قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

السويد وصواريخ الردع الاستراتيجي..تحول يضع العمق الروسي في مرمى "الناتو الشمالي"

السويد وصواريخ الردع الاستراتيجي
السويد وصواريخ الردع الاستراتيجي

 نهاية الحياد: استوكهولم تستبدل الدفاع الإقليمي بقدرات الضربات الاستراتيجية الهجومية لردع روسيا

صواريخ JASSM-ER المحتملة..كيف تحول الأهداف السويدية إلى تهديد مباشر لعمق الأراضي الروسية

الكرملين يرد بـ “النووي التكتيكي”و تزايد مخاطر سباق التسلح في بحر البلطيق وتحذيرات من التصعيد



 

 إعلان تحول استراتيجي

في تحول جذري يعيد تعريف موازين القوى في شمال أوروبا، أعلنت السويد، العضو الأحدث في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، سعيها للحصول على قدرات صاروخية بعيدة المدى قادرة على ضرب أهداف استراتيجية بعمق يصل إلى 2000 كيلومتر داخل الأراضي الروسية.

 يمثل هذا المطلب نقطة انعطاف ليس فقط في العقيدة العسكرية السويدية، بل في الاستراتيجية الكلية للناتو في المنطقة الإسكندنافية، حيث تنتقل استوكهولم من سياسة الحياد والدفاع الإقليمي إلى تبني عقيدة الردع الهجومي الاستراتيجي.

 الهدف المعلن من وراء السعي لهذه الصواريخ هو تحقيق "ردع ناجح" ضد أي تهديد روسي محتمل. 

وتكمن الفلسفة السويدية الجديدة في القدرة على فرض "تكاليف باهظة" على الخصم، ليس فقط على طول حدودها أو في بحر البلطيق، بل بعيداً عن خطوط المواجهة الأولية. 

هذا التحول يشير بوضوح إلى أن السويد ترى أمنها مرتبطاً بضمان قدرتها على الرد والانتقام بضربات عميقة وموجعة، وهو ما يمثل ركناً أساسياً في استراتيجيات الناتو الحديثة.

الأهمية الجيوسياسية لمدى 2000 كيلومتر

المدى التشغيلي البالغ 2000 كيلومتر ينقل السويد فوراً من دور الدولة التي تدافع عن محيطها إلى دور القوة الاستراتيجية القادرة على الإسقاط العميق للقوة، وتحديداً نحو قلب الأراضي الروسية. تكمن الأهمية الجيوسياسية لهذا المدى في إلغائه الفعلي "لمنطقة العزل" التقليدية التي كانت تحمي المراكز الحيوية والقيادية لروسيا.

 إذا نجحت السويد في دمج مثل هذه الصواريخ في ترسانتها، فإنها تضع مدناً حيوية، ومناطق صناعية، وقواعد عسكرية استراتيجية روسية تحت خطر الضربات التقليدية الدقيقة.

بالنسبة للكرملين، هذا التهديد الجديد ليس مجرد إضافة إلى قائمة المخاطر، بل يمثل تغييرًا نوعيًا في معادلة التهديد.

 لم تعد السويد مجرد جدار دفاعي إقليمي يضاف إلى الدفاعات الساحلية، بل أصبحت منصة إطلاق استراتيجية متقدمة لحلف الناتو.. هذه القدرة على استهداف العمق تزيد من إحساس موسكو بالتهديد الوجودي التقليدي، وتلزم القيادة الروسية بإعادة تقييم كاملة لاستراتيجياتها الدفاعية، وقد تدفعها نحو الرد غير المتكافئ أو التفكير في خيارات تصعيدية غير تقليدية.

 سياق الناتو.. الانهيار الجليدي للحياد السويدي

التحول السويدي نحو الردع العميق لا يمكن فهمه إلا في سياق تاريخي وجيوسياسي أوسع، يمثل نهاية مفاجئة لعقيدة استمرت لمئات السنين.

500 عام من عدم الانحياز

لأكثر من 500 عام، حافظت السويد على سياسة عسكرية تقوم على عدم الانحياز والحياد، خاصة منذ نهاية الحروب النابليونية. 

كانت هذه العقيدة مبنية على الاعتقاد بأن عدم الانضمام إلى التحالفات العسكرية يوفر أفضل ضمان للأمن، معتمدة في الوقت نفسه على قوة دفاعية ذاتية موجهة نحو الحماية الإقليمية. ومع ذلك، بدأت هذه العقيدة بالتآكل تدريجياً، خاصة بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، وما تلاها من تصعيد للتواجد العسكري الروسي في بحر البلطيق.

