في واحدة من أكثر القضايا ألمًا وإثارة للحزن في الشارع المصري، تقف والدة مهندس الإسكندرية الشاب الذي قُتل غدرًا لتروي بصوت مرتجف ودموع لا تجف، تفاصيل علاقتها بابنها وفلذة كبدها وملامح شخصيته، وما حدث في الأيام الأخيرة قبل رحيله، وصولًا إلى اللحظة التي انهارت فيها الآمال وتلقت فيها خبر مقتله.
فهي أمٌ فقدت سندها وقطعة من قلبها، لكنها رغم ذلك تحاول أن تتمسك بالإيمان والرضا، مطالبةً بالقصاص لابنها الذي لم يُعرف عنه إلا الطيبة والهدوء وحسن الخُلق.
«كان كل شيء جميلًا فيه».. ذكريات أمٍ مع ابنها الهادئ
وبدأت والدة المجني عليه حديثها - في تصريحات خاصة لموقع صدى البلد - بكلمات تختصر فيها علاقة أم بابنها الأقرب إلى قلبها، قائلة:
«كان فيه كل شيء جميل بصراحة، لا أعرف ماذا أقول عنه، فقد كان يحبني ويحسن إليّ، وكان مؤدبًا معي ومع إخوته جميعًا، لم أري منه شيئًا سيئًا طوال حياته. كان هادئًا بطبيعته، بل كان أهدأ أبنائي جميعًا».
وأضافت: كان الهدوء جزءًا أصيلًا من شخصيته، وهي الصفة التي جعلته محبوبًا من الجميع، كما تؤكد والدته التي تصف علاقتها به بأنها علاقة روح بروح.
اتصال مثير للريبة من المتهم
وتعود الأم بذاكرتها إلى يوم مؤلم سابق للجريمة، حين تلقت اتصالًا من المتهم، وتروي قائلة: «اتصل بي يسأل عن عبد الله ويقول إنه يريد أن يبارك له على أولاده. قلت له: الله يبارك فيك. ثم أخبرته بأنها لا تعرف مكان عبد الله، وأنني حاولت الاتصال به منذ ساعة أو ساعتين لكنه لم يرد. لم أشعر بالارتياح من هذا الاتصال». وكان ذلك الاتصال مجرد بداية للقلق، خاصة مع ما عرفته لاحقًا عن نوايا الجاني.
انطباع الأم عنه.. «شخصية ثقيلة غير محبوبة»
وتحدثت الأم عن علاقتها غير المريحة بالمتهم، قائلة:
«كان يأتي إلى منزلنا أحيانًا. وكنت أسمع عنه كلامًا غير مطمئن. كان ذا طابع ثقيل في حديثه وتصرفاته. بصراحة لم أحبه، ولم يكن أحد يحبه تقريبًا. وكان ذلك منذ أيام الجامعة».
وتضيف أن ابنها نفسه كان يحذر إخوته منه، مؤكدًا أنه شخص يفتعل المشكلات، وأن التعامل معه قد يجلب المتاعب.
علاقة مضطربة ومحاولات اقتحام حياة المجني عليه
وتروي الأم تفاصيل إزعاج المتهم لابنها، فتقول:
«كان المتهم شخصًا غريباً بطبعه، وكان عبد الله يحذرنا منه. كان يأتي إليه في أوقات غير مناسبة، حتى أنه جاء مرة في الثالثة فجراً يريد الجلوس معه، وهذا أمر غير طبيعي. آخر مرة اضطر عبدالله إلى تحرير محضر ضده بسبب مضايقاته». وهذا هو السر الغامض الذي اشعل الحقد في نفس القاتل ورغم محاولات ابنها الابتعاد عنه، ظل المتهم يعود إليه مرارًا حتى نفد صبر المجني عليه.
