قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

المحميات الطبيعية في مصر.. كنوز بيئية وفرص استثمارية تنبض بحياة المجتمعات المحلية

المحميات الطبيعية في مصر
المحميات الطبيعية في مصر

تمثل المحميات الطبيعية في مصر أكثر من مجرد مساحات محمية، فهي مختبر حي للتنوع البيولوجي، ومرآة لتراثنا التاريخي والثقافي، ومصدر فرص اقتصادية مستدامة، في كل محمية، من الشعاب المرجانية في البحر الأحمر إلى الصحراء البيضاء ووادي الجمال، تكمن ثروات طبيعية فريدة وفرص للاستثمار المتوازن بين حماية البيئة وتنمية المجتمعات المحلية.


وتستعرض وكالة أنباء الشرق الأوسط في هذا التقرير كيف يمكن للاستثمار داخل هذه المحميات أن يتحول لنموذج مستدام يجمع بين العائد الاقتصادي والمسؤولية البيئية، مع التركيز على دمج السكان المحليين والمجتمع المدني في إدارة هذه الموارد، كما يسلط الضوء على المبادرات والمشروعات الناجحة، والخطط الحكومية الرائدة، والخبراء الذين يشكلون الركيزة الأساسية؛ لاستدامة هذه الثروات للأجيال القادمة.


فمن خلال هذا التقرير، نكشف كيف يمكن أن تصبح المحميات الطبيعية في مصر منصة حقيقية للابتكار والاستثمار البيئي المستدام، وتأكيد دورها كمحرك للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وحماية البيئة في آن واحد، مع توضيح أهم التحديات التي تواجه الاستثمار في المحميات وكيف يمكن التغلب عليها وآراء المستثمرين بهذا الشأن.

استثمار مستدام في قلب الطبيعة
في قلب محميات مصر الطبيعية، تتجلى أهمية الدمج بين حماية البيئة وتنمية المجتمعات المحلية، حيث تتحول الموارد الطبيعية إلى فرص للاستثمار المستدام، هذا ما يؤكده الدكتور أحمد غلاب مدير عام المحميات الطبيعية بالبحر الأحمر في بداية حديثه، مشيرا إلى أن جهاز شئون البيئة يدير الموارد البحرية بطريقة علمية وفعالة، وينظم الأنشطة بين جميع المستخدمين لضمان استدامة الموارد الطبيعية.


وشدد على أن الاستثمار في المحميات لا يقتصر على إقامة مشروعات ترفيهية أو اقتصادية فحسب، بل يرتكز على إدارة علمية مبنية على بيانات حقيقية من أرض الواقع لضمان اتخاذ قرارات سليمة تنمي المحميات دون الإضرار بها.


وقال "إن الأداة الأساسية لتحقيق هذا الهدف هي دراسة تقييم الأثر البيئي، التي تُبنى على أسس علمية دقيقة لتمكين إدارة المناطق الساحلية والمحميات الطبيعية بشكل مستدام"، منوها بأن وحدة تطبيق القانون التابعة لجهاز شئون البيئة تعمل يوميًا على مراقبة الأنشطة المختلفة؛ لضمان التزام جميع المستخدمين بالقانون وحماية الموارد الطبيعية.


وأضاف "أن السكان المحليين يمثلون عنصرًا رئيسيًا في نجاح الاستثمار داخل المحميات، فهم الحراس الأصليون الذين يحافظون على هذه الموارد من التعديات، ولذا يتم توفير فرص عمل لهم من خلال المشروعات المختلفة والجهات المانحة، ويأتي على رأسها مشروعات إنتاج عسل النحل من أشجار المانجروف في وادي الجمال ومشروعات السياحة البيئية في منطقة القلعان، حيث يشارك السكان المحليون في إدارة الرحلات والخدمات السياحية، بما يعزز دخلهم ويحولهم من مستهلكين للموارد إلى حماة لها". 


وأضاف "أن دعم المرأة المحلية يحظى باهتمام خاص، حيث يتم توفير معارض داخل الفنادق والقرى السياحية لعرض المنتجات اليدوية والحرفية، مع توفير المواد الخام اللازمة، ما يخلق مصدر دخل مستدام ويعزز دورهم الاقتصادي والاجتماعي".


