تشهد الساحة الدولية واحدة من أخطر لحظات التوتر منذ سنوات، في ظل التصاعد المستمر بين روسيا وفرنسا، وما يرافقه من قلق عالمي بشأن مستقبل الأمن والاستقرار في أوروبا والعالم.
فمع كل تصريح حاد أو مناورة عسكرية أو اتهام متبادل، تتسع دائرة المخاوف من انزلاق غير محسوب نحو صدام مباشر بين قوتين.
وقد أعادت التحركات العسكرية القريبة من الحدود، والتصريحات السياسية المتشددة، طرح تساؤلات عميقة حول قدرة الأطراف على إدارة التوتر دون الوصول إلى مرحلة اللاعودة.
فالقضية لم تعد تقتصر على خلافات سياسية أو مواقف دبلوماسية متقابلة، بل باتت تمس جوهر الأمن الأوروبي، وسط خشية حقيقية من سلسلة أزمات قد تتفجر دفعة واحدة إذا استمرت وتيرة التصعيد الحالية.
وبين التوتر الميداني، والتصعيد اللفظي، والشكوك المتبادلة، يقف العالم أمام منعطف حرج، تتقاطع فيه المخاوف من "اشتعال صراع مفتوح.
استاذ قانون دولي: التوتر بين روسيا وفرنسا ينذر بصراع خطير… والحل العسكري ممنوع والقانون الدولي يلزم بالمسارات السلمية
حذر الدكتور محمد محمود مهران أستاذ القانون الدولي العام وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي من خطورة التصعيد المتزايد بين روسيا وفرنسا مؤكدا أن احتمال اندلاع صراع عسكري مباشر بينهما وإن كان ضئيلا إلا أنه ليس مستحيلا في ظل التوترات المتصاعدة داعيا لضرورة السيطرة الفورية على الموقف والعودة للحوار والالتزام بالقانون الدولي الذي يلزم الدول بحل نزاعاتها بالطرق السلمية.
وأوضح مهران في تصريحات خاصة لـ"صدى البلد" أن التوتر الروسي الفرنسي تصاعد بشكل خطير في الأشهر الأخيرة، مؤكدا أن التصريحات المتبادلة الحادة والمناورات العسكرية القريبة من الحدود والاتهامات المتبادلة بالتدخل في الشؤون الداخلية كلها مؤشرات تنذر بتدهور العلاقات بشكل قد يخرج عن السيطرة.
ولفت إلى أن الخلاف الأساسي يدور حول أوكرانيا والتوسع الناتوي، موضحاً أن فرنسا كعضو رئيسي في حلف الناتو تدعم أوكرانيا عسكريا وماليا بقوة بينما تعتبر روسيا ذلك تهديدا مباشرا لأمنها القومي وأن هذا التناقض الجذري في المصالح يخلق بيئة خطرة للتصعيد.
وأكد مهران أن فرنسا أرسلت إشارات حول احتمال إرسال قوات إلى أوكرانيا، مؤكدا أن الرئيس الفرنسي ماكرون ألمح أكثر من مرة لعدم استبعاد إرسال قوات فرنسية لأوكرانيا إذا تطلب الأمر وأن هذا التصريح أثار غضبا روسيا شديدا واعتُبر تصعيدا خطيرا.
وأشار إلى أن روسيا ردت بتحذيرات صريحة من عواقب وخيمة، موضحا أن المسؤولين الروس حذروا من أن أي قوات فرنسية على الأراضي الأوكرانية ستكون هدفا مشروعا للقوات الروسية وأن هذا قد يعني مواجهة عسكرية مباشرة بين البلدين.
كما اكد مهران أن احتمال اندلاع حرب مباشرة بين روسيا وفرنسا يبقى ضئيلا لكنه ليس معدوما، موضحا أن كلا البلدين يدرك أن حربا مباشرة بينهما قد تتحول لحرب عالمية ثالثة خاصة أن كليهما قوة نووية لكن التصعيدات المتتالية والحسابات الخاطئة قد تؤدي لانزلاق غير مقصود نحو الصراع.
وحذر مجددا من سيناريوهات خطيرة قد تؤدي للتصعيد مؤكداً أن إرسال قوات فرنسية فعليا لأوكرانيا واستهداف روسيا لها أو حادثة حدودية بين قوات البلدين في منطقة متنازع عليها أو هجوم إلكتروني يُنسب لأحد الطرفين قد تشعل فتيل المواجهة.
وفي ذات السياق شدد الدكتور مهران علي أن ميثاق الأمم المتحدة واضح في إلزام الدول بحل نزاعاتها سلميا مبينا أن المادة الثانية من الميثاق تلزم جميع الدول الأعضاء بفض منازعاتها الدولية بالوسائل السلمية وبطريقة لا تعرض السلم والأمن والعدل الدولي للخطر.
كما أشار إلى أن المادة 33 من الميثاق تحدد الوسائل السلمية لحل النزاعات مؤكدا أن هذه الوسائل تشمل المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية واللجوء إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية وأن الدول ملزمة باستنفاد هذه الوسائل قبل التفكير في أي خيار عسكري.
وشدد علي أن استخدام القوة محظور بموجب القانون الدولي موضحاً أن المادة الرابعة من الميثاق تحظر استخدام القوة أو التهديد بها في العلاقات الدولية إلا في حالتين فقط هما الدفاع الشرعي عن النفس أو تنفيذ قرار من مجلس الأمن بموجب الفصل السابع.
ونوه إلى أن مجلس الأمن يتحمل مسؤولية حفظ السلم والأمن الدوليين مؤكداً أن المجلس يجب أن يتدخل فورا لمنع تصعيد الموقف بين روسيا وفرنسا وأن يدعو الطرفين للحوار والتهدئة رغم أن روسيا وفرنسا كلاهما عضوان دائمان بحق الفيتو مما يعقد الموقف.
ودعا مهران الأمين العام للأمم المتحدة لممارسة دوره في الوساطة مؤكدا أن الأمين العام يمتلك سلطة أخلاقية ودبلوماسية كبيرة يجب أن يستخدمها لفتح قنوات حوار بين الطرفين ومنع الانزلاق نحو الصراع، مناشدا أيضا الاتحاد الأوروبي بضبط التصريحات الفرنسية المتهورة، مؤكدا أن بروكسل يجب أن تلعب دورا في كبح جماح التصريحات الفرنسية المتشددة التي قد تدفع نحو تصعيد لا تحمد عقباه.
كما شدد استاذ القانون الدولي على أن العالم لا يحتمل حربا جديدة خاصة بين قوتين نوويتين مؤكدا أن الحكمة والعقلانية والالتزام بالقانون الدولي هي السبيل الوحيد لتجنب كارثة إنسانية محذرا من أن التاريخ لن يرحم من يدفع العالم نحو حرب عالمية ثالثة بسبب حسابات سياسية ضيقة.