 أثبتت هذه التوترات المتزايدة ضعف عقيدة الحياد في مواجهة القوة الجبرية المتنامية للجار .

شرارة 2022..الكتالوج المحرك للانضمام

كان الغزو الروسي واسع النطاق لأوكرانيا في فبراير 2022 هو الكتالوج المباشر الذي أدى إلى التخلي عن هذه العقيدة التاريخية. أثبت هذا الغزو أن القوة العسكرية الروسية لا تحترم الحياد وأن مبدأ الدفاع الإقليمي الذاتي لم يعد كافياً لردع طموحات موسكو التوسعية. أدركت استوكهولم أن الأمن لا يمكن تحقيقه إلا عبر الانضواء تحت القوة الجماعية للناتو. هذا التحول لم يكن عاطفياً، بل كان نتيجة لحساب دقيق للمخاطر، حيث خلص المخططون السويديون إلى أن الانضمام إلى الناتو هو الضمان الوحيد للأمن في ظل البيئة الجيوسياسية المتغيرة.

القدرات الجديدة بعيدة المدى، التي تسعى إليها السويد حالياً، هي الثمن الذي تدفعه لضمان الأمن الجماعي. 

إنها تثبت التزامها بأن تكون شريكاً فعّالاً في استراتيجية الردع المشترك للناتو، لا مجرد مستهلك للأمن.

الدرع الشمالي.. الاندماج الإقليمي الكامل

التحول السويدي يقع في صلب رؤية أمنية أوسع تُعرف باسم "الدرع الشمالي"، والتي تهدف إلى دمج الدفاعات الفنلندية والسويدية، وربما النرويجية والدنماركية، تحت قيادة الناتو. يوفر هذا الاندماج للحلف عمقاً استراتيجياً جديداً على طول الجناح الشمالي، ويحوّل بحر البلطيق إلى ما يشبه "بحر داخلي للناتو".

من خلال الانضمام إلى الناتو، وبفضل قدراتها الجديدة على الضربات العميقة، يمكن للسويد وفنلندا تضييق المساحة العملياتية لروسيا بشكل كبير في البلطيق.

 وتكتسب القدرات السويدية الاستراتيجية أهمية مضاعفة عند دمجها مع التخطيط العملياتي للناتو، حيث تستطيع استوكهولم المساهمة مباشرة في ضرب مراكز القيادة والسيطرة الروسية ومنصات الإطلاق الحيوية بعيداً عن منطقة الصراع الفعلي.

 تفاصيل العقيدة الجديدة..الردع الهجومي والاستعداد المالي

إن السعي للحصول على صواريخ 2000 كيلومتر ليس مجرد طلب تسلح، بل هو تجسيد لعقيدة عسكرية جديدة تتطلب موارد مالية وهيكلية ضخمة.

صياغة عقيدة الردع بالمعاقبة

يرتكز الردع السويدي الجديد بشكل صريح على مبدأ "الردع بالمعاقبة" (Deterrence by Punishment)، وهو مبدأ يختلف جذرياً عن "الردع بالإنكار" (Deterrence by Denial) الذي كان سائداً في حقبة الحياد.

يتطلب هذا المبدأ قدرة موثوقة على الرد بهجمات عميقة ومدمرة ضد الأصول الحيوية للخصم. صرح وزير الدفاع السويدي، بال يونسون، بأن القدرات الهجومية بعيدة المدى هي "بالغة الأهمية" لضمان ردع ناجح في الحروب الحديثة. وأكد يونسون على أن الدفاع لا يقتصر على حماية الأراضي السويدية، بل يتعداه إلى القدرة على التأثير على مسار النزاع في المناطق المجاورة والبعيدة. كما شدد القائد العام للقوات المسلحة، الجنرال ميكايل بايدن، على ضرورة بناء قوة ردع "موثوقة" تستطيع أن تجعل أي اعتداء روسي مكلفاً جداً وغير مجدٍ.

 هذا يعني عملياً أن السويد يجب أن تكون قادرة على تهديد الأهداف التي لا تتوقع روسيا أن تكون عرضة للهجوم، مما يرفع من مستوى التعقيد في التخطيط الدفاعي الروسي.

الإنفاق الدفاعي.. تسريع الالتزامات المالية

لتمويل هذا التحول الاستراتيجي المعقد والمكلف، اتخذت السويد خطوات سريعة لتسريع التزاماتها المالية تجاه الناتو. فقد قررت استوكهولم الوصول إلى هدف الناتو المتمثل في تخصيص 2% من الناتج المحلي الإجمالي للإنفاق الدفاعي بحلول عام 2024، متجاوزة بذلك الجدول الزمني المتوقع.