آخر لقاء بين الأم وولدها.. تفاصيل لا تنساها
وتصف الأم، آخر يوم جمعها بابنها، وهو اللقاء الذي لم تكن تعلم أنه الأخير: «جاءني عبدالله يوم الأربعاء. سألني إن كان لدي طعام، فقلت له إن عامله ملوخية وأرزًا وفراخ. ثم تناول الطعام عندي، وقال إنه هيبات في المنزل تلك الليلة. ثم غير رأيه وقال إنه سيخرج ليجلب خبزًا إلى منزله. قلت له: خلي زوجتك تحضره. فقال لي: لا،مش هينفع».
وتتابع بصوت تغالبه الدموع:
«قبل أن يخرج، قبل يدي وقال: سأذهب بكِ إلى العمرة إن شاء الله. كانت هذه هي كلماته الأخيرة».
شعبية كبيرة وحب من الجميع
وتتذكر الأم حب الناس لابنها قائلة: «كان لديه شعبية كبيرة بين أصدقائه. كان هناك شاب اسمه أدهم جاء يبحث عنه يوم الخميس لأنه كان يحبه كثيرًا. سبحان الله، كان عبدالله محبوبًا بين الجميع بطريقة تختلف عن إخوته رغم أنهم أيضًا محبوبون».
مساندته لإخوته وتضحيته من أجلهم
وتروي الأم نموذجًا آخر من طيبة ابنها: «أخوه كان يريد السفر ويحتاج المال. عبد الله أخذ سلفة من عمله قدرها 30 ألف جنيه ليساعده. لقد كان طيبًا للغاية».
وتصف ابنها محمد بأنه طيب، بينما كان عبد الله أكثر طيبة وحساسية وشفافية.
أحفاده نسخة منه
وتقول الأم بحب: «أنني أرى عبد الله في أولاده تميم وسليم وهم جزء مني، ومن دمي، وأشعر أنه يعيش فيهم “واعز من الولد ولد الولد”».
صدمة خبر الوفاة.. «لم أصدق.. ولم أستطع رؤيته»
وحين انتقل الحديث إلى لحظة تلقيها خبر مقتل ابنها، تغير صوتها تمامًا: «وصلني الخبر بطريقة لم أستطع استيعابها. كنت في حالة ذهول. قالوا إنه قُتل بالرصاص. لم أستطع الذهاب إلى المشرحة، ولا النظر إلى وجهه.. لم أتمالك نفسي».
وتضيف أنه قبل رحيله كان قد شارك في قرعة الهجرة لأمريكا، وكان يحدثها عن أحلامه، لكنها الآن أحلام معلّقة.
خلافات الجاني.. غيرة وحقد وتشويه للسمعة
وعند سؤالها عن سبب الخلاف الرئيسي، قالت الأم:
«ما فعله الجاني من تشهير بزوجة عبد الله كان سببًا كبيرًا للخلاف. لكنه ليس السبب الوحيد. كان شخصًا غير سوي، مليئًا بالحقد بطريقة غير طبيعية».
وتضيف أن الجاني حاول استغلال صديق آخر للعائلة، وأدعى أنه يريد مساعدته بالسفر للسعودية، لكن ابنها رفض، مؤكدًا أنه "ليس من أهل المشاكل".
صفة الحسد واعتقاد الأم بما أصاب ابنها
وتقول الأم: «عبد الله كان محبوبًا، وقد حُسد. كان الناس يقولون عنه: طفل جميل، شاب جميل. كنت أتصدق دائمًا وأدعو الله أن يحفظه ويحفظ أولادي».
وتروي أن إخوته عندما رأوه في المشرحة وجدوا وجهه مبتسمًا دون أي علامات تشوه وجهه
دعاء أمٍ تحترق لكنها مؤمنة
ورغم الألم، تختم الأم حديثها بقلب مليء بالإيمان: «أطالب بحق ابني والقصاص ممن قتله بهذه الطريقة البشعة. عبد الله لا يستحق هذا المصير. كان طيبًا، هادئًا، محبوبًا. وأعلم أن الله عادل، وسينصفه في الدنيا والآخرة».
وبهذه الكلمات المملوءة بالمشاعر، تختتم والدة المجني عليه روايتها لأدق تفاصيل حياة ابنها وآخر لحظاته. هي شهادة أم فقدت فلذة كبدها، لكنها لا تزال تقف بثبات تطالب بحقه.