تحل اليوم ذكرى رحيل أحد أعمدة الكوميديا المصرية وأبرز فناني جيله، الفنان عبد المنعم إبراهيم، الذي ترك إرثا فنيا خالدا في تاريخ السينما والمسرح المصري.. لم يكن مجرد ممثل كوميدي يرسم الابتسامة على وجوه المشاهدين، بل كان صاحب مدرسة فنية خاصة امتزج فيها الضحك بالوجدان الإنساني، والبساطة بالعمق.
ولد عبدالمنعم إبراهيم محمد حسن الدعبشي في 24 ديسمبر 1924 بمدينة بني سويف، وتعود أصوله إلى قرية ميت بدر حلاوة بمحافظة الغربية.. حصل على دبلومة المدارس الثانوية الصناعية ببولاق، ثم التحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، حيث كان زميله في اختبارات القبول الفنان عبد المنعم مدبولي وقد اجتاز الاثنان الاختبارات أمام لجنة من كبار رموز المسرح المصري، ضمت جورج أبيض ونجيب الريحاني ويوسف وهبي وزكي طليمات.
تخرج عبد المنعم إبراهيم عام 1949، وبدأ مسيرته الفنية من خلال المسرح، إذ انضم إلى فرقة المسرح الحديث بقيادة زكي طليمات، وشارك في أولى مسرحياته "مسمار جحا" من تأليف أحمد باكثير، تلتها مسرحية "ست البنات" لأمين يوسف غراب.. وعلى الرغم من رغبته في أداء الأدوار التراجيدية، إلا أن خفة دمه وروحه المرحة جعلت الكوميديا مجال تألقه الأبرز.
بعد ذلك، قدم استقالته من العمل الحكومي ليتفرغ تماما للفن، وترك فرقة المسرح الحديث عام 1955 لينضم إلى فرقة إسماعيل ياسين، حيث قدم مسرحية "معركة بورسعيد"، ثم توالت أعماله في الفرقة من خلال مسرحيات مثل: "الخطاب المفقود"،"جمهورية فرحات" و"جمعية قتل الزوجات" وغيرها.
إلا أنه لم يستمر في الفرقة أكثر من عام واحد، إذ عاد ليستقر في المسرح القومي الذي أمضى فيه بقية سنوات حياته، وكان يعتبره بيته الثاني.
وخلال فترة العدوان الثلاثي عام 1956، قدم على خشبة المسرح القومي مسرحية قصيرة ومؤثرة بعنوان"معركة بورسعيد"، ثم واصل تألقه على خشبة القومي من خلال أدوار بارزة في عدد من الأعمال المهمة مثل:"حلاق بغداد" لألفريد فرج، "السلطان الحائر" لتوفيق الحكيم و "ومعروف الإسكافى".
بعيدا عن خشبة المسرح، لمع نجم عبدالمنعم إبراهيم في السينما من خلال أعمال مميزة، وكان دائما يميل إلى أدوار الكوميديا، حتى أطلق عليه البعض لقب "شارلي شابلن العرب".. لم يقتصر دوره على البطولة فقط، بل كان يرضى أيضا بأن يكون صديق البطل، كما ظهر إلى جانب رشدي أباظة في فيلم "الزوجة 13"، وأيضا في فيلم "عدو المرأة".
في عام 1959، كانت أول بطولة لعبد المنعم إبراهيم من خلال فيلم "سر طاقية الإخفاء" للمخرج نيازي مصطفى، حيث جسد شخصية الصحفي الفاشل عصفور قمرالدين، الذي يتحول إلى ناجح بفضل طاقية سحرية.
بدأ عبد المنعم إبراهيم أدواره النسائية عام 1959 في فيلم "لوكاندة المفاجآت" بدور نرجس ريحان، ثم أدى شخصية سكر هانم في فيلم "سكر هانم".. أما آخر أدواره النسائية فكان في فيلم " أضواء المدينة" للمخرج فطين عبدالوهاب عام 1972، حيث جسد دور الجدة التركية.
سبق عبد المنعم إبراهيم بفيلم "إشاعة حب" عام 1960 فكرة تطبيق الدابسماش، حين أدى صوت هند رستم بشخصية محروس في مشهد أصبح أيقونيا: "كده برضه يا سونة يا خاين، أحبك، أعشقك، أموت في هواك".
تميز عبد المنعم إبراهيم بإجادته اللغة العربية الفصحى، ما أهله لتجسيد شخصيات مثل الشيخ الأزهري ومعلمي اللغة.. من أبرز هذه الأدوار شخصية "الشيخ عبد البر" في فيلم "إسماعيل يس في الأسطول"، كما شارك في مسلسلات مثل "السفيرة عزيزة" و"غصن الزيتون".
بجانب التمثيل، تألق عبد المنعم إبراهيم في العديد من المسلسلات التليفزيونية من بينها : (زينب والعرش، أولاد آدم، الشهد والدموع) وقد جمع بين اللونين الكوميدي والتراجيدي في أعماله.
ينتمي عبد المنعم إبراهيم إلى الجيل الذهبي من الفنانين الذين قدمهم البرنامج الإذاعي الشهير "ساعة لقلبك" إلى جانب فؤاد المهندس وعبد المنعم مدبولي والمعلم شكل.
حصل الفنان القدير عبد المنعم إبراهيم على العديد من الجوائز وشهادات التقدير، وأبرز هذه الجوائز: وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1983، وجائزة درع المسرح القومي عام 1986.
تزوج عبد المنعم إبراهيم 4 مرات في حياته، رحلت الأولى بعد 11 عاما، وتزوج شقيقتها لكن وقع الانفصال بينهما بعد فترة قصيرة، ومرة ثالثة من سيدة لبنانية، حتى ارتبط بالفنانة كوثر العسال لمدة 20 عاما.
رغم خفة ظله وحسه الكوميدي، لم تكن حياة عبد المنعم إبراهيم سهلة.. فقد فجع بوفاة زوجته فجأة، تاركة له أربعة أطفال، أصغرهم لم يتجاوز عامه الثاني.. وبعد عامين، تلقى صدمة جديدة بوفاة شقيقه عن عمر 35 عاما، تاركا وراءه 6 أبناء وأمهم، فوجد نفسه مسؤولا عن 11 فردا.. ولم تمض فترة طويلة حتى فقد والده، بعد وفاة زوجته الأولى بفترة وجيزة، مما اضطره للعودة إلى المسرح رغم حزنه العميق، مواصلا إضفاء البهجة على الآخرين بينما كان يحمل عبء الحياة على عاتقه.
رحل عبد المنعم ابراهيم عن عالمنا في 17 نوفمبر 1987، عن عمر ناهز 63، وقد أوصى بأن تخرج جنازته من المسرح القومي لأنه كان يعشق المسرح ويعتبره بيته، وأن يدفن في قريته، ميت بدر حلاوة.
ومع مرور 38 عاما على رحيله، لا يزال إرثه الفني حيا في قلوب محبيه.. وخلف هذه البسمة الساحرة، كانت هناك حياة مليئة بالتحديات والمواقف المأساوية، عاشها بروح قوية وعزيمة لا تلين.