وأكد أن آخر امتداد لأشجار المانجروف في مصر موجود على ساحل البحر الأحمر، وأن التنوع البيولوجي الفريد جعل هذه المناطق وجهة سياحية جاذبة مرتبطة بالسياحة الترفيهية القائمة على الطبيعة.


وأشار إلى أن جهاز شئون البيئة وقطاع حماية الطبيعة ينفذان عدة برامج رئيسية تشمل الرصد البيئي وتطبيق القانون الخاص بالمحميات الطبيعية، وقانون حماية البيئة، وقانون رقم 4 لسنة 2024 وتعديلاته بهدف حماية الموارد الطبيعية للأجيال القادمة.


وتابع "أن البحر الأحمر يستقبل سنويًا نحو 6 ملايين سائح لممارسة الأنشطة الترفيهية والغوص لمشاهدة الشعاب المرجانية لا سيما تلك المحيطة بجزيرة أبورمادة الشهيرة والتي تتميز بتنوع الكائنات البحرية والتشكيلات النادرة للشعاب المرجانية".


وأكد أن قيمة التنوع البيولوجي في البحر الأحمر تتجاوز حدود التقدير الاقتصادي العالمي للشعاب المرجانية بحوالي 143 تريليون دولار، بينما تصل قيمة حماية الشواطئ إلى نحو 80 مليون دولار لكل كيلومتر.

المجتمع المدني والشراكات.. مفتاح نجاح الاستثمار البيئي
لأن المحميات الطبيعية في مصر تعد أحد أهم أصول البلاد البيئية والثقافية، وتشكل فرصة متميزة لتعزيز الاستثمار البيئي المستدام الذي يربط بين حماية الموارد الطبيعية وتنمية المجتمعات المحلية، أكد الدكتور عماد عدلي المنسق العام لشبكة (رائد) نائب رئيس اللجنة الوطنية لاتحاد صون الطبيعة رئيس المكتب العربي للشباب والبيئة، أن أولوية الاستثمار في المحميات الطبيعية تكمن في احترام حساسية البيئات المختلفة، حيث تشمل خطة الإدارة مناطق لا يمكن المساس بها، وأخرى يمكن تطويرها باستخدام منشآت خفيفة من خامات طبيعية، مع الالتزام بأساليب التخلص من المخلفات واستخدام الموارد الطبيعية بشكل مستدام، مع مراعاة اختلاف الاشتراطات بحسب طبيعة كل محمية، مثل اختلافها بين الغابة المتحجرة في القاهرة، ومحميات جنوب سيناء أو وادي الجمال بالبحر الأحمر.


وأضاف "أن دمج المجتمع المدني والسكان المحليين في إدارة المحميات يعد ركيزة أساسية لنجاح الاستثمار البيئي، حيث يمكنهم عرض منتجاتهم المحلية، وتعزيز الثقافة والتراث البيئي، والمساهمة في تقديم تجربة سياحية متكاملة للزوار، بما يرفع من القيمة الاقتصادية للمحمية ويضمن الحفاظ على التنوع البيولوجي".


وحول أهم التحديات، أكد أن أحد أبرز التحديات التي تواجه مصر في المحميات الطبيعية هو الوعي بأهميتها على مستوى الأفراد والمؤسسات، موضحًا أن الحفاظ على هذه المحميات ليس ترفًا بل هو أساس لتحقيق التنمية المستدامة، وأن التوازن الطبيعي لأي دولة يعتمد بشكل كبير على قدرة محمياتها البرية والبحرية على الحفاظ على التنوع البيولوجي.


وأضاف أن هناك 3 محاور أساسية يجب أن تهتم بها الدولة: أولًا، تطبيق قانون المحميات بكل المعايير، ثانيًا دمج أهداف حماية التنوع البيولوجي في الخطط والبرامج الاقتصادية والتنموية، وثالثًا توفير الموارد اللازمة لإدارة المحميات، سواء البشرية أو المالية؛ لضمان استدامة جهود الحماية.


