تحل علينا اليوم /الثلاثاء/ ذكرى رحيل الفنان الكبير صلاح نظمي، ذلك الوجه السينمائي الذي لطالما التصق في أذهان الجمهور بصورة الشرير، بينما أخفى وراء الكاميرا قلبا نقيا ووفاء نادرا يجعله واحدا من أكثر الشخصيات الإنسانية حضورا في ذاكرة الفن المصري.
ولد صلاح الدين أحمد نظمي في 24 يونيو عام 1918 بحي محرم بك في الإسكندرية، ليفتح عينيه على الحياة يتيم الأب، فتتولى والدته تربيته وإخوته الثلاثة.
تلقى تعليمه في مدارس الإرساليات الأمريكية، قبل أن يكمل دراسته بكلية الفنون التطبيقية ويعمل مهندسا بهيئة التليفونات، حتى وصل إلى درجة مدير عام وظل بها حتى خروجه إلى المعاش عام 1980.
ومع ذلك، لم تطفئ الوظيفة الحكومية شغفه بالفن؛ فالتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية وتخرج فيه عام 1946، ليبدأ رحلته مع المسرح ضمن فرقة الفنانة ملك، ثم فرقة فاطمة رشدي، ومنها إلى مسرح رمسيس، حيث تنقل بين الأدوار بحماس شاب واثق الموهبة، قبل أن ينتقل للسينما ليصبح أحد أبرز الوجوه على الشاشة الفضية.
وبرغم ملامحه الهادئة وخفة ظله خارج الكاميرا، حصر صلاح نظمي سينمائيا في أدوار الشر والرجل ثقيل الظل، فبرز في شخصيات المجرم، والعزول، والجزار الغشاش، ورئيس العصابة، والرجل الذي يفرق بين الحبيبين.
قدم خلال رحلته الفنية ما يزيد على 300 عمل فني، من بينها «حب ودلع، عصابة حمادة وتوتو، على باب الوزير، شيء من الخوف، أبي فوق الشجرة، الرجل الثاني، الأوفوكاتو، اتنين على الطريق، الجحيم» وغيرها من الأعمال التي شكلت علامة في تاريخ السينما المصرية.
رغم تنوع الأدوار التي قدمها طوال مسيرته الفنية، يظل دور «حلاوة العنتبلي» في فيلم «على باب الوزير» محطة بارزة في مسيرة صلاح نظمي.. ففي هذا الدور، جسد الشر الشعبي ببراعة ودقة، بعيدا عن الشر الأرستقراطي الذي عرفه الجمهور عنه، ليبرهن على قدرته الفريدة في التحول بين الشخصيات وتلوين أدائه بما يمنح كل شخصية حياتها الخاصة ويجعلها حاضرة في ذاكرة المشاهدين.
وعلى الرغم من هذا الإرث الفني، تظل حياة صلاح نظمي الشخصية هي الأكثر إثارة للدهشة والاحترام؛ فقد التقى في شبابه بالفتاة الأرمنية أليس يعقوب، ووقع في حبها من النظرة الأولى، وعندما صدته بشدة، لجأ إلى شقيقها طالبا يدها، وتم الزواج في 9 أكتوبر عام 1951 بعد أن أشهرت إسلامها واختارت لنفسها اسم رقية، وعاش الزوجان قصة حب نادرة، تكللت بميلاد ابنهما الوحيد حسين.
وبعد 11 عاما فقط من الزواج، أصيبت رقية بمرض نادر أقعدها على كرسي متحرك، وظل صلاح نظمي طوال ثلاثين عاما يعتني بزوجته، رافضا كل محاولاتها لإقناعه بالزواج من أخرى، ومكرسا دخله وجهده ووقته لخدمتها حتى آخر لحظة في حياتها، وعندما رحلت في عام 1989، دخل في حالة حزن عميق أصابته بالاكتئاب، ليظل في المستشفى عدة أشهر قبل أن يلحق بها في 16 ديسمبر 1991، وكأنه لم يحتمل الحياة بدونها.
وبرغم الصورة السينمائية للشر الجانح، ظل صلاح نظمي في الحقيقة رجلا نقيا، صاحب وفاء استثنائي وإنسانية تشهد بها تفاصيل حياته، ليبقى اسمه حاضرا في ذاكرة الفن كأحد أبرز علامات عصره، وكقصة إنسانية خالدة أعظم بريقا من أي دور أداه على الشاشة.