هذا الإنجاز المبكر لنسبة الـ 2% يمثل دليلاً ملموساً على جدية التحول الاستراتيجي، ويسمح بتمويل برامج الاستحواذ الكبرى المطلوبة، وعلى رأسها الصواريخ بعيدة المدى.

 إن ربط هذا الإنفاق المتزايد بمتطلبات القدرات الهجومية يؤكد أن التحول ليس مجرد خطاب سياسي، بل هو استثمار طويل الأجل في بناء قوة ردع قوية ومتكاملة ضمن هيكل الناتو.

يمثل هذا التحول العقائدي تغييراً جذرياً في نهج السويد؛ فبينما كانت قبل عام 2022 تعتمد على الحياد العسكري، وتخصص أقل من 2% من الناتج المحلي الإجمالي للدفاع، وتطلب قدرات دفاعية قصيرة ومتوسطة المدى بهدف الدفاع الإقليمي (الردع بالإنكار)، أصبحت اليوم بعد عام 2024 تتبنى عضوية الناتو الكاملة، وتلتزم بـ تحقيق وتجاوز 2% من الناتج المحلي الإجمالي، وتطالب بـ صواريخ هجومية بمدى يصل إلى 2000 كيلومتر لتحقيق الردع الاستراتيجي وإسقاط القوة في عمق الخصم (الردع بالمعاقبة).

  التفاصيل العسكرية.. منصات الضربات العميقة والاستهداف

لتحويل هذا الطموح الاستراتيجي إلى واقع عملي، تحتاج السويد إلى منظومة تسليح متطورة وقدرات دعم لوجستي واستخباراتي متكاملة.

الصواريخ المرشحة.. JASSM-ER والتحديات التقنية

يعد صاروخ الجو-أرض المشترك البعيد المدى (Joint Air-to-Surface Standoff Missile – Extended Range)، المعروف اختصاراً باسم JASSM-ER، هو الخيار الأقوى والأكثر ترجيحاً لدمجه في أسطول طائرات "غريبن" المقاتلة السويدية. يتميز هذا الصاروخ بقدرته على التخفي ومداه التشغيلي الذي يتجاوز 1000 كيلومتر.

هنا يبرز تحدٍ تقني مهم: بينما يُعلن المطلب السويدي عن مدى يصل إلى 2000 كيلومتر، فإن المدى الفعلي لصاروخ JASSM-ER، وهو المرشح الأكثر منطقية، هو حوالي 1900 كيلومتر (1200 ميل) أو أكثر بقليل. 

يشير هذا التباين إلى احتمالين: إما أن المطلب السويدي يشمل في الواقع صواريخ يمكن إطلاقها من منصات بحرية أو أرضية متحركة، أو أنه يمثل نية واضحة للسعي نحو أجيال مستقبلية أطول مدى، مؤكداً على أن الأولوية العليا هي تحقيق "المدى الاستراتيجي" الذي يغطي العمق الروسي.

إن اختيار JASSM-ER يحقق هدفاً استراتيجياً آخر وهو "التشغيل البيني" (Interoperability)، حيث يتمتع هذا الصاروخ بالقدرة على التكامل العملياتي الفوري مع قوات الناتو، وخاصة الولايات المتحدة، وفنلندا، وبولندا، وهي دول تستخدم هذا الصاروخ أو تسعى للحصول عليه، مما يعزز من قوة الردع الجماعية في المنطقة.

تحليل الخريطة..الأهداف في مرمى النيران

إن الوصول إلى مدى 2000 كيلومتر ليس مجرد رقم على الخريطة؛ إنه قرار استهداف استراتيجي.

 تضع السويد نفسها في وضع يمكنها من استهداف المراكز الحيوية الروسية في حال اندلاع صراع واسع النطاق.

تتطلب القدرات الهجومية بعيدة المدى التي تسعى إليها السويد تحقيق أهداف واضحة، حيث يتمثل المدى المطلوب في الوصول إلى 2000 كيلومتر لضمان القدرة على استهداف عمق الأراضي الروسية، بما في ذلك موسكو وقواعد الشمال الحيوية.

 ويُعد صاروخ JASSM-ER (أو ما يماثله) هو المنصة المحتملة، كونه نظاماً مثبتاً يتمتع بقدرات التخفي والاستهداف الدقيق. 

ويقوم مبدأ الاستخدام على الردع الانتقامي (Deterrence by Punishment) لضمان تكلفة عالية لأي اعتداء روسي. ويُشدد على ضرورة التكامل مع الناتو لضمان التشغيل البيني والاندماج ضمن منظومة "الدرع الشمالي" لحلف الأطلسي.

