما، وإذا كان كذلك فبطلان صلاة الإمام يقتضي بطلان صلاة المقتدي؛ حيث لا يصح أن تتضمن الصلاةُ الفاسدةُ الصلاةَ الصحيحةَ؛ إذ لا يتضمن المعدوم الموجود.

ولما روي عن سعيد بن المسيب مرسلًا: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ جُنُبٌ، فَأَعَادَ وَأَعَادُوَا" أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنَّفه"، والدارقطني والبيهقي في "السنن".

قال علاء الدين الكاساني في "بدائع الصنائع" (1/ 140، ط. دار الكتب العلمية): [(وأما) الاقتداء بالمحدث أو الجنب: فإن كان عالمًا بذلك لا يصح بالإجماع، وإن لم يعلم به ثم علم فكذلك عندنا.. (ولنا) ما روي أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم صَلَّى بأصحابه ثم تذكر جنابةً فأعاد وأمر أصحابه بالإعادة. وقال: «أَيُّمَا رَجُلٍ صَلَّى بِقَوْمٍ ثُمَّ تَذَكَّرَ جَنَابَةً؛ أَعَادَ وَأَعَادُوا»، وقد روي نحو هذا عن عمر، وعليٍّ رضي الله عنهما] اهـ.

وقال كمال الدين ابن الهمام في "فتح القدير" (1/ 374، ط. دار الفكر) في تعليل فساد صلاة المأموم بفساد صلاة الإمام: [مما يستدل به على المطلوب: ما أخرجه الإمام أحمد بسندٍ صحيحٍ عنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْإِمَامُ ضَامِنٌ»، وهو ما أشار إليه المصنف بقوله: ونحن نعتبر معنى التضمن، فإنه المراد بالضمان؛ للاتفاق على نفي إرادة حقيقة الضمان، وأقل ما يقتضيه التضمن: التساوي، فيتضمن كل فعل مما على الإمام مثله، وغايته أن يفضل كالمتنفل خلف المفترض، وإذا كان كذلك فبطلان صلاة الإمام يقتضي بطلان صلاة المقتدي؛ إذ لا يتضمن المعدوم الموجود، وهذا معنى قوله: وذلك في الجواز والفساد] اهـ.

وقال زين الدين ابن نجيم في "البحر الرائق" (2/ 193، ط. دار الكتاب الإسلامي) في الكلام على شروط صحة صلاة الجنازة: [ولو صلى الإمام بلا طهارة: أعادوا؛ لأنه لا صحة لها بدون الطهارة فإذا لم تصح صلاة الإمام لم تصح صلاة القوم] اهـ.

المختار للفتوى

الذي عليه الفتوى: هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من صحة صلاة المأموم مطلقًا، ولا إعادة عليه، سواءٌ كان الإمام عالمًا بجنابته، أو ناسيًا لها؛ لما يؤيده من آثارٍ ثابتةٍ عن الصحابة والتابعين، ولكونه الأقرب لروح الشريعة، وما يتوافق مع مقاصدها العامة، والتي منها قوله تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام: 164].