وأشار إلى تجربة المجتمع المدني بهذا الصدد، حيث سبق وأن تم تنظيم جلسات حوار مجتمعي حول منطقة "حنكوراب" بمحافظة البحر الأحمر ضمن محمية وادي الجمال، موضحًا أن الاجتماعات هدفت إلى وضع رؤية واضحة للاستثمار البيئي المستدام داخل المحمية، بما يضمن الحفاظ على الموارد الطبيعية وتعظيم الاستفادة الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع المحلي.


وأوضح أن الجلسات شهدت مشاركة واسعة من خبراء البيئة، منظمات المجتمع المدني، الإعلاميين والمجالس التشريعية، بهدف التوصل إلى توافق حول كيفية تطوير المحمية بما يحمي التنوع البيولوجي الفريد ويعزز من السياحة البيئية، مع مراعاة المعايير والاشتراطات البيئية الصارمة لكل منطقة داخل المحمية.


واختتم عدلي تأكيده على أن جهود الدولة والشراكات مع المجتمع المدني في تطوير المحميات تمثل نموذجًا ناجحًا للاستثمار البيئي المستدام، يجمع بين الحفاظ على التراث الطبيعي والثقافي، دعم السكان المحليين، وتعظيم القيمة الاقتصادية والاجتماعية للمحميات الطبيعية في مصر.


مركز قارون: نموذج للتعليم والاستثمار البيئي
تسعى بعض المبادرات الرائدة إلى دمج حماية البيئة مع التعليم المجتمعي، لتحويل المحميات الطبيعية إلى نماذج حية للاستثمار البيئي المستدام، ومن هذه المبادرات التي أثبتت نجاحها ما نفذته جمعية بادر للتنمية المستدامة، حيث أكد محمد إسماعيل مسؤول مشروع جمعية بادر للتنمية المستدامة أن مشروع إنشاء المركز التثقيفي للتغير المناخي بمحمية قارون، والممول من مرفق البيئة العالمية ضمن برنامج المنح الصغيرة التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، يمثل نموذجًا رائدًا لمشاركة المجتمع المدني في الاستثمار بالمحميات الطبيعية وتعزيز التنمية المستدامة.


وقال "إن المشروع إلى رفع المستوى الثقافي والوعي لدى المهتمين بالبيئة بأهمية مكونات التراث الثقافي والطبيعي في محمية قارون وارتباطها بتغير المناخ، من خلال برامج تعليمية وتدريبية مبتكرة".


وأضاف "أنه في إطار المشروع، تم تنفيذ برنامج تدريبي مكثف لفريق عمل محمية قارون على صيانة الحفريات بمنطقة المتحف المفتوح شمل التدريب استخدام المواد والأدوات في عمليات التنظيف والترميم ونقل الحفريات من مواقع مختلفة؛ تمهيدًا لتجهيزها وعرضها بالمتحف، تحت إشراف الأستاذ الدكتور جبيلي عبد المقصود رئيس قسم الجيولوجيا بكلية العلوم جامعة الوادي الجديد، كما تم تصوير أهم مواقع التراث الطبيعي والثقافي بالمحمية، لا سيما منطقة جبل قطراني، لإبراز أهميتها التاريخية والبيئية".


وتابع "تمثل محمية قارون نموذجًا فريدًا للتراث الطبيعي والثقافي بدءًا من حفريات العصور القديمة التي يزيد عمرها على 35 مليون عامًا، مرورًا ببحيرة موريس، واحدة من أقدم البحيرات الطبيعية على مستوى العالم، والتي كانت في السابق جزءًا من روافد نهر النيل، وصولًا إلى آثار الحضارات القديمة مثل: معبد قصر الصاغة والطريق البازلتي الذي ربط بين محاجر البازلت بجبل قطراني وشاطئ البحيرة القديم لنقل الأحجار إلى مواقع الأهرامات وبناء أرضيات المقابر والمعابد، لذلك حرص المشروع على إبراز القيم التاريخية والأثرية والطبيعية لهذه المواقع من خلال إعداد مادة فيلمية تثقيفية تستخدم التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي".


وأوضح أن المكونات والمنشآت في منطقة جبل قطراني تجسد بصورة تصميمات تخيلية وحركية تتيح للمشاهد التعرف على التاريخ الطبيعي للمنطقة عبر فترات زمنية امتدت لملايين السنين، مع تقديم ظاهرة التغير المناخي كمحرك أساسي للأحداث وشاهد على التطور التاريخي؛ ما يجعل المركز التثقيفي نموذجًا متقدمًا للاستثمار البيئي والمجتمعي داخل المحميات الطبيعية.

