أفادت تقارير نقلتها وكالة الأنباء الفرنسية (أ ف ب) وعرضتها قناة "العربية"، بوجود تطور استخباراتي وقانوني بارز في الملف السوداني، حيث أكد عقيد سابق في الجيش الكولومبي مدرج بالفعل على قائمة العقوبات الأمريكية تورطه في عمليات تجنيد واسعة لصالح قوات الدعم السريع.
هذا الاعتراف يمثل حلقة الوصل المفقودة التي تفسر كيفية وصول المقاتلين من أمريكا اللاتينية إلى ميادين القتال في السودان، ويكشف عن هيكلية منظمة لإدارة "سوق المرتزقة" العابر للحدود، والذي أصبح يغذي الصراع السوداني بخبرات عسكرية أجنبية متمرسة.
شبكات التجنيد: مهارات عسكرية للبيع
تشير المعلومات إلى أن العقيد الكولومبي المعني استغل علاقاته الواسعة داخل الأوساط العسكرية المتقاعدة في بلاده لبناء جسر جوي ولوجستي لنقل المقاتلين.
هؤلاء المجندون ليسوا مجرد أفراد عاديين، بل هم نتاج عقود من الحروب ضد العصابات في كولومبيا، مما يجعلهم "أصولاً عسكرية" ثمينة لقوات الدعم السريع التي تسعى لتعزيز صفوفها بقناصة وخبراء في تكتيكات الهجوم المباغت.
إن إدراج هذا العقيد على قائمة العقوبات الأمريكية سابقاً يعكس سجله المليء بالأنشطة المزعزعة للاستقرار، ويؤكد أن عمليات التجنيد للسودان ليست مجرد مبادرات فردية، بل هي نشاط إجرامي دولي منظم.
الدلالات السياسية: حرج دولي وتضييق الخناق
يضع هذا الاعتراف قوات الدعم السريع في مواجهة مباشرة مع القوانين الدولية التي تجرم استخدام المرتزقة، كما يزيد من الضغوط الدبلوماسية على الأطراف الإقليمية التي قد تكون سهلت مرور هذه العناصر أو مولت صفقات تجنيدهم. ويرى مراقبون أن كشف هوية "المنسق الكولومبي" سيسهل على وزارة الخزانة الأمريكية والمجتمع الدولي تتبع المسارات المالية التي تُدفع من خلالها رواتب هؤلاء المقاتلين، مما قد يؤدي إلى تجفيف منابع تمويل العمليات العسكرية التي تستهدف المدن السودانية، وعلى رأسها مدينة الفاشر المحاصرة.
مستقبل الصراع في ظل "الاحتراف الأجنبي"
على الصعيد الميداني، يثير وجود قادة ومخططين من خلفيات عسكرية كولومبية مخاوف كبيرة من تغيير قواعد الاشتباك في السودان نحو مزيد من العنف الممنهج.
فالعقيد الكولومبي المجنِد لا يكتفي بإرسال الأفراد، بل ينقل "عقيدة قتالية" تعتمد على الاستنزاف القاسي، وهو ما يفسر الصمود العسكري والقدرة الهجومية المتزايدة في بعض الجبهات. إن تدويل الأزمة عبر "الخبرات اللاتينية" يجعل من الحلول السياسية أمراً بعيد المنال، حيث يصبح القرار الميداني رهينة لمصالح شركات الأمن الخاصة والمقاتلين الأجانب الذين لا مصلحة لهم في إنهاء الحرب.
تمثل قصة العقيد الكولومبي المعتمد لدى الدعم السريع صرخة تحذير للمجتمع الدولي بأسره؛ فالأزمة السودانية لم تعد شأناً داخلياً أو حتى إقليمياً، بل تحولت إلى تجارة عالمية لـ "تصدير الموت".
إن وقف نزيف الدم في السودان يتطلب الآن تحركاً قانونياً دولياً يتجاوز مجرد التنديد، ليشمل ملاحقة هؤلاء "المقاولين العسكريين" وإغلاق منافذ التجنيد الدولية، لضمان ألا يتحول السودان إلى مستنقع دائم للمرتزقة من كل مكان ..