• التهديد على موسكو: يكمن التأثير الأعمق في وضع العاصمة الروسية، موسكو، والمنشآت الحكومية والقيادية القريبة منها ضمن مدى الضربات التقليدية الدقيقة السويدية. هذا يخلق ضغطاً نفسياً وعملياتياً هائلاً على القيادة الروسية.

• القواعد الشمالية: تكتسب القدرات السويدية أهمية حاسمة في استهداف القواعد الاستراتيجية الروسية في منطقة كولا (Kola Peninsula). هذه المنطقة تعتبر موطناً للأساطيل الشمالية الروسية التي تحمل الجزء الأكبر من القدرة النووية الروسية الاستراتيجية. القدرة على استهداف هذه القواعد يمكن أن يقلل من قدرة روسيا على إطلاق رد نووي أو تقليدي واسع النطاق، خاصة في المراحل الأولى من أي صراع.

الهدف من استهداف مناطق بعيدة مثل موسكو هو شل قدرة القيادة والسيطرة الروسية (C2). 

إذا تعرض قلب روسيا الاستراتيجي للهجوم، فإن موسكو ستضطر إلى إعادة توجيه الموارد الدفاعية الثمينة، بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي المتقدمة، من الجبهة الأمامية (مثل دول البلطيق) إلى الدفاع عن عمق البلاد.

 هذا التكتيك يهدف إلى تخفيف الضغط عن الجبهة الشرقية للناتو، وهو جوهر الردع بالمعاقبة الذي تسعى إليه السويد.

تحديات الدعم العملياتي والاستخباراتي

إن القدرة على شراء الصواريخ ليست سوى نصف المعادلة. يتطلب دعم الضربات العميقة تحولاً كبيراً في التخطيط الدفاعي والبنية التحتية الاستخباراتية. 

تشير التقديرات العسكرية إلى أن تنفيذ الضربات العميقة يتطلب بناء كاملاً لمنظومة الاستخبارات والاستهداف والمراقبة والاستطلاع والقيادة والسيطرة والاتصالات (C4ISR).

 هذه المنظومة هي التي تضمن تحديد الأهداف بدقة، وتوجيه الصواريخ عبر مسارات معقدة، وتقييم الأضرار بعد الضربة، وهو ما يتطلب تنسيقاً غير مسبوق مع أصول الناتو الفضائية والجوية والاستخباراتية.

الرد الروسي.. التهديد النووي التكتيكي وسباق التسلح

لم يمر التحول السويدي في العقيدة العسكرية دون رد فعل فوري ومقلق من موسكو، التي ترى في هذا التطور تهديداً مباشراً لأمنها القومي.

تصنيف الخطوة السويدية كـ "عدوان"

رفضت موسكو الخطاب السويدي عن "الردع"، وصنفت التوسع العسكري السويدي وانضمامها إلى الناتو، والسعي لقدرات هجومية بعيدة المدى، على أنه "خطوة عدوانية". 

إن استخدام مصطلح "عدوان" ليس عشوائياً في الدبلوماسية الروسية؛ فهو يهدف إلى تبرير أي رد روسي لاحق داخلياً ودولياً، وتأطير أي تصعيد عسكري قادم على أنه دفاع مشروع عن النفس في مواجهة تهديد الناتو المتزايد على حدودها الشمالية.

في المنظور الروسي، فإن قبول دولة كانت محايدة في حلف معادٍ، ثم تسليحها بأسلحة قادرة على ضرب العاصمة، هو عمل معادٍ يبرر الرد العسكري الفوري والدائم.

خيارات الرد المضاد والتهديد النووي التكتيكي

كان الرد الروسي الأكثر خطورة هو التحذير الصريح بشأن الخيارات النووية ،فقد حذرت وزارة الخارجية الروسية من أن استمرار نشر أصول الضربات بعيدة المدى التابعة للناتو على مقربة من حدودها قد "يستدعي الضرورة" لنشر قوات نووية تكتيكية قصيرة المدى (SRNF).

إن هذا التهديد يعكس منطقاً روسياً يتمثل في "مفارقة الردع" في الشمال الأوروبي. فمن ناحية، تسعى السويد (والناتو) إلى رفع تكلفة الحرب التقليدية على روسيا من خلال التهديد بضربات عميقة (2000 كم). ومن ناحية أخرى، ترى موسكو أن الصواريخ التقليدية التي تهدد عمقها الاستراتيجي، والتي قد تشل قدراتها التقليدية، يجب أن تُردع بأسلحة غير تقليدية، وهي الأسلحة النووية التكتيكية، لاستعادة التوازن الأمني المحلي بشكل سريع. 