الاستثمار المستدام: جسر بين البيئة والتنمية
توضح خبرات الجمعيات البيئية أن دمج المشروعات الاستثمارية مع حماية الطبيعة يخلق فرصًا للتنمية المستدامة ويعزز دور المجتمع المحلي في إدارة الموارد الطبيعية، وفي هذا الصدد يؤكد الدكتور خالد النوبي المدير التنفيذي للجمعية المصرية لحماية الطبيعة أن الاستثمار المستدام في المحميات الطبيعية يمثل فرصة استراتيجية لتحقيق التوازن بين حماية البيئة وتعزيز التنمية الاقتصادية للمجتمعات المحلية.


وأضاف أن دمج البعد البيئي في المشروعات السياحية يساهم في الحفاظ على التنوع البيولوجي، مستشهدًا بتجربته السابقة في الحملات الوطنية لحماية الطيور، والتي أثبتت أن المبادرات البيئية الفعّالة يمكن أن تتوازى مع النشاط الاقتصادي المستدام.


وأكد أن الشراكة بين الدولة والمجتمع المدني والمستثمرين المحليين تعد عنصرًا أساسيًا لضمان نجاح المشاريع داخل المحميات والحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة.

ضوابط الاستثمار بالمحميات الطبيعية
قال الأمين العام للاتحاد العربي للشباب والبيئة الدكتور ممدوح رشوان "إن الاستثمار داخل المحميات الطبيعية يجب أن يخضع لشروط وقواعد دقيقة؛ نظرًا لخصوصية هذه المناطق التي تضم ظواهر فريدة لا تتكرر في أماكن أخرى، سواء كانت موائل طبيعية لكائنات نادرة، أو تكوينات جيولوجية مميزة، أو نظمًا بيئية ذات طابع استثنائي تستدعي الحماية".


وأضاف "أن وزارة البيئة بدأت منذ فترة تطبيق نموذج (الاستثمار البيئي الملتزم) داخل عدد من المحميات، وهو استثمار يخضع لضوابط صارمة تتوافق مع طبيعة كل موقع"، مؤكدًا أن الهدف هو تعظيم الاستفادة دون المساس بالمكوّن البيئي أو التوازن الطبيعي.


وتابع "أن بعض المحميات تتمتع بمقومات خاصة تسمح بوجود أنشطة بيئية آمنة مثل: محمية «صمداي» التي تشتهر بوجود أعداد كبيرة من الدلافين، حيث تم السماح بالاستثمار في نشاط مشاهدة الدلافين ولكن وفق قواعد مُحكمة، من بينها تحديد عدد الزائرين يوميًا؛ للحفاظ على هذه الثروة الطبيعية وإدارتها إدارة بيئية سليمة"، مشيرًا إلى أنه لو اختفت الشعاب المرجانية من محمية رأس محمد - وهي قبلة الغواصين حول العالم - لفقدت المحمية أحد أهم أسباب زيارتها باعتبارها مقصدًا لرؤية الشعاب الفريدة.


وشدد على أن الاستثمار داخل المحميات ليس ممنوعًا، بل متاح بشرط الالتزام التام بضوابط الحماية، مؤكدًا أن هذه المنظومة تهدف إلى صون كنوز الطبيعة للأجيال القادمة مع تحقيق استفادة اقتصادية مستدامة.


وبدوره..قال خبير البيئة أمين عام اتحاد خبراء البيئة العرب الدكتور مجدي علام إن مصر تحتوى على حوالي 30 محمية طبيعية، منها المحميات التي تقع على البحار، كمحميات البحر الأحمر، والمحميات الطبيعية التي تقع في المناطق الجبلية والصحراوية بأشكالها المختلفة، كما توجد محميات التراث الطبيعي والمحميات الجيولوجية.


وتابع "أن المحميات الطبيعية بطبيعة تشكيلها وتكوينها ينبغي أن تكون محمية من أية تجاوزات تهدد سلامتها، فلا يُسمح بقطع الأشجار بها أو صيد الكائنات سواء كانت صديقة للإنسان أو حيوانات متوحشة".


