لا تقتصر الطفولة المبكرة على كونها مرحلة تعليمية أو خدمية بل تمثل مساحة جامعة تتشكل فيها أول ملامح الإنسان وعلاقته بالمجتمع من حوله، وفي محافظة الفيوم، تقدم حضانة جمعية تحسين أوضاع المرأة والطفل نموذجًا عمليًا لكيف يمكن لخدمات الطفولة المبكرة أن تتحول إلى نقطة تماسك مجتمعي، تتجاوز الاختلافات وتجمع الجميع حول هدف واحد هو حماية الطفل والاستثمار في مستقبله.
ويكتسب موقع الحضانة دلالة إنسانية خاصة ؛ إذ تقع بين مسجد التوحيد وكنيسة القداسة للأقباط الإنجيليين في مشهد يومي تتحول فيه الجغرافيا إلى رسالة؛ فمع صوت الأذان في الصباح، وأجراس الكنيسة التي تعلن أوقات الصلاة، تبدأ يوميات الأطفال داخل الحضانة، وكأن هذه الأصوات المتجاورة لا ترسم حدودًا بل تمتد كأيدٍ رمزية تسند المكان وتدعمه وتحيط الطفولة برعاية مشتركة لا تعرف الاختلاف.
ولا يقتصر دور الحضانة على الرعاية التقليدية، إذ شهدت تطويرًا في البنية التحتية بالتوازي مع الاستثمار في العنصر البشري، من خلال تدريب الميسرات وتطبيق منهجية "التعلم من خلال اللعب"، بما يخلق بيئة تعليمية داعمة لنمو الطفل نفسيًا واجتماعيًا، ويعزز قيم المشاركة والقبول والعمل الجماعي منذ السنوات الأولى.
وتأتي هذه التجربة في إطار الرؤية الشاملة التي تعمل وزارة التضامن الاجتماعي على تنفيذها لتنمية الطفولة المبكرة، باعتبارها أحد المحاور الأساسية ومرتكزًا رئيسيًا للاستثمار في الإنسان منذ سنواته الأولى، ويعد البرنامج القومي لتنمية الطفولة المبكرة أحد أهم تدخلات الوزارة في هذا المجال حيث يستهدف تحسين جودة خدمات التعليم والرعاية للأطفال من عمر يوم إلى أربع سنوات، وتطوير بيئة الحضانات وفق المعايير الدولية.
وفي هذا السياق ..تنفذ الوزارة مشروع تحسين جودة خدمات الطفولة المبكرة بالتعاون مع هيئة التعاون الدولي اليابانية جايكا ضمن مبادرة الشراكة المصرية – اليابانية في التعليم المبكر منذ عام 2017، بهدف نشر منهجية "التعلم من خلال اللعب"، ورفع كفاءة الميسرات، وتطوير الأدوات التعليمية، إلى جانب تنفيذ ورش توعية للأسر، وتعزيز نظم المتابعة والتقييم داخل الحضانات.
وشمل المشروع تجهيز وتوزيع 1,728 أداة تعليمية على 104 حضانات، وتدريب 125 ميسرة في خمس محافظات، بما يسهم في تقليص الفجوة بين الممارسات التقليدية ومتطلبات الجودة في التعليم المبكر، ويعكس تحولًا تدريجيًا نحو نموذج أكثر احترافية واستدامة في رعاية الطفولة.
كما تتسع جهود الوزارة نحو التوسع في إتاحة خدمات الحضانة على مستوى الجمهورية، من خلال إطلاق أول حصر وطني شامل لدور الحضانة لتأسيس قاعدة بيانات دقيقة ونظام حوكمة فعال، إلى جانب افتتاح أول مركزين لرعاية أطفال العاملات في مقار الوزارات بالعاصمة الإدارية الجديدة دعمًا للمرأة العاملة.
كما قامت وزارة التضامن بتعزيز الإسناد المؤسسي عبر دراسة 32 طلب إسناد، وتنفيذ 81 زيارة ميدانية لمتابعة الجودة، واتخاذ إجراءات لتطوير البنية التحتية بدور الحضانة فضلًا عن استحداث سياسات نوعية تشمل إنشاء مراكز متكاملة للطفولة المبكرة، ومراجعة منهج استرشادي موحد، وتطوير منظومة إلكترونية لترخيص الحضانات، والانتهاء من مسودة اللائحة المنظمة، وإصدار تراخيص مؤقتة للحضانات غير المرخصة لتوفيق أوضاعها.
وجاء تنفيذ الحصر الوطني الشامل لدور الحضانات خلال الفترة من 29 يونيو إلى 23 أكتوبر 2025، على مدى نحو 118 يومًا، بمشاركة أكثر من 1,500 باحث مركزي وميداني، وأسفر عن حصر 48,225 حضانة تقدم خدمات للأطفال من عمر صفر إلى أربع سنوات، يستفيد منها نحو 1.7 مليون طفل داخل 133,375 فصلًا، ويعمل بها 254,322 عاملًا وعاملة فيما بلغت نسبة التحاق الأطفال من الفئة العمرية من 3 إلى 4 سنوات بالحضانات 31% بما يعكس الحجم الحقيقي للقطاع ودوره الحيوي في الاقتصاد الرعائي والتشغيل والتمكين الأسري.
وفي هذا الصدد .. تجدر الإشارة إلى أهم نتائج الحصر الوطني الشامل لدور الحضانات الذي نفذته وزارة التضامن خلال الفترة من 29 يونيو إلى 23 أكتوبر 2025 على مدى نحو 118 يومًا، بمشاركة أكثر من 1500 باحث مركزي وميداني، ليقدم لأول مرة صورة واقعية ومتكاملة عن قطاع الحضانات في مصر، بعيدًا عن التقديرات الجزئية.
وأسفر الحصر عن تسجيل 48,225 حضانة تقدم خدمات للأطفال من عمر صفر إلى أربع سنوات، يستفيد منها نحو 1.7 مليون طفل داخل 133,375 فصلًا، ويعمل بها 254,322 عاملًا وعاملة، وهي أرقام تكشف أن قطاع الحضانات لم يعد مجرد خدمة اجتماعية بل بات مكوّنًا رئيسيًا في منظومة الاقتصاد الرعائي، بما يوفره من فرص تشغيل، ودعمه المباشر لاستقرار الأسرة وتمكين المرأة.
كما تعكس نسبة التحاق الأطفال من الفئة العمرية من 3 إلى 4 سنوات التي بلغت 31%، حجم الفجوة القائمة وفرص التوسع المستقبلية، بما يجعل من تطوير هذا القطاع مدخلًا أساسيًا لتعظيم الأثر الاجتماعي والاقتصادي لسياسات الطفولة المبكرة.
وتمثل هذه النتائج نقطة انطلاق لمرحلة تطوير شاملة تستند إلى البيانات الواقعية لتحديث السياسات ورفع كفاءة منظومة الحضانات، وتحسين جودة خدمات الطفولة المبكرة، بما يتسق مع رؤية الدولة لبناء جيل يمتلك المهارات والقدرات اللازمة للمستقبل.
وفي هذا الإطار، تبدو حضانة الفيوم نموذجًا مصغرًا لهذه الفلسفة حيث تتحول الخدمة إلى مساحة جامعة، ويصبح الطفل نقطة التقاء، ويغدو الاختلاف عنصر قوة يسند التماسك المجتمعي ولا ينتقص منه.