تحتضن سلطنة عُمان في العاصمة مسقط، خلال الفترة من 23 إلى 25 نوفمبر 2025، النسخة الثانية من خلوة مسقط للوساطة، بمشاركة عربية ودولية واسعة.
تُنظم هذه الفعالية برعاية وزارة الخارجية العُمانية، وبالتعاون مع وزارة الخارجية النرويجية ومركز الحوار الإنساني، كامتداد إقليمي لمنتدى أوسلو للوساطة العالمي.
في كلمته خلال انطلاق الخلوة، شدّد وزير الخارجية العُماني بدر بن حمد البوسعيدي على خطورة التدخلات الأجنبية في النزاعات، محذّرًا من أنها تقوض أسس القانون الدولي، وتهدّد بنسف الاتفاقيات والتفاهمات التي رغم عيوبها أسهمت في التخفيف من الصراعات بعد الحرب العالمية الثانية.
وأشار إلى أن تدخلات ما بعد الإطاحة بصدام حسين اتخذت أشكالًا متعددة، بعضها مباشر وبعضها عبر وكلاء، أو مزيج غامض، مما يعرّض عملية التفاوض إلى مزيد من التعقيد.
ولفت البوسعيدي إلى أن دعم الأطراف الأجنبية لأطراف في الحروب الأهلية بدول مثل سوريا واليمن والسودان، سواء بالتسليح أو إرسال قوات أو حتى مرتزقة، أسهم في تفاقم الأزمات الإنسانية، وأشاد بأن هذا النهج بات من الممارسات الشائعة.
واعتبر أن النتائج كارثية، حيث أدت إلى "اثنتين من أكبر الكوارث الإنسانية في العالم، قد ترقى في بعض الحالات إلى إبادة جماعية".
كما أثار الوزير العُماني ما وصفه بـ التهديدات الجيوسياسية، مثل اقتراحات باستيلاك دول أجزاء من أراضي دول أخرى، قائلاً إن مثل هذا الكلام يبيّن أن التدخلات يمكن مناقشتها علنًا دون ردّ دولي موحّد، وهو ما يضعف من رادع القانون الدولي.
وحذّر من أن دبلوماسية القوة، مثل نشر السفن الحربية أو التهديد بالغزو، قد تقود إلى عودة عالم ما قبل القرن العشرين، حيث يصبح العدوان والدخول العسكري عبر الحدود أمورًا “شرعية” في غياب نظام دولي فعّال.
ورداً على هذه المخاطر، دعا إلى ثلاث محاور رئيسية: أولاً، إدانة واضحة وموحّدة لجميع أشكال التدخلات والتهديدات الأجنبية؛ ثانيًا، عقد مؤتمر عالمي تحت رعاية الأمم المتحدة لتجديد الالتزام بالقانون الدولي، ثالثًا، إيجاد آلية تنفيذ لأحكام محكمة العدل الدولية عبر تشكيل فريق قانوني متخصص لاستكشاف آليات عملية تجعل أحكامها ملزمة وقابلة للتطبيق.
في سياق متصل، أكّد الوزير العُماني أن سياسة بلاده تقوم على الحياد “البنّاء” وليس السلبية، مشيراً إلى أن دورها في الوساطة ليس هامشيًا بل استراتيجي لدعم الاستقرار والسلام، حسب صحيفة مسقط ديلي.
في هذا الإطار، لعبت عُمان دورًا مهمًا مؤخرًا في تسهيل اتفاق هدنة بين الولايات المتحدة والأطراف اليمنية، مما نال تقدير دول الخليج ومصر لدورها الوسيط الفاعل.
كما يُذكر أن التزام عُمان بسيادة الدول يظهر في مواقفها المتكرّرة، مثل إدانتها للتدخل الأجنبي في سوريا، وتأكيدها على وحدة الأراضي السورية وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
تُعد خلوة مسقط للوساطة اليوم من أبرز المنصات الدبلوماسية التي تجمع الوسطاء وصنّاع القرار من دول متعددة، بما يعكس مكانة عُمان كبوابة موثوقة للحوار ووساطة النزاعات، وتعزّز من دورها الإقليمي والدولي في دعم السلام والاستقرار.