وأشاد باتجاه الدولة للاستثمار في المحميات الطبيعية باعتبارها أهم مناطق السياحة البيئية التي تحقق عوائد اقتصادية ضخمة، ولكي يتم الحفاظ على سلامة تلك المحميات، يتم تقسيم كل محمية إلى 3 دوائر أو أحزمة، ففي الدائرة الخارجية تُقام المشروعات الاستثمارية من مطاعم وفنادق صديقة للبيئة ومواقف الأوتوبيسات "يسمح في المنطقة الخارجية بممارسة بعض الأنشطة الرياضية كتسلق الجبال، ومسابقات الدراجات".


وأضاف أن المنطقة الثانية أو الوسطى تسمى "بافر زون" أو المنطقة العازلة بين مركز المحمية والخارج، وفيها تُمهد الطرق بنفس مكونات المحمية الطبيعية، من الصخور والأحجار، ويمنع استخدام الخرسانة والمواد الأسمنتية بها للحفاظ على طبيعة المحمية، أما المنطقة الثالثة فهي مركز المحمية الطبيعية، التي يمكن دخول الزائرين فيها وفقًا لمعايير تضعها وزارة البيئة؛ بما يضمن سلامة المحمية وعدم تعرضها لأية ملوثات أو أدخنة.

غزال الريم: تجربة سياحية بيئية مبتكرة
تُعد قرية غزال الريم للمأكولات البدوية بمحمية الغابة المتحجرة بالتجمع الخامس بالقاهرة أول مشروع بيئي استثماري يربط المواطنين بالمحميات الطبيعية، ويعكس أهم أشكال الاستثمار البيئي الذي يدعم السياحة المستدامة ويعزز الترويج للتراث الثقافي والطبيعي للسكان المحليين في مختلف المحميات.


وحول تجربة الاستثمار داخل المحمية، قال مدير القرية إيهاب عبدالعاطي "إن المشروع يوفر تجربة فريدة للزوار، حيث تم تصميم المكان ليحاكي أجواء السفاري والخيم البدوية، مع تقديم المأكولات التقليدية بطريقة مبتكرة تشمل الطواجن والفخارات والخبز المباشر على الصاج؛ ليجمع بين الثقافة المحلية والطبيعة الصحراوية في تجربة سياحية متكاملة".


وأضاف "أن إدارة المحمية وضعت خطة بيئية دقيقة لتنظيم الاستثمار داخل المحمية، بحيث تشمل تقسيم المناطق إلى حساسة لا يمكن المساس بها وأخرى يمكن استثمارها وفق اشتراطات صارمة، وتشمل هذه الاشتراطات إنشاء منشآت خفيفة من خامات طبيعية متوافقة مع البيئة، وضمان استخدام مستدام للموارد المائية، والتخلص المناسب من المخلفات، مع مراعاة اختلاف هذه الاشتراطات بحسب طبيعة كل محمية، مما جعل الاستثمار في الغابة المتحجرة بالقاهرة الجديدة مختلفًا عن محمية نبق أو وادي الجمال".


وتابع "أن المشروع اشتمل أيضًا على جانب تعليمي وتوعوي، حيث تتضمن الخيمة البدوية عرض المنتجات الطبيعية للمحميات مع وضع علامات إرشادية تبرز التنوع الثقافي والبيئي وتوصل رسالة للعالم بأهمية الحفاظ على التراث المحلي، ويبرز المشروع كيف يمكن للقطاع الخاص، بالتعاون مع السكان المحليين، تحقيق استثمار مستدام في المحميات الطبيعية، يجمع بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة وتعزيز السياحة البيئية والثقافية".


الغردقة الخضراء: رحلة استثمار يحافظ على الطبيعة ويعزز المجتمع
وفي إطار تعزيز الاستثمار المستدام في المحميات الطبيعية، تأتي جهود مشروع الغردقة الخضراء كمثال حي على دمج البعد البيئي مع التنمية السياحية ، حيث تهدف هذه المبادرات إلى حماية الموارد الطبيعية مع خلق فرص اقتصادية مستدامة للمجتمعات المحلية.


