ألقى فضيلة الدكتور أسامة الحديدي، المدير العام لمركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، كلمة الأزهر الشريف خلال مشاركته في فعاليات الدورة الحادية عشرة من مؤتمر" الحوار بين الحضارتين الصينية والعربية" المنعقدة بالعاصمة الصينية بكين، بمشاركة عربية وعالمية رفيعة المستوى، بنحو مئتي شخصية بارزة في مجالات الدين والسياسة والاقتصاد والعلوم.
وقال الدكتور أسامة الحديدي، إن الأزهر الشريف ينظر إلى الحوار باعتباره واحدًا من أهم مسارات التفاعل الحضاري في العصر الحديث؛ ذلك أنه يدعم السلام، ويعزز الاستقرار، ويواجه الفكر المنحرف، ويصحح المفاهيم المغلوطة؛ انطلاقًا من احترام الإسلام لثقافات الشعوب وحضاراتها، وسعيه لفتح آفاق التعاون بين البشر؛ فلكل أمةٍ ثقافتها ومنظومتها الاجتماعية والسياسية والقيمية الخاصة، والحوار المستمر بين الثقافات يبقيها حيةً، ويضمن تجديدها المتواصل، ويرسخ قيم التسامح والاحترام المتبادل والتعددية الثقافية.
مؤتمر الحوار بين الحضارتين الصينية والعربية
وأضاف مدير مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، أن لقاءنا اليوم يأتي امتدادًا طبيعيًّا لتاريخٍ طويل من مد الجسور والتواصل بين الحضارتين الصينية والعربية، وطريق الحرير القديم خير شاهد على هذا التواصل، فعبر القرون لم يكن طريق الحرير مجرد مسار للتجارة بين الشرق والغرب، بل كان جسرًا رابطًا بين الحضارتين الصينية والعربية؛ لم تعبر عليه البضائع وحدها، بل انتقل عبره التعارف والفن والثقافة، وعلى ضفتيه ازدهرت مراكز حضارية كبرى من سمرقند وبخارى إلى بغداد ودمشق والقاهرة، حيث امتزج الاقتصاد بالثقافة والروح بالمعرفة، فانبثق تراثٌ إنساني مشتركٌ أسهم في صياغة وجدان البشرية.
وبيّن مدير مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، أن العلاقات الصينية العربية مرت بثلاث مراحل: الأولى: التلاقي التجاري والثقافي في العصور القديمة، والثانية: الدعم السياسي المتبادل خلال القرن العشرين في قضايا التحرر الوطني، والثالثة: الشراكة الاستراتيجية في القرن الحادي والعشرين ضمن مبادرة "الحزام والطريق، وارتكزت هذه العلاقة على الانسجام والتعايش باعتبارها قيمة فلسفية صينية، والإعلاء من شأن الاعتدال والوسطية والتسامح باعتبارها قيم عربية وإسلامية، واحترام التنوع الثقافي بعيدًا عن الهيمنة أو فرض النماذج الحضارية، وضرورة التنمية من أجل السلم، ورفض الصدام الحضاري، وهذا ما يميز هذا التواصل العتيق والعريق بين الحضارتين.
وأشاد الدكتور" الحديدي" بخطوة تبادل تعليم وتدريس اللغتين العربية والصينية في المدارس والمعاهد والجامعات بما يعزز التواصل ويدعم الشراكات العلمية والثقافية ويضمن التعاون في مختلف المجالات، ومن بينها الإعلام والثقافة الرقمية، وكذلك الحفاظ على التراث الحضاري، مبينا أن التحديات التي تواجهنا في الحوار الحضاري اليوم تتمثل في: محدودية الثقافة والفجوة المعرفية المتبادلة، فالصورة النمطية التي تصنعها وسائل الإعلام في الجانبين لم تزل موجودة؛ لذا نؤكد على ضرورة تعزيز التنسيق لإدارة الحوار إدارة حكيمة ومستمرة، تجاوز أي قيود يمكن أن يقيد التقارب العربي والصيني.
واختتم كلمته بتقديم مجموعة من التوصيات، شملت الدعوة إلى إنشاء منصة متخصصة لتعزيز الحوار الحضاري والتعاون بين الجانبين، وتوسيع برامج التبادل العلمي من خلال البعثات والباحثين، وتعزيز التعاون في مجال الإعلام الرقمي وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، والتنسيق نحو إقامة منتديات ثقافية دائمة ومشتركة حول الأمن الإنساني والأخلاق في التعامل مع التكنولوجيا والهوية والخصوصية الثقافية، للوصول إلى نموذج عربي– صيني للحوار قائم على التنمية المشتركة، واحترام الخصوصيات، وتعظيم القيم الأخلاقية في العلاقات.



