أكد الدكتور عمرو الورداني، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن التقوى في حقيقتها ليست رعبًا ولا خوفًا مرضيًا، وإنما هي خوف المحب على علاقته بحبيبه العظيم، موضحًا أن الخوف الوارد في تعريف سيدنا الإمام علي رضي الله عنه للتقوى هو خوف المحبة لا خوف الفزع، حين قال: «التقوى العمل بالتنزيل، والخوف من الجليل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل»، فـ«الخوف من الجليل» معناه أن يخشى الإنسان أن يغضب الله منه أو أن يضيع قلبه بعيدًا عنه.
العلم والرحمة والأمان
وأوضح الدكتور عمرو الورداني، في تصريح له، أن هذا الخوف لا يختص بصاحب المعصية فقط، بل يشمل حتى الطائع، فالعبد وهو يقدم الطاعة يخاف ألا تكون على قدر جلال الله وعظمته، لأن الله عنده عظيم وجليل، مشيرًا إلى أن الله سبحانه وتعالى ربّى عباده بالعلم والرحمة والأمان، لا بالرعب ولا بمنطق التربص، وإنما بمنطق التربية الإلهية التي تقود الإنسان ليكون مع الله في سكينة واطمئنان.
مواسم لتصحيح العلاقة مع الله
وبيّن أن الأشهر الحرم ليست أزمنة تهديد، وإنما هي مواسم لتصحيح العلاقة مع الله، مؤكدًا أن أول عبادة حقيقية في هذه الأشهر هي تصحيح المعرفة بالله، لأن شهر رجب سُمّي «رجب الأصَب» لكثرة ما يُصبّ فيه من مدد ورحمة، موضحًا أن معنى «الحرُم» لا يقتصر على المنع، بل يتسع ليشمل وجوب الرحمة، ووجوب السلام، ووجوب التسامح، ونزع العنف والعداوة من القلوب.
وأشار أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية إلى أن الله سبحانه وتعالى جعل الأشهر الحرم مساحة مقصودة للتزكية، موضحًا أن المنظومة الإيمانية تبدأ برجب للتخلية من الذنوب، خاصة الذنوب المُصرّ عليها والعادات السيئة، ثم شعبان للتحلية بالطاعات، ثم رمضان للتجلية والوصل بالله سبحانه وتعالى، مؤكّدًا أن الذنب إذا لم يُواجه ويتوقف الإنسان أمامه يتحول إلى عادة، ثم إلى طبع، ثم يغطي القلب ويصنع له حجابًا.
العودة الصادقة
وأكد أن أخطر ظلم يقع فيه الإنسان هو ظلم نفسه بإبعادها عن الله، وبالعيش الدائم في صراعات داخلية تستهلك القلب وتنهكه، مشددًا على أن علاج ذلك هو العودة الصادقة وتصحيح المسار، داعيًا الله سبحانه وتعالى بما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك»، حتى يظل القلب حيًا متصلًا بالله، بعيدًا عن القسوة والخوف المرضي، قريبًا من الرحمة والأمان الإلهي.