وأكدت الدكتورة يسرية حامد مدير مشروع الغردقة الخضراء أن المشروع يعمل على نشر ثقافة السياحة البيئية وتشجيع العاملين في القطاع السياحي والمجتمعات المحلية على تبني سلوكيات مسؤولة ومستدامة، مشيرة إلى أن الحفاظ على البيئة هو استثمار في المستقبل.
وأضافت "أن المشروع يُعد نموذجًا ناجحًا لتكامل الجهود بين الدولة والمجتمع المدني في الحفاظ على البيئة البحرية وتنمية المقاصد السياحية، وحماية التراث الطبيعي في منطقة البحر الأحمر، من خلال دمج البعد البيئي في القطاع السياحي وتشجيع الممارسات البيئية المسؤولة".


وأعلنت أن المشروع يعمل حاليًا على تقييم رأس المال الطبيعي وإعداد دليل للمطارات الخضراء، بالإضافة إلى التحضير لخطة استثمارية متكاملة ستعمل بالتوازي مع القروض الدوارة، بالتعاون مع أحد البنوك، لتعزيز الاستدامة الاقتصادية والبيئية على حد سواء.

المحميات الطبيعية: كنز اقتصادي وحافظ للتراث
قالت سالي فريد أستاذ الاقتصاد ورئيس قسم السياسة والاقتصاد بكلية الدراسات الإفريقية العليا جامعة القاهرة، إن المحميات الطبيعية تعد جزءًا هامًا من التنمية المستدامة، لأنها تتيح التعامل مع الموارد بطريقة علمية مستدامة مع الحفاظ عليها للأجيال القادمة. 


وأضافت "أن هناك تجارب سابقة أثبتت أن سوء إدارة الموارد مثل الصيد الجائر أدى إلى خسائر كبيرة، لذا أصبح الاستثمار في المحميات الطبيعية وتنميتها بشكل منظم يمثل فرصة اقتصادية كبيرة للدولة من خلال الإيرادات الناتجة عن الرسوم المختلفة والأنشطة السياحية المرتبطة بها".


وتابعت "أن المحميات الطبيعية لا تمثل قيمة اقتصادية فقط، بل تحافظ أيضًا على التراث البيئي والثقافي للدولة"، مشيرة إلى أن مصر تشارك في عدد من المواقع التي تمثل التراث الثقافي والبيئي على مستوى الأمم المتحدة، حيث يوجد نحو 170 موقعًا مدرجًا كمواقع تراث عالمي.


وأوضحت أن هذه المواقع، عند الالتزام بالشروط والإجراءات المطلوبة، تجذب أعدادًا كبيرة من السياح، مما يسهم في زيادة الموارد الاقتصادية للدولة.د وذكرت سالى فريد أن الإيرادات الناتجة عن المحميات الطبيعية ارتفعت خلال العام الحالي لتصل لنحو 600 مليون جنيه، مؤكدًة على الأهمية الاقتصادية والاستثمارية لهذه المحميات لدعم التنمية المستدامة وتعظيم الفائدة من الثروات الطبيعية.


الغرقانة.. حين تتحول التنمية إلى حياة
يعد مشروع تطوير قرية الغرقانة بمحمية نبق في شرم الشيخ نموذجًا حيًا للاستثمار في المحميات الطبيعية، حيث يوضح كيف يمكن دمج السكان المحليين في التنمية المستدامة وتحويلهم إلى شركاء رئيسيين في إدارة الموارد الطبيعية والحفاظ عليها.


ويركز المشروع على تحسين سبل معيشة السكان المحليين من خلال إنشاء وحدات سكنية مستدامة تعمل بالطاقة الشمسية، وتطبيق أساليب العمارة البيئية التي تراعي الثقافة والهوية البدويّة للمجتمع المحلي؛ ما يعزز من جاذبية القرية السياحية ويجعلها تجربة فريدة للزوار المهتمين بالسياحة البيئية والثقافية، حيث أكد السكان المحليون أن التطوير لم يقتصر على تحسين المساكن، بل شمل دمجهم في أنشطة سياحية وخدمية تدعم الموارد الطبيعية للمحمية وتزيد من فرص دخلهم.


