تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه: ما مدى إلزام الأم بإرضاع ولدها حال قيام الزوجية؟ حيث إن هناك رجلًا رزقه الله بمولود، وزوجته ترضع ولده هذا، ويخاف من الوقوع في الظلم في حال عدم إعطائها أجر على الرضاعة؛ فهل تستحق الزوجة الأجرة على ذلك؟ وهل لها الحق في المطالبة بالأجرة؟
وأجابت دار الإفتاء عن السؤال قائلة: يجب على الأم شرعًا إرضاع ولدها حال قيام الزوجية ما لم يمنعها عن ذلك سببٌ معتبرٌ عرفًا وشرعًا؛ مِن نحو مرضٍ، أو انعدامِ لبنٍ، ونحوهما من الأسباب المعتبرة، ولا تستحق الأجرة على ذلك شرعًا؛ لأن امتناعها عن إرضاع الصغير حال قيام الزوجية يؤدي إلى النفرة بين الزوجين؛ ممَّا يكون سببًا في تفويت مصالح هذا النكاح، ولأن عرف المسلمين جرى على عدم طلب الأمهات الأجرة على إرضاع أولادهن.
وأهابت دارُ الإفتاء المصرية بأن يمتنع غيرُ المتخصصين مِن الخوض في ثل هذه المسائل؛ لأن هذا مما يُشعِل الفتن، ويُهَدِّد استقرار الأسرة، كما تهيب بالأمهات أن يمتنعن مِن الانسياق خلف هذه الدعاوى الهدَّامة التي يُقصد بها تخليهن عن واجباتهن تجاه أولادهن، وإفسادهن على أزواجهن، وزعزعة الثوابت الأسرية؛ ممَّا يؤدّي إلى الإضرار بوَحدة المجتمع واستقراره.
حدود الابن من الرضاعة وحقوقه
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا مضمونه: ما حدود الابن من الرضاعة؟ وما هي حقوقه؟
وأجابت دار الإفتاء عن السؤال قائلة: الرضاع تثبت به المحرمية الثابتة بالنسب؛ قال صلى الله عليه وآله وسلم: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه" (2/ 935، ط. 3 دار ابن كثير-اليمامة بيروت-سنة 1407هـ) وذلك إذا تحققت فيه الشروط التي تجعله مُحَرِّمًا؛ وهي أن يكون الرضاع في الحولين، وأن يكون عدد الرضعات خمسًا متفرقات.
ونوهت ان تحريم الرضاع يتعلق بالمرضعة وزوجها وهو ما يُعبِّر عنه الفقهاء بالفَحْل الذي له اللبن والطفل الرضيع، فهم الأصول في الباب، ثم تنتشر الحرمة منهم إلى غيرهم، فتصير الْمُرضِعةُ أمَّه، وتنتشر الحرمة منها إلى آبائها من النسب والرضاع، فهم أجداد الرضيع، فإن كان الرضيع أنثى حَرُم عليهم نكاحها، كما تنتشر الحرمة منها إلى أمهاتها من النسب والرضاع، فَهُنَّ جَداتٌ للرضيع، فيحرم عليه نكاحهن إن كان ذكرًا، وتنتشر الحرمة أيضًا منها إلى أولادها من النسب والرضاع، فَهُمْ إخوته وأخواته، وتنتشر كذلك منها إلى إخوتها وأخواتها من النسب والرضاع، فَهُمْ أخواله وخالاته، ويكون أولادُ أولادها أولادَ إخوة وأولادَ أخوات للرضيع، ولا تثبت الحرمة بين الرضيع وأولاد إخوة المرضعة وأولاد أخواتها؛ لأنهم أولاد أخواله وخالاته.
وأما زوج الْمُرضِعة فيصير أبًا للرضيع، وكذلك تنتشر الحرمة منه إلى آبائه وأمهاته فَهُمْ أجداد الرضيع وجداته، وإلى أولاده فَهُمْ إخوة الرضيع وأخواته، وإلى إخوته وأخواته فَهُمْ أعمام الرضيع وعماته.
وأما الْمُرتَضِع فتنتشِر الْحُرمة منه إلى أولاده من الرَّضاع أو النسَب فَهُمْ أحفاد الْمُرضِعة أو الفَحْل، ولا تنتشر إلى آبائه وأمهاته وإخوته وأخواته، فيجوز لأبيه وأخيه أن يَنكِحا المرضعة وبناتها. ينظر "مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج" (5/ 136، ط. دار الكتب العلمية).
ولا تنقطع نِسْبَةُ اللَّبن أي: الْمَحْرَمِيَّة عن زوج المرضعة حتى ولو مات عن هذه المرضعة أو طلقها، ما دامت الرضاعة قد تمَّت حال قيام الزوجية بينهما أو بعد قيامها ثم انقطاعها بطلاق أو وفاة، ما لم يحدث ما يُحال اللبن عليه من زوج آخر، أو بوسيلةٍ ما. ينظر: "أسنى المطالب" (3/ 418، ط. دار الكتاب الإسلامي).
واوضحت انه يترتب على الرضاع الْمُحَرِّم تحريم الزواج على التفصيل المتقدم، كما تثبت به المحرميَّة الْمُجَوِّزة للنظر والخلوة في السفر والحضر وعدم نقض الطهارة باللمس على الخلاف المعروف، أما سائر أحكام النسب؛ كالميراث والنفقة والولاية على المال أو النفس ومنع أداء الزكاة إليه فلا يتعلق بالرضاع؛ لأن النسب أقوى منه فلا يُقاس عليه في جميع أحكامه، وإنما يُشَبَّه به في ما نُصَّ عليه فيه. ينظر: "المغني" لابن قدامة (8/ 137، ط. دار إحياء التراث العربي).



