يدخل كوكب الأرض مرحلة حرجة من الإنهيار المناخي، مع رقم صادم لم يعد من الممكن تجاهله اختفاء نحو 100 ألف نهر جليدي خلال العقود القادمة.
هذا التحذير لا يستند إلى تقديرات مبالغ فيها، بل إلى دراسة علمية حديثة اعتمدت على بيانات الأقمار الصناعية ونماذج مناخية عالمية، شملت تحليل أكثر من 200 ألف نهر جليدي حول العالم.
دراسة واسعة تكشف حجم الخطر
الدراسة، التي قادها الباحث لاند فان تريشت من المدرسة الفيدرالية التقنية في زيورخ، ضمن فريق بحثي دولي، قدمت مفهوما صادما أطلق عليه العلماء اسم «ذروة انقراض الأنهار الجليدية» وتشير هذه الذروة إلى اللحظة التي يبلغ فيها عدد الأنهار الجليدية المفقودة سنويا أعلى مستوياته في التاريخ الحديث.
وبحسب النتائج، فإن هذه الذروة باتت قريبة، وقد تكون مدمرة بحلول منتصف القرن الحالي، مع احتمال اختفاء ما بين 2000 و4000 نهر جليدي سنويا، تبعا لمستوى الاحترار العالمي الذي ستسمح به البشرية.
قرارات بشرية لا ظاهرة طبيعية
لا يعد الباحثون ما يحدث جزءا من دورة طبيعية، بل نتيجة مباشرة للخيارات السياسية والاقتصادية الراهنة، لا سيما في مجالات الطاقة والوقود الأحفوري والنقل والصناعة.
وتشير الدراسة إلى أن التفكير قصير المدى، وهيمنة المصالح الاقتصادية الكبرى، وتأجيل الإجراءات الجادة تحت شعارات «التحول المنظم»، كلها عوامل تسرع هذا الانهيار الجليدي.
ذروة الانقراض موعدها بات معروفا
لا تترك الدراسة مجالا كبيرا للغموض في سيناريوهاتها ففي حال نجح العالم في حصر الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، فإن ذروة اختفاء الأنهار الجليدية ستقع قرابة عام 2041، مع فقدان نحو 2000 نهر جليدي سنويا.
حتى في هذا السيناريو المتفائل نسبيا، يؤكد الباحثون أن الانقراض الجماعي للأنهار الجليدية بات حتميا، والفارق الوحيد يكمن في عدد الأنهار التي يمكن إنقاذها، لا في منع الخسارة بالكامل.
سيناريوهات أكثر قتامة بحلول نهاية القرن
أما إذا استمر العالم على مساره الحالي، الذي يشير إلى ارتفاع درجات الحرارة بنحو 2.7 درجة مئوية، فإن الصورة تصبح أكثر قتامة.
فبحلول عام 2100، سيبقى أقل من نصف الأنهار الجليدية التي يمكن أن تنجو في سيناريو 1.5 درجة.
وفي حال وصول الاحترار إلى 4 درجات مئوية، تتوقع الدراسة سيناريو كارثية، مع اختفاء ما يصل إلى 4000 نهر جليدي سنويا بدءا من منتصف خمسينيات القرن الحالي، واستمرار التراجع لعقود طويلة.
الفرق سياسي لا تقني
تشدد الدراسة على أن الفارق بين 1.5 و2.7 درجة مئوية ليس مسألة علمية أو تقنية، بل قرار سياسي بامتياز.د ولا يعتمد هذا الفارق على اكتشافات مستقبلية، بل على الخيارات الحالية المتعلقة باستخدام الوقود الأحفوري، وأنماط الاستهلاك، والسياسات الزراعية والصناعية.
وتحذر من أن كل عُشر درجة إضافية يعني خسائر ملموسة في الجليد والمياه العذبة، وزيادة في الأراضي المعرضة للخطر.
مناطق ستكون أول الضحايا
لن تتوزع الخسائر بالتساوي فالأنهار الجليدية الصغيرة والمتوسطة ستكون الأكثر عرضة للاختفاء السريع وتشير التقديرات إلى أن جبال الألب الأوروبية والجبال الأنديزية شبه الاستوائية قد تفقد ما يصل إلى 50% من أنهارها الجليدية خلال عقدين فقط، أي قبل عام 2045.
تأثيرات عالمية تتجاوز الجبال
في المناطق ذات الكتل الجليدية الكبرى، مثل غرينلاند وحواف القارة القطبية الجنوبية، قد تتأخر ذروة الذوبان، لكنها ستكون أشد أثرا إذ يؤدي ذوبان الجليد إلى تسريع ارتفاع مستوى سطح البحر، واضطراب التيارات البحرية، وزيادة وتيرة الظواهر المناخية المتطرفة.
وبذلك، لا يعد فقدان الأنهار الجليدية أزمة محلية أو جبلية فحسب، بل عاملا رئيسيا في أزمة مناخية عالمية.
خسائر ثقافية وإنسانية لا تقاس بالأرقام
إلى جانب الأبعاد البيئية، تحذر الدراسة من خسائر ثقافية واجتماعية وروحية لا يمكن تعويضها فمجتمعات كاملة تعتمد على ذوبان الثلوج الموسمي لتأمين المياه ومع تراجع الجليد، ستتأثر حياة المزارعين، والسكان الأصليين، والمدن الواقعة أسفل الأنهار الجليدية.
وتؤكد الدراسة أن ما يحدث لا يمكن وصفه بـ«التكيف»، بل هو تجريد تدريجي من الموارد والحياة.
مؤشر لفشل عالمي
في خلاصة قاتمة، يشير الباحثون إلى أن عدد الأنهار الجليدية التي تختفي سنويا لم يعد مجرد رقم علمي، بل مقياس مباشر لفشل المجتمع الدولي في كبح الاحترار العالمي فبينما تستمر النقاشات حول الاستثناءات وتخفيف الالتزامات وحماية الصناعات الملوثة، يواصل الجليد ذوبانه بصمت وبلا هوادة.