من جانبه..قال أحمد سريع أحد سكان القرية "إن الوحدات السكنية الجديدة تتيح لأول مرة توفير الطاقة الشمسية وتخزين الموارد الغذائية بطريقة مستدامة بما يتوافق مع العادات المحلية"، مشيرًا إلى أن المشروع حافظ على التنوع البيولوجي الفريد للمحمية وأعاد للقرية طابعها الثقافي والاجتماعي الأصيل.


وأضاف "أن التطويرات المستقبلية ستشمل إنشاء مدرسة ووحدة صحية ووحدة مطافي، لتكتمل الخدمات الأساسية داخل القرية، ما يجعل المشروع مثالًا حيًا على كيفية تحويل الاستثمار في المحميات إلى فرصة لتطوير المجتمعات المحلية وتعظيم الاستفادة الاقتصادية والاجتماعية مع الحفاظ على البيئة".


وبدوره..استعرض أحد المستثمرين تجربته في العمل داخل المحمية كنموذج للاستثمار البيئي المسؤول الذي يوازن بين حماية الموارد الطبيعية وتحقيق عائد اقتصادي مستدام، موضحا أن الالتزام بالضوابط البيئية والتنسيق المستمر مع الجهات المعنية أسهم في الحفاظ على النظم البيئية الحساسة.


وأوضح أن بعض التحديات مثل: محدودية البنية التحتية وضرورة الالتزام الصارم بالمعايير البيئية، شكلت فرصًا لتطوير حلول مبتكرة تعتمد على الطاقة النظيفة وإدارة الموارد بكفاءة، وتكوين فرق عمل متخصصة تجمع بين الخبرة البيئية والاستثمارية. 


وأكد أن هذه التجربة أثبتت أن حماية البيئة لا تعيق العائد الاقتصادي بل تعزز قيمته، وأن الاستثمار في المحميات الطبيعية يمثل فرصة واعدة تستفيد منها الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المحلي لضمان استدامة الموارد للأجيال القادمة.

تطوير يحمي ويُمكّن
توضح رؤية الدكتور عاطف محمد كامل الخبير الدولي بالحياة البرية والمحميات الطبيعية والتنوع البيولوجي باليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية كيف يمكن للاستثمار البيئي المدروس أن يحقق معادلة فريدة تجمع بين حماية المحميات ورفع جودة حياة المجتمعات التي تعيش حولها.


وأكد أن مصر تعمل حاليًا على تطوير 13 محمية طبيعية لتصبح من بين أبرز المقاصد السياحية العالمية، مع التركيز على إشراك وتمكين السكان المحليين المحيطين بهذه المحميات، بما يحقق التوازن بين الحفاظ على الموارد الطبيعية ورفع المستوى المعيشي للمجتمعات المحلية.


وقال إن جهود تطوير المحميات الطبيعية في مصر تعتمد على مزج تحسين البنية التحتية للسياحة البيئية مع إشراك المجتمعات المحلية وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص لضمان التنمية المستدامة، وتشمل هذه الجهود تحسين الخدمات المقدمة للزوار في محميات مثل رأس محمد وأبو جالوم، بالإضافة إلى تنفيذ مشروعات بيئية تدمج السكان المحليين في أنشطة السياحة البيئية أو في الاستفادة من عوائد المحميات بشكل مباشر، مما يسهم في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.


وأضاف أن دمج السكان المحليين في جهود تطوير المحميات يعد ركيزة أساسية لنجاح هذه المبادرات، ويتم ذلك عبر عدة محاور، منها تطوير المحميات نفسها مثل إنشاء وحدات سكنية ودعم الخدمات في قرية الغرقانة بمحمية نبق وإشراك السكان المحليين في الأنشطة البيئية والسياحية مثل: الإرشاد السياحي، وإدارة الفنادق والمطاعم، والنقل والخدمات المرتبطة بالمحمية، كما يساهم السكان في الاستفادة من عوائد السياحة البيئية، وممارسة الحرف التراثية، والمشاركة في التسويق للمنتجات المحلية مثل التمور في سيوة.


وتابع أن استراتيجيات التنمية المستدامة في المحميات تشمل دعم الحرف والصناعات المحلية، الحفاظ على التراث الثقافي، وتعزيز التوعية البيئية لضمان شعور السكان بالملكية والاستدامة، بما يؤدي إلى نموذج متكامل يحافظ على المحميات للأجيال القادمة.