هذا التبادل في استراتيجيات الردع يؤدي عملياً إلى "خفض العتبة النووية التقليدية" في منطقة البلطيق.

يزيد سعي السويد لصواريخ 2000 كيلومتر بشكل غير مباشر من مخاطر استخدام الأسلحة النووية التكتيكية الروسية.

 الهدف من التهديد بنشر قوات نووية تكتيكية (SRNF) هو ردع الغرب عن تزويد السويد بالقدرات المطلوبة، أو لترهيبها بعدم استخدامها، مما يجعل المنطقة بأكملها أكثر عرضة للتصعيد غير المنضبط.

سباق التسلح في البلطيق: التداعيات الإقليمية

من المتوقع أن يترجم الرد الروسي إلى خطوات عملية على الأرض، تتجاوز التهديدات اللفظية. تشمل الردود المتوقعة تعزيز أنظمة الدفاع الجوي المتقدمة حول المراكز الاستراتيجية في عمق البلاد، مثل موسكو وسانت بطرسبرغ، لحمايتها من التهديد الصاروخي السويدي المحتمل. كما يُتوقع أن تعمد روسيا إلى زيادة انتشار صواريخ إسكندر ذات القدرة النووية والتقليدية في جيب كالينينغراد، لزيادة الضغط على دول البلطيق.

هذا التطور يؤكد أن دول البلطيق، التي كانت بالفعل خطوط مواجهة، ستصبح الآن جزءاً لا يتجزأ من صراع استراتيجي أوسع نطاقاً بين قوة الناتو الجديدة شمالاً (السويد وفنلندا) والقوة الروسية.

 إن دخول السويد إلى النادي الاستراتيجي يطلق سباق تسلح محتملاً في منطقة البلطيق، حيث تتصاعد القدرات الهجومية والردود المضادة بشكل سريع.

٦- الخلاصة والتوقعات المستقبلية

يمثل قرار السويد بطلب صواريخ قادرة على الوصول إلى مدى 2000 كيلومتر ختاماً لقرون من الحياد وفتحاً لفصل جديد في تاريخ الأمن الأوروبي. لقد تحولت السويد رسمياً من دولة هامشية في الصراع الجيوسياسي إلى لاعب محوري وواجهة صراع مباشر ومحتمل مع روسيا.

تحول سقف المخاطر والمفارقة الاستراتيجية

إن المفارقة الاستراتيجية تكمن في أن السويد سعت إلى الأمان المطلق عبر الانضمام إلى الناتو وتبني قدرات الردع القاسية، لكنها في الوقت ذاته، قد تكون جلبت المزيد من المخاطر الإجمالية. 

ففي حين أن القدرة على "الردع بالمعاقبة" قد تمنع روسيا من أي غزو إقليمي واسع النطاق، فإنها في الوقت نفسه ترفع بشكل كبير احتمالية المواجهة الاستراتيجية، بما في ذلك المخاطر المتزايدة لاستخدام روسيا لأسلحة نووية تكتيكية للرد على التهديدات التقليدية التي تستهدف عمقها.

هذا يضع معضلة أمنية حقيقية في الشمال الأوروبي: هل أدت سياسة الردع إلى الاستقرار، أم أنها أدخلت المنطقة في دوامة تصعيد جديدة؟ تشير الأدلة إلى أن استوكهولم مستعدة لقبول سقف أعلى للمخاطر مقابل ضمان أمني أقوى ضمن هيكل الناتو.

التحديات القادمة أمام استوكهولم

تتجاوز التحديات المستقبلية مجرد الاستحواذ على الأسلحة و يجب على السويد أن تنجح في دمج هذه القدرات في منظومات الناتو المعقدة، وبناء البنية التحتية المطلوبة لدعم عمليات الضربات العميقة. 

هذا يتطلب استثماراً هائلاً في التدريب، وفي تحديث شبكات القيادة والسيطرة لتكون قادرة على تحمل الضغوط اللوجستية والاستخباراتية لحرب حديثة بعيدة المدى.

في النهاية، يمثل قرار السويد بطلب صواريخ بمدى 2000 كيلومتر إشارة لا رجعة فيها إلى أن الدول الاسكندنافية مستعدة الآن لرفع مستوى الردع إلى أعلى مستوياته.

 إن هذا التحول يؤكد أن الجناح الشمالي للناتو أصبح الآن جبهة استراتيجية متقدمة، وهو ما سيستمر في تشكيل التوترات الإقليمية وردود الفعل الروسية لسنوات قادمة.