وقال "رغم التحديات التي تواجه المحميات الطبيعية في مصر مثل الحاجة المستمرة لتمويل صيانة التراث، ومكافحة الصيد الجائر، والتوعية البيئية، ومنع التعديات على الأراضي، إلا أن جهود الدولة الحالية من خلال إشراك السكان المحليين بشكل فعال أثمرت نتائج إيجابية ملحوظة، بما في ذلك زيادة دخل المحميات وتحقيق التنمية المستدامة مما يضع مصر كنموذج رائد في دمج الاستثمار البيئي مع حماية الموارد الطبيعية وتعظيم الفائدة المجتمعية".


الأرخبيل الأعظم .. محمية المستقبل 
ومع استمرار جهود التطوير والاستثمار البيئي داخل المحميات، تكشف الدولة عن واحد من أهم المشروعات المستقبلية التي ستشكل نقلة نوعية في حماية تراث البحر الأحمر وتعزيز مكانة مصر عالميًا في مجال التنوع البيولوجي، حيث أعلن الدكتور علي أبوسنة الرئيس التنفيذي لجهاز شئون البيئة أن الحكومة أصدرت قرارًا بإعلان الحيد المرجاني العظيم بالبحر الأحمر كمحمية طبيعية بحرية، ما يعزز جهود حماية المنظومة البيئية الفريدة للمنطقة ويدعم الاقتصاد الأزرق عبر المشروعات السياحية والتنموية المستدامة وفق الضوابط البيئية.


وقال "إن القرار يتيح فرصًا استثمارية متميزة للقطاع الخاص، ويشمل تكليف محافظي البحر الأحمر وجنوب سيناء باتخاذ الإجراءات اللازمة لحراسة المحمية وإدارتها"، مؤكدًا أن مصر تمتلك الآن 31 محمية طبيعية توفر تنوعًا بيئيًا فريدًا وأنشطة سياحية مستدامة.


وأضاف "أن جهاز شئون البيئة يسعى حاليًا لتوسيع عدد الفنادق الصديقة للبيئة في بعض المحميات، لضمان توفير خدمات سياحية مستدامة للزوار، وتعظيم تجربة السياحة البيئية بما يتوافق مع طبيعة كل محمية".


وتابع "أن الإيرادات من المحميات شهدت ارتفاعًا ملحوظًا، حيث ارتفع إجمالي دخل المحميات الطبيعية خلال عام 2024 بنسبة 40% مقارنة بعام 2023، وتتجاوز نسبة النمو 1900% مقارنة بعام (2017 - 2018) ما يعكس نجاح جهود وزارة البيئة في دعم الاستثمارات البيئية وتحقيق التنمية المستدامة داخل المحميات".


من جانبه..قال أستاذ بكلية العلوم بجامعة قناة السويس الدكتور محمود حنفي "إن إعلان الحيد المرجاني كمحمية طبيعية سيعزز الاستثمار البيئي من خلال ضمان الاستخدام المستدام للموارد البحرية وفق قانون موحد وتسهيل التنسيق بين الجهات المختلفة والمنتفعين، مع خلق تناغم في أنشطة الحماية والمشروعات المرتبطة بالموارد الطبيعية، وإبراز حرص مصر على الالتزام بالقوانين المحلية والاتفاقيات الدولية المتعلقة بالتنوع البيولوجي".


وأضاف "أن هذا الإعلان سيسهم في تعظيم القيمة الاقتصادية للمحمية من خلال تسويقها سياحيًا على غرار الحاجز المرجاني الأعظم في أستراليا، وجذب المنح الدولية لدعم الاستثمار المستدام في هذه النظم البيئية الفريدة".


وأخيرًا، توضح هذه المبادرات والتجارب أن الاستثمار في المحميات الطبيعية ليس مجرد فرصة اقتصادية، بل هو استثمار استراتيجي في مستقبل البيئة والتنمية المستدامة ومن خلال التعاون بين الدولة والمجتمع المدني والسكان المحليين والمستثمرين، يمكن تحقيق توازن مثالي بين حماية الموارد الطبيعية وتعظيم القيمة الاقتصادية والاجتماعية للمحميات.